أسبوع نيويورك في أزمة

مشاكل كثيرة وضربات متتالية آخرها اقتحام الأوسكار لتوقيته

صورة من حفل الأوسكار تظهر فيها النجمات ناتالي بورتمان وغريتا غيرويغ وسيغورني ويفر وفلورانس بوغ
صورة من حفل الأوسكار تظهر فيها النجمات ناتالي بورتمان وغريتا غيرويغ وسيغورني ويفر وفلورانس بوغ
TT

أسبوع نيويورك في أزمة

صورة من حفل الأوسكار تظهر فيها النجمات ناتالي بورتمان وغريتا غيرويغ وسيغورني ويفر وفلورانس بوغ
صورة من حفل الأوسكار تظهر فيها النجمات ناتالي بورتمان وغريتا غيرويغ وسيغورني ويفر وفلورانس بوغ

ما لا يختلف عليه اثنان أن أسابيع الموضة تمر بعدة أزمات منذ سنوات. من تباطؤ في النمو الاقتصادي إلى فيروس كورونا مؤخراً بكل ما يتضمنه من تبعات فيما يتعلق بالتنقل والسفر وشحن المنتجات وإنتاجها، فكان لا بد أن تعلن الموضة معاناتها. لكن الواضح أن أسبوع نيويورك هو أكثر المتضررين لعدة أسباب؛ منها أن التفاحة الكبيرة لم تعد مركز الموضة الأميركية، بعد أن سحبت منها لوس أنجليس السجاد والبريق، وبعد أن توسعت صناعة الموضة الأميركية جغرافياً. فمعامل صناعة الأحذية مثلاً تتمركز في تكساس وويسكونسن، والشمال الغربي من الولايات المتحدة يتخصص في صناعة الجلود كما أصبحت واشنطن مقرراً مهماً لكثير من المصممين، إلى جانب لوس أنجليس، التي لم تعد تقتصر أهميتها على بريق هوليوود. فهي الآن مركز لمصممين معروفين من أمثال الأختين رودارت اللتين تصممان وتنفذان فساتين السهرة فيها إلى جانب آخرين. بالنسبة لكثير من المتابعين فإن مشاكل أسبوع نيويورك ليست وليدة الساعة، ربما تكون بدايتها عندما انتقل من مقره القديم «براينت بارك» وامتدت أيامه لـ9 أيام.
لهذا عندما أعلن المصمم ورئيس منظمة المصممين الأميركيين، توم فورد، في العام الماضي قراره تقليص مدته إلى 5 أيام فقط، استبشر كثير من المتابعين خيراً. فـ9 أيام مدة طويلة كانت تستنزف قواهم ووقتهم، إلى حد أنها أثرت على رغبتهم في حضوره. لم تدم الفرحة طويلاً، حيث وأدها قرار منظمي حفل توزيع جوائز الأوسكار تقديم تاريخه هذا العام، ليتزامن مع الأسبوع ويجعله مجرد خبر جانبي بعد أن كان هو الخبر الرئيسي في هذه الفترة. غني عن القول إن القرار استفز مجموعة لا يستهان بها من المشاركين في الأسبوع. فكل المصممين الكبار مستعدون لصرف مبالغ طائلة على عرض لن يستغرق أكثر من 20 دقيقة على شرط أن يجد له متابعين ومُسوقين لا أن يمر مرور الكرام لا يحضره سوى قلة غير مؤثرة من المتابعين. فكل الأنظار انصبت على أزياء ومجوهرات النجمات. ما زاد الأمر سوءاً أنه بمجرد انتهاء حفل الأوسكار، احتضنت لوس أنجليس معرضها الفني السنوي «فريز»، وهو ما جعل من المنطقي أن تكون الوجهة المفضلة للأغلبية. وكأن هذا كله لا يكفي، جاء قرار توم فورد، رئيس مجلس منظمة المصممين الأميركيين، تقديم عرضه في لوس أنجليس عوض نيويورك، لأنه كما قال سابقاً: «يمكن للموضة أن تكسب كثيراً من قُربها وتقرُبها من هوليوود». وأضاف أن «العلاقة بين الموضة والسينما قوية، وأنا بحكم وظيفتي كرئيس مجلس منظمة المصممين الأميركيين، أرى أن دوري الأساسي وأولويتي أن ألفت أنظار العالم إلى الموضة الأميركية». لكن من الصعب على الكثيرين أن يفهموا وجهة نظره هاته، لأن تفضيله العرض في لوس أنجليس على نيويورك هذا الموسم كان بمثابة الطعنة في الظهر، إذ إن المفترض فيه أن يكون الراعي والداعم الأساسي له.
بيد أن توم فورد لم يكن الغائب الوحيد في الأسبوع، فقد كان غياب رالف لورين أيضاً لافتاً، كذلك المصمم تيلفار كليمنس الذي فضل المشاركة في معرض بيتي أومو بفلورنسا في الشهر الماضي، فيما سيعرض تومي هيلفغر تشكيلته غداً في لندن.
بدوره، ألغى جيريمي سكوت عرضه قبل أسبوعين فقط من تاريخه. كان قراره مفاجئاً لأنه كان قد أرسل بطاقات الدعوة، وأنهى أغلب التفاصيل، برره بأنه يفضل أن يعرض في باريس في شهر يوليو (تموز) المقبل، أسوة بمصمم آخر هاجر إلى باريس في عام 2017 هو جوزيف ألتازورا. ففي عاصمة النور سيحصل على فرصة للوصول إلى شرائح أكبر من الزبائن. ماريا كورنيجو أيضاً ألغت عرضها رغم أنه كان في توقيت جيد في البرنامج الرسمي، بينما قدمت علامة «باجا إيست» عرضها في لوس أنجلوس. الرسالة كانت واضحة، وهي أن الكل يغني على ليلاه، في ظل تشتت فكرة الأسبوع. المدافعون عن توم فورد يقولون إن أزمة الأسبوع بدأت قبل أن يتسلم رئاسة المجلس بسنوات، وبأنها بدأت منذ انتقال مقر الأسبوع من «براينت بارك» إلى مركز لينكولن ثم إلى أماكن أخرى متفرقة، وهي تغييرات زعزعت مكانته وأفقدته بريقه القديم، إلى جانب تراجع المبيعات وعزوف المتسوقين عن المحلات الكبيرة، ما أدى إلى إغلاق بعضها مثل «بارنيز» الأيقونية. إغلاق هذه المحلات أثر على عدة وظائف تم إلغاؤها، مثل وظيفة الشراء، التي لم تعد ضرورية لا سيما بعد ظهور مفهوم «العرض اليوم والبيع غداً». لهذا، فإن رأي المتابعين أن هذه التغييرات والأزمات تتطلب حالياً تدخلات جذرية لاستحداث أفكار جديدة تناسب العصر. فعروض الأزياء بمفهومها التقليدي القديم لم تعد متماشية مع التغيرات التي تشهدها ساحة الموضة، وأولها أنها فقدت نخبويتها بعد أن فتحت أسابيع الموضة العالمية أبوابها للعامة لقاء مبلغ مالي. فهذا أثر على حميميتها وخصوصيتها، وفي المقابل، ظهرت وسائل أخرى للعرض والتسويق تعتمد على التفاعل مع الزبائن بشكل مباشر، وهو ما قد يكون في صالح المصممين الصغار تحديداً.
كل هذا فتح الباب لتساؤلات لم تكن تخطر على البال منذ 10 سنوات عن مدى أهمية أسبوع نيويورك من جهة، وأهمية عروض الأزياء عموماً من جهة ثانية. فالبعض يرى أنها، أي عروض الأزياء، ما هي إلا مجرد إرث من الماضي يثير الحنين أكثر مما يُعبر عن متطلبات العصر الحالي، علماً بأن الأمر لا يقتصر على نيويورك، بل يشمل باقي عواصم العالم. فالمصممون الآن مطالبون بإيجاد لغة جديدة ونسج قصص تشد الانتباه، وهو ما ترجمه البعض من خلال ديكورات تُلهب الخيال لكن تتطلب ميزانيات ضخمة لا يقدر عليها سوى بيوت أزياء كبيرة مثل «شانيل» أو «ديور»، وبالبعض الآخر، وأغلبهم من المصممين الشباب، باللعب على مفهوم الاستدامة وغيرها.
في بريطانيا، حيث سينطلق الأسبوع اللندني غداً، أخذت المصممة فيبي إنغليش المبادرة بإعادة النظر في طريقة عرضها لتصاميمها وكانت النتيجة استغناؤها عنها لثلاثة مواسم الآن. فسرت الأمر بقولها إنها أرادت أن تأخذ فرصة تعيد فيها النظر في طرق الإنتاج القديمة والمتوارثة. وكانت النتيجة أنها بدأت الإنتاج في ورشات ومعامل محلية بإنتاج محسوب حتى لا يكون لديها أي فائض. لم يكن اتخاذ قرار عدم العرض سهلاً في البداية، لأنه محفوف بالمخاطر بالنسبة لمصممة شابة، من المفترض أن ترسخ اسمها بأن تجعله يتردد في مجال سريع الإيقاع ويتمتع بذاكرة ضعيفة، إلا أنها اكتشفت مع الوقت أن قرارها كان صحياً وصحيحاً، لأنه كما توضح «ساعدنا في تقييم الأمور والنظر إليها من زاوية موضوعية».

... والصين تغيب
> المئات من صناع الموضة والمسؤولين عن عمليات الشراء من الصينيين لن يتمكنوا من حضور أسابيع الموضة العالمية هذا الموسم وسط مخاوف من انتشار فيروس «كورونا»، وهو ما يُشكل ضربة بالنسبة للمصممين الذين يُعولون على السوق الصينية. الإيطاليون يتوقعون أن يتغيب نحو ألف صحافي وخبير أزياء، ومتخصصو شراء في المحلات، عن «أسبوع ميلانو».
وأفادت «منظمة الموضة الإيطالية» بأن وباء «كورونا» الذي أودى بآلاف الأرواح لحد الآن، سيتسبب في انخفاض مبيعات الموضة الإيطالية بنسبة 1.8 في المائة في الأشهر الستة الأولى من العالم الحالي.
في المقابل؛ هناك جهود كثيرة يقوم بها الغرب لتفادي الخسائر المرتقبة من جهة، وإظهار تضامنهم مع أصدقائهم الصينيين من جهة ثانية، حيث أعلنوا أنهم سيعملون بكل جُهدهم على بثّ عروضهم على مواقعهم
الإلكترونية بشكل مكثف أكثر من أي وقت مضى حتى يُتيحوا لهم متابعة هذه العروض، وفي
الوقت ذاته أن تتم عمليات البيعوالشراء
عبر الإنترنت. كارولاين راش، رئيسة
«منظمة الموضة البريطانية» أشارت
إلى هذه الجهود بقولها إن المنظمة
ستعمل بجهدها لكي تصل إلى الصين
بشتى الطرق، مضيفة: «نتمنى من
قلوبنا أن يتمكن أصدقاؤنا وشركاؤنا
في الصين من التنقل والترحال وأن
نراهم قريباً في لندن».



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.