السودان يحشد عربياً ودولياً لرفع اسمه من القائمة السوداء

وفده إلى ميونيخ بحث الأمر مع بومبيو... وأشاد بانفتاح الاستثمار الألماني على بلاده

ميركل وحمدوك خلال مؤتمر صحافي في برلين اول أمس (د.ب.أ)
ميركل وحمدوك خلال مؤتمر صحافي في برلين اول أمس (د.ب.أ)
TT

السودان يحشد عربياً ودولياً لرفع اسمه من القائمة السوداء

ميركل وحمدوك خلال مؤتمر صحافي في برلين اول أمس (د.ب.أ)
ميركل وحمدوك خلال مؤتمر صحافي في برلين اول أمس (د.ب.أ)

يومان ماراثونيان قضاهما الوفد السوداني برئاسة رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، في ميونيخ، بعد زيارة قصيرة لبرلين يوم الجمعة، غادر بعدها مساء إلى عاصمة بافاريا. ورغم أن حمدوك والوزراء المرافقين له لم يشاركوا في جلسات مفتوحة لمؤتمر ميونيخ للأمن، فإن جدول لقاءاتهم كان مزدحماً؛ حتى أن تضارب المواعيد جعل من اللقاء الأهم - ربما بالنسبة للوفد السوداني - لقاءهم بوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مختصراً إلى 7 دقائق فقط، وأقل رسمية من اللقاءات الأخرى، لتضاربه مع لقاء مع مسؤول خليجي. ومن بين الذين التقاهم الوفد السوداني مسؤولون من الكويت والإمارات وهولندا والدنمارك، وغيرهم.
وقالت مصادر رفيعة في الوفد السوداني لـ«الشرق الأوسط»، إن الهدف من هذه اللقاءات كلها «كان حشد التأييد الدولي والعربي» لتحقيق الهدف الأساسي الذي تسعى له الحكومة الانتقالية، وهو رفع اسم السودان عن اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب. وقالت المصادر إن اللقاء مع بومبيو تناول هذا الموضوع، وأن حمدوك حصل على وعد من الوزير الأميركي بالمساعدة في شطب اسم السودان من اللائحة السوداء.
وبدا مسؤولون في الوفد السوداني أكثر تفاؤلاً من غيرهم؛ إذ قال أحد هؤلاء المسؤولين الرفيعين لـ«الشرق الأوسط»: «نحن دائماً نحصل على وعود، ولكن لا نعرف ما إذا كانت ستطبق ومتى».
لكن مسؤولاً آخر مقرباً من رئيس الحكومة، بدا واثقاً من أن العراقيل زالت الآن، وأن الطريق بات ممهداً لإزالة السودان من تلك اللائحة، بعد أن وافقت الخرطوم على دفع تعويضات مالية لعائلات 17 بحاراً أميركياً، قتلوا بهجوم نفذه تنظيم «القاعدة» ضد المدمرة الأميركية كول في اليمن عام 2000. واتهمت واشنطن حينها السودان بالمسؤولية عن الهجوم؛ لأن المفجرين الانتحاريين اللذين استهدفا المدمرة «كول» كانا قد خضعا لتدريبات عسكرية في السودان. وكان دفع التعويضات شرطاً أساسياً فرضته واشنطن على الخرطوم لإزالتها من اللائحة السوداء. وقالت مصادر مقربة من حمدوك لـ«الشرق الأوسط»، إن «المسألة باتت مسألة وقت الآن قبل أن يرفع اسم السودان، ونحن بانتظار قرار محكمة أميركية حول قبول التعويضات، وهذا سيمهد الطريق أمام إعادة أحياء اقتصاد السودان».
واعترف رئيس الحكومة حمدوك، في لقاء مع الجالية السودانية في ميونيخ، بأن الأزمة الاقتصادية هي أكبر تحدٍّ يواجه الحكومة الانتقالية. وقال: «التحدي الاقتصادي يبقى أكبر همومنا: غلاء المعيشة، والحصار المضروب علينا، وبقاء اسم السودان في القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، ونحن نعمل على إزالته».
وبدا حمدوك متفائلاً إزاء نتائج لقائه مع بومبيو، وقال إنه بحث معه هذه المسألة و«أعتقد أنه يمكننا حلها».
وتحدث حمدوك عن تحديات أخرى تتمثل بالوصول للسلام في مفاوضات جوبا التي وصفها بأنها «تسير بطريقة جيدة، وبالاتجاه السليم، وقريباً جداً سنصل للنهاية».
وأشار إلى أن حكومته الفتية التي تشكلت قبل 5 أشهر فقط، لديها «تركة كبيرة جداً عمرها 30 عاماً». وأضاف: «ليس هناك حل بين ليلة وضحاها. نعرف توقعات شعبنا، وسنقوم بما يتوقعون منا بأسرع وقت ممكن». وأشار إلى أنه «لا أحد لديه أجندة خاصة، وسنعمل على حل كل القضايا. ليس هناك شيء غير مقدور عليه»، ليشدد على أن هناك خياراً واحداً أمام هذه الحكومة، هو «خيار النجاح».
ووصف حمدوك ألمانيا بأنها «بلد منفتح على السودان، وسياستها داعمة له»، وأشار إلى أن قرار البرلمان الألماني قبل يوم من وصوله إلى برلين برفع الحظر المفروض على الاستثمار الائتماني في السودان «سيفتح مجال عمل كبير جداً، وهو صفحة جديدة» لبلده. وقال: «يريدون العمل معنا في مجالات عديدة: التكنولوجيا والزراعة والتعدين، ولكن الأهم هو مجال الطاقة. ألمانيا بلد يقود في مجال الطاقة والطاقة التقليدية». وأضاف حمدوك: «لو استمررنا مع ألمانيا في الستينات (من القرن الماضي) في التدريب المهني وغيره، لكنا بلداً ثانياً. لا نلومهم؛ بل نلوم أنفسنا، وعلينا اليوم أن نستفيد من إلغاء الحظر الذي نعتبره بداية جديدة». وكانت ألمانيا قد أصدرت عام 1989 قراراً بوقف الاستثمار الائتماني في السودان، بعد الانقلاب الذي أوصل عمر البشير للحكم. وأكد وزير الطاقة والتعدين السوداني عادل علي إبراهيم الذي يرافق حمدوك في جولته الألمانية، لـ«الشرق الأوسط» أنه «تلقى وعوداً قوية من ألمانيا بدعم السودان فيما يخص الطاقة وقطاع الكهرباء، من ناحية المشروع الإسعافي السريع والمشروع الطويل». وأضاف أن زيارة برلين، واللقاء بالمستشارة أنجيلا ميركل «كانا مهمين جداً» بالنسبة إليه كوزير للطاقة؛ لأن مجال التعاون في هذا المجال هو أكثر ما يهم السودان في الوقت الحالي.
وقالت المصادر الرفيعة في الوفد السوداني، إن الخطوة الألمانية برفع الحظر عن الاستثمارات الائتمانية في السودان «خطوة جيدة؛ لكنها ليست كافية لانتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية». وأضافت: «إن ما يهم السودان هو رفع اسمه عن لائحة الدول الراعية للإرهاب؛ لأن وجوده فيها يمنع مشروعات اقتصادية مهمة ويشل الاقتصاد». وأشارت إلى أن الجميع «خائف من التعامل من السودان بسبب العقوبات الأميركية، وخوفاً من أن يتعرضوا هم لعقوبات أميركية».



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.