ماذا يفعل الكتاب في مختبراتهم ؟

ماذا يفعل الكتاب في مختبراتهم ؟
TT

ماذا يفعل الكتاب في مختبراتهم ؟

ماذا يفعل الكتاب في مختبراتهم ؟

تطرق الناقد السعودي محمد العباس في مقال له منشور في هذه الصفحة يوم 28 يناير (كانون الثاني) إلى موضوع مهم غائب كلياً تقريباً في ثقافتنا العربية، وهو ندرة الكتابة عن المختبر الأدبي لكاتب ما، يكشف لنا فيه عن وعيه الأدبي، ومرجعياته، وخبراته الفنية، وتقنياته الأدائية، وفلسفته الجمالية. وجاء صدور كتاب القاص العراقي محمد خضير «السرد والكتاب - استعمالات المشغل السردي»، استثناء في هذا الحقل، كما يقول العباس، وهو محق في ذلك.
والمعروف، أن بعض كتابنا المحدثين، وهم قليلون على أي حال، قد كتبوا عن تجاربهم الإبداعية، نذكر منهم لويس عوض في «أوراق العمر»، وعبد الوهاب البياتي في «تجربتي الشعرية»، وصلاح عبد الصبور في «حياتي والشعر». لكن هذه الكتابات اقتصرت على الحديث عن المرجعيات الأدبية والنقدية، والتطور الذاتي للكاتب حسب ما يرى، ورؤياه الخاصة لنفسه وإبداعه، ولم تدخلنا إلى المشغل الإبداعي نفسه، بوحدته، وعذاباته، واحتراقاته، وشكوكه حول قيمة ما يكتبه، وصراعه مع الفكرة واللغة.
والحقيقة، أن مثل هذه الكتابات نادرة حتى في الأدب العالمي المعاصر. لقد تحدث بورخيس في محاضراته العشر عن الشعر في جامعة هارفارد، التي جمعت لاحقاً في كتاب بعنوان «صنعة الشعر» - ترجمة صالح علماني - دار المدى - عن ماهية الشعر، وما هو الشعر العظيم، وبشكل خاص عن الصورة الشعرية، مستنداً إلى عشرات الأمثلة، وخاصة من الشعر الإنجليزي منذ شكسبير، فهو يعتبر هذا الشعر يحتل المرتبة الأولى في الشعر العالمي، لكنه لم يحدثنا قط عن مشغله الشعري.
ومثله فعل الشاعر المكسيكي أوكتافيو باث في كتابه «الصوت الآخر - مقالات في الشعر الحديث»، حسب الترجمة الإنجليزية - ترجمه الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان إلى العربية بعنوان «الشعر ونهاية القرن». وتناول باث في كتابه الصورة الشعرية، والشعر والتاريخ، ومصير الشعر في عالمنا المعاصر، وقراء الشعر القلة، الذين يسميهم بـ«القلة الهائلة»، التي «تشق طريقها عبر وقائع غير قابلة للقياس، وفي مرايا الكلمات تكتشف لا نهائيتها ولا محموديتها»، من دون أن يتناول تجربته الخاصة في اشتباكها مع الكلمات والتاريخ والحياة. ولعل أكثر من كتب من داخل مشغله الإبداعي في الأدب الأوروبي الحديث هو الشاعر والقاص والروائي الإيطالي تشيرازي بافيزي، الذي انتحر عام 1950، وذلك في «مهنة العيش - ترجمة عباس المفرجي، دار المدى - في هذا الكتاب، يسائل بافيزي كل ما ينتجه، شكلاً ومضموناً، قبل أن ينشره، ويسقط عليه معرفته النظرية، مجرداً إياه إلى عناصره الأولية، حتى يكاد أن يقتله. يقول في إحدى الصفحات: «بعد دراسة العمل الذي كنت أنجزته سابقاً، لم أعد أقلق على البحث عن اكتشافات شعرية أعمق، كما لو كان الأمر مجرد تطبيق تقنية بارعة على حالة ذهنية. بدلاً من ذلك، كنت أنظم لعبة شعرية من ندائي الشعري. بتعبير آخر، كنت أرتد عن خطأ أقر به وأتفاداه».
إنه مثل بورخيس وباث، يتحدث عن التأثير الهائل للصورة، لكن خلافهما، يطرح على نفسه أسئلة حول صوره الشعرية هو، ومدى تأثيرها على القارئ، وقبل كل شيء على رفع قصيدته إلى مصاف أسمى، قصيدة «تستحضر وهجاً من صور تتلألأ من جذر صلب للإنسانية، وفي الوقت نفسه تبني مشهداً»، مثل شكسبير تماما، أي قصيدة قد تتحدث عن نافذة، لكنها تحتضن كل العالم. ولكن أي تقنية يمكن أن تحقق ذلك؟ يقول لنا بافيزي: «حتى لو أفترض أنني وقعت على تقنية جديدة، أقول لنفس من البديهي أنها يمكن أن تتضمن، هنا وهناك، آثاراً في طور الجنين مقتبسة من تقنيات أخرى، وهذه يعوقني عن الرؤية بوضوح للسمات المميزة الجوهرية لأسلوبي الخاص بي».
قلة من المؤلفين يطرحون على أنفسهم، وهم وحيدون في غرفهم، مثل هذه الأسئلة المعذبة، ويتصارعون طويلاً مع الكتابة في محاولة الوصول إلى الكمال العصي.



السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يحتفل الأمازيغ حول العالم وخاصة في المغرب العربي بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 أو 13 من يناير (كانون الثاني)، التي توافق عام 2975 بالتقويم الأمازيغي. ويطلق على العيد اسم «يناير»، وتحمل الاحتفالات به معاني متوارثة للتأكيد على التمسك بالأرض والاعتزاز بخيراتها.

وتتميز الاحتفالات بطقوس وتقاليد متنوعة توارثها شعب الأمازيغ لأجيال عديدة، في أجواء عائلية ومليئة بالفعاليات الثقافية والفنية.

وينتشر الاحتفال ﺑ«يناير» بشكل خاص في دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر ومالي وسيوة بمصر.

أمازيغ يحتفلون بالعام الجديد من التقويم الأمازيغي في الرباط بالمغرب 13 يناير 2023 (رويترز)

جذور الاحتفال

يعود تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات الشعبية والأساطير في شمال أفريقيا، ويمثل الرابطة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلاً عن ثروة الأرض وكرمها. ومن ثمّ فإن يناير هو احتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والبعث والوفرة.

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول.

وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية حية.

ومصطلح «يناير» هو أيضاً الاسم الذي يُطلق على الشهر الأول من التقويم الأمازيغي.

خلال احتفال لأمازيغ جزائريين برأس السنة الأمازيغية الجديدة «يناير» في ولاية تيزي وزو شرق العاصمة الجزائر (رويترز)

متى رأس السنة الأمازيغية؟

إن المساء الذي يسبق يناير (رأس السنة الأمازيغية) هو مناسبة تعرف باسم «باب السَنَة» عند القبائل في الجزائر أو «عيد سوغاس» عند الجماعات الأمازيغية في المغرب. ويصادف هذا الحدث يوم 12 يناير ويمثل بداية الاحتفالات في الجزائر، كما تبدأ جماعات أمازيغية في المغرب وأماكن أخرى احتفالاتها في 13 يناير.

يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ في 13 يناير وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي كان مهيمناً في شمال أفريقيا خلال أيام الحكم الروماني.

يمثل يناير أيضاً بداية فترة مدتها 20 يوماً تُعرف باسم «الليالي السود»، التي تمثل واحدة من أبرد أوقات السنة.

أمازيغ جزائريون يحتفلون بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975 في قرية الساحل جنوب تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائر 12 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ما التقويم الأمازيغي؟

بدأ التقويم الأمازيغي في اتخاذ شكل رسمي في الستينات عندما قررت الأكاديمية البربرية، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها باريس، البدء في حساب السنوات الأمازيغية من عام 950 قبل الميلاد. تم اختيار التاريخ ليتوافق مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.

وشيشنق كان أمازيغياً، وهو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال أفريقيا القديم. بالنسبة للأمازيغ، يرمز هذا التاريخ إلى القوة والسلطة.

رجال أمازيغ يرتدون ملابس تقليدية يقدمون الطعام خلال احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

كيف تستعد لرأس السنة الأمازيغية؟

تتركز احتفالات يناير على التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة. تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية مع قيام الأمهات بتحضير الترتيبات الخاصة بالوجبة.

كما أصبح من المعتاد ارتداء الملابس التقليدية الأمازيغية والمجوهرات خصيصاً لهذه المناسبة.

وتماشياً مع معاني العيد المرتبطة بالتجديد والثروة والحياة، أصبح يناير مناسبة لأحداث مهمة لدى السكان مثل حفلات الزفاف والختان وقص شعر الطفل لأول مرة.

يحتفل الأمازيغ في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي وكذلك أجزاء من مصر بعيد «يناير» أو رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

ما الذي ترمز إليه الاحتفالات؟

يتعلق الاحتفال بيوم يناير بالعيش في وئام مع الطبيعة على الرغم من قدرتها على خلق ظروف تهدد الحياة، مثل الأمطار الغزيرة والبرد والتهديد الدائم بالمجاعة. وفي مواجهة هذه المصاعب، كان الأمازيغ القدماء يقدسون الطبيعة.

تغيرت المعتقدات الدينية مع وصول اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً إلى شمال أفريقيا، لكن الاحتفال ظل قائماً.

تقول الأسطورة إن من يحتفل بيوم يناير سيقضي بقية العام دون أن يقلق بشأن المجاعة أو الفقر.

نساء يحضّرن طعاماً تقليدياً لعيد رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

يتم التعبير عن وفرة الثروة من خلال طهي الكسكس مع سبعة خضراوات وسبعة توابل مختلفة.

في الماضي، كان على كل فرد من أفراد الأسرة أن يأكل دجاجة بمفرده للتأكد من شبعه في يوم يناير. وترمز البطن الممتلئة في يناير إلى الامتلاء والرخاء لمدة عام كامل.

ومن التقاليد أيضاً أن تأخذ النساء بعض الفتات وتتركه بالخارج للحشرات والطيور، وهي لفتة رمزية للتأكد من عدم جوع أي كائن حي في العيد.