مجزرة البونمر تحفز عشائر الأنبار لمقاتلة «داعش».. والآلاف يتدفقون إلى مراكز التدريب

انطلاق عملية أمنية لتحرير مناطق شرق الرمادي من التنظيم المتطرف

مجزرة البونمر تحفز عشائر الأنبار لمقاتلة «داعش».. والآلاف يتدفقون إلى مراكز التدريب
TT

مجزرة البونمر تحفز عشائر الأنبار لمقاتلة «داعش».. والآلاف يتدفقون إلى مراكز التدريب

مجزرة البونمر تحفز عشائر الأنبار لمقاتلة «داعش».. والآلاف يتدفقون إلى مراكز التدريب

فيما أفادت مصادر أمس بإعدام تنظيم داعش المزيد من أبناء عشيرة «البونمر» غرب محافظة الأنبار، كشف شيخ عشائري بارز في المحافظة عن «بدء تدفق الآلاف من أبناء محافظة الأنبار إلى مراكز التدريب لمقاتلة تنظيم داعش».
وقال الشيخ نعيم الكعود، أحد شيوخ عشيرة «البونمر»، لوكالة «رويترز»، إن تنظيم داعش قتل 50 نازحا من أفراد العشيرة أول من أمس (الجمعة). وفي واقعة منفصلة، قال مصدر أمني إنه جرى العثور على 35 جثة في مقبرة جماعية. وأعدم أكثر من 300 شخص منذ بدأت عمليات القتل منتصف الأسبوع الماضي.
بدوره، قال الشيخ رافع عبد الكريم الفهداوي، شيخ عشائر البوفهد وأحد زعامات العشائر التي تصدت للتنظيم المتطرف بمؤازرة القوات العراقية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «ما أقدم عليه تنظيم داعش بإعدامه المئات من أبناء عشيرة البونمر في منطقة الجزيرة كان بمثابة رسالة، مفادها أن كل من يتصدى لنا فإن مصيره سيكون كحال أبناء هذه القبيلة الذين كانوا تصدوا لهذا التنظيم وقاوموا حتى اللحظات الأخيرة منعا لدخوله إلى مناطقهم، لكن نفد عتادهم ولم تتحرك الحكومة بسرعة لنجدتهم وكذلك التحالف الدولي رغم مناشداتنا أهمية الإسراع بتقديم يدو العون والمساعدة لهم».
وأضاف الفهداوي: «لكن، يبدو أن السحر انقلب على الساحر، إذ إن هذه المجزرة خلقت رأيا عاما مشحونا بالغضب في عموم محافظة الأنبار ولدى كل عشائرها، وأوغرت هذه المجزرة البشعة صدور الرجال بالغضب وبدأ أبناء العشائر، بما فيها المهجرة، يعودون إلى مناطقهم ويلتحقون بمراكز التدريب من أجل بدء مرحلة إخراج (داعش) من المحافظة وبالتنسيق مع الجيش والشرطة».
وردا على سؤال بشأن ما أعلنه وزير الدفاع خالد العبيدي أول من أمس لدى زيارته قاعدة «عين الأسد» في الأنبار من أن عملية تحرير المحافظة ستنتهي في غضون شهر من الآن، قال الفهداوي إن «ذلك ممكن بالفعل في حال أثبت التحالف الدولي جدية كاملة في العمل باتجاه ضرب الأهداف الحيوية لهذا التنظيم، لا سيما مع بدء تعاطي الحكومة العراقية الآن مع مطالب أهالي الأنبار سواء بمدهم بالسلاح والعتاد أو بدء تطويع المقاتلين من أبناء المحافظة». وبشأن ما إذا كانت الضربات الجوية للتحالف الدولي مؤثرة، قال الفهداوي إن «الطلعات الجوية الغربية كانت مهمة على صعيد وقف تحرك أرتال (داعش)، بالإضافة إلى قصف الأماكن المحصنة لهم، وكل هذه الضربات أصابتهم بشكل كبير جدا»، مطالبا بـ«المزيد منها، لأنها الوسيلة الوحيدة القادرة على هزيمة تنظيم داعش».
وحول الأسباب التي حالت دون إنقاذ عشيرة «البونمر»، قال الفهداوي إن «ما حصل هو أن سقوط قضاء هيت بيد (داعش) أدى إلى محاصرة عشيرة البونمر من كل الجهات، وفي وقت تمت فيه محاصرة هذه القبيلة التي قاومت (داعش) بضراوة بدأ الضغط على التنظيم في أماكن أخرى وهو ما جعل عناصره يوغلون في ارتكاب المزيد من الأعمال الإجرامية التي تمثلت بإعدام هذه الأعداد من أبناء البونمر لتخويف الآخرين ورفع معنويات عناصرهم في مناطق أخرى مع بدء هذا التنظيم خسارة مواقعه ومناطقه في الكثير من المناطق، سواء في جرف الصخر أو بيجي أو زمار في الشمال أو غيرها».
على صعيد متصل، أكد أبو أكرم النمراوي، أحد وجهاء عشيرة البونمر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «عشيرة البونمر لا تزال محاصرة في منطقة الجزيرة دون أن يقوم أحد بإسعافها، وقد أوشكت المؤن والوقود على النفاد، وعمليات التسلل من منطقة الجزيرة إلى مناطق أخرى ومنها حديثة لا تزال بطيئة جدا»، مضيفا أن أبناء العشيرة «بدأوا يحشدون أنفسهم، لكنهم بحاجة إلى سلاح لأن (داعش) يملك أسلحة متطورة غنمها من الجيش وذبحنا بها».
ميدانيا، بدأت القوات المشتركة من الجيش والشرطة عملية عسكرية واسعة ضد «داعش» شرق الرمادي. وقال مصدر في قيادة عمليات الأنبار، إن قوات الجيش تساندها الشرطة المحلية بدأت عملية عسكرية واسعة النطاق في منقطة البوسودة لتحريرها، مضيفا أن العملية العسكرية ما زالت مستمرة حتى اللحظة وشارك فيها لواء مدرع والطيران، كما أشار إلى قصف مواقع كثيرة لعناصر «داعش» في المنطقة. على صعيد متصل، فإن القوات العراقية لا تزال تواصل تطهير المناطق التي تشكل الحزام الجنوبي للعاصمة بغداد بعد تحرير ناحية جرف الصخر التي أصبح اسمها الرسمي ناحية «جرف النصر».



آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)
من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)
TT

آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)
من الاحتفالات بذكرى «26 سبتمبر» في مدينة سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (إكس)

«داهموا منزلي واختطفوني بعد إجابتي عن سؤالك إن كان ثمة اختطافات في منطقتنا بسبب الاحتفال بعيد الثورة اليمنية، بنصف ساعة فقط».

بهذه العبارة يسرد لـ«الشرق الأوسط» أحد الناشطين السياسيين واقعة اختطافه من طرف الجماعة الحوثية بتهمة الدعوة للاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر، عقب الإفراج عنه من السجن الذي قضى فيه أسبوعين كاملين، وتعرضه للضرب والتعذيب النفسي والتهديد بإخفائه وإيذاء عائلته.

وبحسب مصادر محلية، أفرجت الجماعة الحوثية أخيراً عن عدد ممن جرى اختطافهم منذ ما قبل منتصف الشهر الماضي، على خلفية احتفالات اليمنيين بالذكرى الثانية والستين للثورة اليمنية ضد الإمامة في ستينات القرن الماضي، بينما لا يزال غالبية المختطفين رهن الاحتجاز، وتقدر مصادر حقوقية أعدادهم بالآلاف.

يتابع الناشط الشاب الذي تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته: «حتى وقت سؤالك لم أظن أن الاختطافات ستصل إلى بلدتنا، كنت أتابع أخبار الاختطافات في المدن الرئيسية والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية»، موضحاً أنه لم يكن يتوقع حدوث اختطافات في منطقته، لكنه فوجئ بمسلحي الجماعة يقتادونه رفقة عددٍ من السكان، بينهم جيران له.

ويؤكد أنه، ورغم عدم توقع اختطافه أو اختطاف أحد من أهالي منطقته، فإنه، ومن باب اتباع الاحتياطات اللازمة، آثر أن يؤجل الاحتفال والدعوة إليه إلى ليلة السادس والعشرين من سبتمبر؛ كي لا يفوت على نفسه معايشة احتفالات اليمنيين بها، قبل أن يقضي تلك الليلة في أحد أشهر معتقلات الجماعة الذي تمارس فيه انتهاكات متعددة.

وبيّنت مصادر حقوقية يمنية أن هناك أعداداً كبيرة من المختطفين، تقدر بالآلاف، في مختلف مناطق سيطرة الجماعة الحوثية على ذمة الاحتفال بالثورة اليمنية أو الدعوة للاحتفال بها، في ظل ضعف الرصد الحقوقي، وعجز الجهات المعنية عن مواكبة الانتهاكات بسبب القيود المفروضة والإجراءات المشددة.

مسلحون حوثيون في صنعاء عشية ذكرى ثورة سبتمبر يستعدون لقمع الاحتفالات (فيسبوك)

يضيف الناشط: «تم التحقيق معي منذ الوهلة الأولى لوصولي إلى المعتقل. ولمدة تجاوزت الأربع ساعات ظل المحققون يسألونني عن دوافعي للاحتفال بعيد الثورة، وعن أي تحريض تلقيته من الحكومة الشرعية أو تحالف دعم الشرعية، وعن الأموال التي حصلت عليها مقابل ذلك».

ورغم إنكاره لكل التهم التي وجهت إليه، وإعلانه للمحققين أنه أحد ملايين اليمنيين الذين يحتفلون بالثورة اليمنية؛ لقيمتها التاريخية والمعنوية، فإنهم لم يقتنعوا بكل إجاباته، وهددوه بالإخفاء القسري والتعرض لعائلته، قبل أن يقرروا احتجازه حتى تمر ذكرى الثورة، أو حتى إنهاء التحريات حوله.

اختطافات بالجملة

بينما كانت المعلومات المتوفرة حول أعداد المختطفين خلال الأيام السابقة لذكرى الثورة اليمنية تشير إلى بضع مئات من الشخصيات الاجتماعية والكتاب والصحافيين والناشطين السياسيين والنقابيين، كشف العديد من الناشطين المفرج عنهم أن الاختطافات شملت الآلاف من السكان من مختلف الفئات.

وتعدّ محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) الأولى في إجمالي عدد المختطفين الذين جرى الكشف عن بياناتهم من قبل ناشطين ومهتمين، أوردوا أسماء 960 منهم، تليها محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء) بأكثر من 700 مختطف، فيما لم يعرف أعداد المختطفين في باقي المحافظات.

وتعذر على راصدي الانتهاكات الحصول على معلومات وبيانات كافية حول الاختطافات التي جرت في مختلف المحافظات، بسبب الاحتفال بعيد الثورة.

ووفقاً لبعض الراصدين الذين يتبعون منظمات وجهات حقوقية تعمل من خارج مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، فإن الكثير من المختطفين لا تعلم عائلاتهم سبب اختطافهم، ومنهم من لم يعلن نيته الاحتفال بالثورة.

ويذكر راصد حقوقي مقيم في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير ممن جرى اختطافهم لم تعلم عائلاتهم بذلك إلا بعد أيام من انقطاع التواصل معهم، وذلك بسبب إقامتهم وحدهم بعيداً عن إقامة عائلاتهم، وينتمي أغلب هؤلاء إلى محافظات تعز وإب وذمار.

وفي حين شملت الاختطافات الأرياف في محافظات تعز وإب وذمار والبيضاء وريمة، يشير الراصد إلى أن مديريات السدة في محافظة إب، ووصاب في ذمار، وشرعب في تعز، من أكثر المديريات التي ينتمي إليها المختطفون في صنعاء، حيث جرى اختطافهم على مدى الأيام العشرة السابقة لذكرى ثورة «26 سبتمبر»، وفي ليلة الاحتفال تم اختطاف العشرات من الشوارع بحجة المشاركة في تجمعات للاحتفالات أو لمجرد الاشتباه، وبعضهم اختطف لأنه يحمل علم البلاد.

تناقض حوثي

تقدر مصادر حقوقية أعداد المختطفين بأكثر من 5 آلاف. وفي مديرية وصاب العالي في محافظة ذمار ترجح مصادر محلية عدد المختطفين هناك بأكثر من 300 شخص، وجاءت عمليات اختطافهم بعد اعتداء مسلحي الجماعة بالضرب على شباب وأطفال من أهالي المديرية تجمعوا للاحتفال، قبل مداهمة قراهم واختطاف العشرات من أقاربهم.

حي الصالح السكني في محافظة تعز حوّلته الجماعة الحوثية إلى معتقل كبير (إكس)

وبحسب عدد من المفرج عنهم، ممن كانوا محتجزين في سجن «مدينة الصالح» في محافظة تعز، فإن المختطفين هناك بالمئات، والكثير منهم جرى اختطافهم من الأسواق والطرقات والشوارع، إلى جانب من اقتيدوا من منازلهم أو محالهم التجارية أو مقار أعمالهم.

وتقع مدينة «الصالح» في منطقة الحوبان شرق مدينة تعز، وهي مجمع سكني مكون من أكثر من 800 وحدة سكنية في 83 مبنى، حولتها الجماعة الحوثية إلى سجن لاستيعاب العدد الهائل من المختطفين من أهالي المحافظة.

ويروي مختطف آخر ممن تم الإفراج عنهم أخيراً في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مسلحي الجماعة وصلوا إلى منزله في أثناء غيابه، واقتحموه عنوة مثيرين فزع عائلته وأطفاله، وأقدموا على تفتيشه باحثين عن أعلام وأموال، وانتظروا حتى عودته إلى المنزل ليقتادوه إلى قسم شرطة، حيث جرى التحقيق معه حول منشورات كتبها على مواقع التواصل الاجتماعي.

ورغم تدخل أحد أقاربه الذي تربطه علاقة عمل تجاري مع أحد القادة الحوثيين، فإنه تم التحفظ عليه حتى ليلة ذكرى الثورة، ليغادر إلى منزله بعد كتابة تعهد بعدم المشاركة في أي احتفال أو تجمع، أو الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي عن الثورة أو عن سبب اختطافه.

اليمنيون يتهكمون على احتفالات الحوثيين بثورة «26 سبتمبر» ويصفونها بالمزيفة (إعلام حوثي)

ونبه إلى أنه صادف خلال أيام احتجازه العشرات من المختطفين الذين لا يعلم غالبيتهم سبب اختطافهم سوى الشك بنواياهم الاحتفال بذكرى الثورة.

وكانت الجماعة الحوثية دعت إلى مشاركتها الاحتفال الرسمي الذي نظمته في ميدان التحرير في وسط صنعاء، محذرة من أي احتفالات وتجمعات أخرى.

وقوبلت هذه الدعوة بالتهكم والسخرية من غالبية السكان الذين رأوا فيها محاولة لإثنائهم عن الاحتفال الشعبي بالثورة، واتهموا الجماعة بخداعهم بمراسيم شكلية للتغطية على عدائها للثورة، وسعيها إلى طمسها من ذاكرتهم.

واستدل السكان على ذلك بإجراءات الجماعة المشددة لمنع الاحتفالات الشعبية وملاحقة المحتفلين من جهة، ومن جهة أخرى بالمقارنة بين حجم احتفالاتها بذكرى انقلابها على الشرعية التوافقية في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، إضافة إلى احتفالاتها بالمولد النبوي وإضفاء صبغتها الطائفية عليه.

ويتهرب كبار القادة الحوثيين من المشاركة في احتفالات الثورة اليمنية أو الإشارة لها في خطاباتهم، ويوكلون هذه المهام لقادة من خارج الانتماء السلالي للجماعة.