لا شيء يربط بين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والفنان الروسي المتمرد واللاجئ إلى فرنسا، بيوتر بافلنسكي. فالثاني، رغم «مآثره» في موسكو، ومنها إحراق مقر المخابرات الروسية في موسكو، وانتهاك حرمة إحدى الكنائس، وأحكام السجن السبعة التي طالته، نجح ورفيقة دربه السابقة أوكسانا شاليغينا في الحصول على اللجوء السياسي في فرنسا. ولكن بعد ذلك بمدة قصيرة قام بإحراق مدخل فرع للبنك المركزي الفرنسي، في ساحة الباستيل الشهيرة، فيما اعتبره «إنجازاً فنياً» وأطلق عليه اسم «إضاءة». وبسبب ذلك، حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، بينها عامان مع وقف التنفيذ. ورغم ذلك كله، لم يكن بافلنسكي قد اكتسب شهرة إلا في الدوائر «الثورية» أو «الفوضوية» وفي بعض الأوساط الفنية. لكن ما فعله، الأربعاء الماضي، سيعطيه، بلا شك، ما يبحث عنه، لأنه، من جهة أصاب الرئيس الفرنسي سياسياً، ومن جهة ثانية أعاد خلط أوراق الانتخابات البلدية التي ستجري في مارس (آذار) المقبل. بافلنسكي عمد، مساء الأربعاء الماضي، إلى نشر مقطع فيديو، جنسي الطابع على شبكات التواصل الاجتماعي يظهر فيه بنجامين غريفو، مرشح حزب «الجمهورية إلى الأمام» في أوضاع شاذة. وما بين مساء الأربعاء ويوم الخميس، انتشر المقطع المذكور، كالنار في الهشيم. ولم يحل صباح الجمعة حتى أعلن غريفو انسحابه من المعركة الانتخابية، رغم أنه كان أحد أقطابها.
ليس سرّاً أن ماكرون هو مَن اختار غريفو ليكون رأس لائحة حزبه في باريس. وخلال حملة ماكرون الرئاسية، كان غريفو من الأوائل الذين التحقوا بالرئيس الحالي، ولذا، فقد كافأه بتعيينه وزيراً ناطقاً باسم الحكومة. وعندما اقترب الاستحقاق الانتخابي وبرز عدة مرشحين من صفوف الحزب الرئاسي، تبين للجميع أن غريفو هو مرشح ماكرون، الأمر الذي دفع بالنائب سيدريك فيلاني، وهو عالم رياضيات وشخصية مرموقة، إلى الإبقاء على ترشيحه لمقعد عمدة العاصمة منشقاً عن الحزب، ورغم ضغوط ماكرون.
وبعكس فيلاني، فقد قبل وزير سابق اسمه منير محجوبي الانسحاب من المنافسة، والانضواء تحت جناح غريفو مراعاة لرغبة ماكرون الذي شجع كثيراً من وزرائه على الانضمام إلى اللوائح البلدية التي شكلها المرشح المنسحب من أجل إعطائها دفعة سياسية تمكّنه من الفوز ببلدية العاصمة.
هذا السيناريو انهار تماماً بفعل مقطع الفيديو الذي نشره بيوتر بافلنسكي، والذي أصاب به ماكرون مباشرة. وبعد فضيحة ألكسندر بنعاله، حارس ماكرون الشخصي الذي صُوّر وهو يضرب متظاهرين في عيد العمال، الأول من مايو (أيار) عام 2018، ثم انطلاقة حركة «السترات الصفراء» الاحتجاجية التي لم تنطفئ إلا الربيع الماضي، وبعدها الاحتجاجات الرافضة لتعديل قانون التقاعد التي لم تنتهِ بعد، تأتي قضية غريفو لتشكّل عقبة جديدة على درب الرئيس. ذلك أن مصير العاصمة الانتخابي مسألة أساسية، لأن الحزب الرئاسي، حديث العهد، كان يراهن على انتزاعها من المرشحة الاشتراكية آن هيدالغو المرشحة لولاية ثانية. ووفق حسابات حزبه الذي نال نسبة مرتفعة من الأصوات في دوائر العاصمة بمناسبة الانتخابات الأوروبية الأخيرة، فإن إزاحة هيدالغو في متناول اليد. إلا أن استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً بينت أن لائحة بنجامين غريفو ستحل في المرتبة الثالثة (16 في المائة)، وراء لائحة هيدالغو (26 في المائة)، ولائحة مرشحة اليمين الكلاسيكي رشيدة داتي (20 في المائة).
أما لائحة المرشح المنشق سيدريك فيلاني فإنها حصلت على 13 في المائة. وكان واضحاً أن بقاء الأخير في الميدان التنافسي سيقضي على حظوظ لائحة الحزب الرئاسي الرسمية، ما دفع ماكرون إلى تشجيع وزرائه على الالتحاق بلائحة غريفو، لعلّ في ذلك يضمنون لها مزيداً من الشعبية، ويجنبونها الهزيمة.
في هذا السياق، يبدو خروج غريفو من السابق بمثابة ضربة موجعة للحكم والحكومة، لأن خسارة العاصمة وعجز الحزب الرئاسي عن الفوز بعدد من المدن الرئيسية سيُعدّ هزيمة سياسية، خصوصاً أن ماكرون عازم على الترشح لولاية رئاسية ثانية في عام 2022. لذا، فإن همّ الرئيس وحزبه اليوم هو اختيار مرشح (أو مرشحة) يحل محل غريفو لاستكمال معركة العاصمة وللحد من الخسائر بعد أن أصبح الفوز بها مستبعداً، إن لم يكن مستحيلاً. ومن الأسماء المتداولة اسم وزيرة المساواة وحقوق المرأة مارلين شيابا، واسم الوزير السابق منير محجوبي، أو رئيس الحزب سيلفان غيريني وغيرهم.
يبقى سؤالان: الأول، لماذا عمد بافلنسكي إلى نشر الفيديو - الفضيحة؟ والثاني: كيف حصل عليه؟ لا جواب حتى اليوم على السؤال الثاني؛ إذ امتنع الفنان الروسي عن الإفاضة، مكتفياً بالقول إنه حصل على الفيديو من «شخص كان على علاقة (طوعية) مع غريفو. لكنه أشار أيضاً إلى امتلاكه تسجيلات أخرى يمكن أن ينشرها دون أن يحدد هوية الأشخاص المعنيين بها. أما بالنسبة للسؤال الأول، فقد أجاب عنه برسالة رافقت الفيديو، وفيه يشرح أنه مواطن فرنسي ويسكن باريس، وأن ما يصدمه أن غريفو «رجل يشدد دوماً على القيم العائلية ويجعل من عائلته مثالاً يُحتذى به، بينما يتصرف بعكس ذلك تماماً». وأضاف بافلنسكي: «لا يزعجني أن يعيش هؤلاء الأشخاص الحياة الجنسية التي يريدونها... ولكن عليهم أن يكونوا صادقين».
ومن جانبه، برر غريفو استقالته برغبته في «حماية عائلته»، معتبراً أن ما تعرض له «أمر مشين». وخلال الساعات الماضية سيطر انسحاب غريفو من السابق على غيره من الأخبار المحلية، وأجمعت آراء المحللين على التحولات الاجتماعية والسوسيولوجية التي لحقت بفرنسا وبـ«الأمركة» الحاصلة، ويذكر هؤلاء أن الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران (1981 - 1995) كان مزدوج الحياة؛ إذ كانت له زوجة وأولاد شرعيون وأيضا عشيقة وفتاة غير شرعيتين اعترف بوجود الثانية في الشهور الأخيرة من حياته. كذلك، فإن الرئيس جاك شيراك الذي توفي العام الماضي كان معروفاً بحبه للنساء، وكانت زوجته برناديت تطرح على معاونيه سؤالاً تقليدياً: هل تعرفون مكان زوجي هذه الليلة؟ وأخيراً، فإن الرئيس السابق فرنسوا هولاند أثار فضيحة، عندما نُشرت له صور معتمراً خوذة راكبي الدراجات النارية ومتوجهاً لملاقاة عشيقته، فيما رفيقة دربه مقيمة في قصر الإليزيه.
فضيحة مرشح ماكرون لرئاسة بلدية باريس تخلط أوراق العاصمة
روسي ينشر مقاطع من فيديو جنسي لبنجامين غريفو تدفعه إلى الاستقالة
فضيحة مرشح ماكرون لرئاسة بلدية باريس تخلط أوراق العاصمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة