منة خليل: أغلب تصاميمي رأيتها في أحلامي وتعبر عن حالات نفسية

عندما تنغمس الفنون بأشكالها المختلفة، من الأدب والرسم والتصوير والتصميم في قلب الحياة، نصبح أمام قطع فنية تتحول إلى إرث، لأنها الشاهد الأبقى على حكايات البشر، ولعل هذا ما يفسر ارتباط الحُلي بكل ما هو جميل: سحر الأحجار، ووميض الذهب... عذوبة الفضة، وبريق اللؤلؤ.
وفي الطريق إلى التميز يسعى المصمم إلى اللعب بالأدوات من معادن وأحجار ليعبر عن أفكاره، وربما آلامه، وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» تقول المصممة المصرية منة خليل إن «تشكيل الحُلي فن يعكس هوية ورسالة». كما ترى أن التصميم يمكن أن «يقترب من قضايا روحانية ونفسية، وأن يُخرج الكثير من التفاصيل المؤلمة إلى السطح».
حسب منة خليل فإن «الحُلي ليس مجرد قطعة جذابة للزينة، فسحره الحقيقي يكمن فيما يعكسه من أفكار ورموز».
المصممة الشابة عاشقة للفنون والأدب، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وحصلت على الماجستير في هذا التخصص. ورغم أنها درست أشكالاً مختلفة من الأدب العالمي، فإنها تأثرت بالأدب الإنجليزي على وجه الخصوص. وهذا ما يفسر أن كل تشكيلة قدمتها خلال سبع سنوات من الاحتراف تحمل تفاصيل لحكاية مصدرها رواية أدبية. تشرح: «اكتشفت رغم تنوع واختلاف التصاميم التي قدمتها ضمن ست عشرة تشكيلة أن تأثري بالأدب كان مصدر إلهام بالنسبة لي، فدائماً أكتشف أن وراء ما رسمته كتاب قرأته من قبل واستقر في وجداني».
بموازاة دراستها الأدبية، درست أيضاً بكلية الفنون الجميلة التصوير الزيتي، ولا تزال تمارس الرسم كهاوية.
لحد الآن قدمت منة خليل ست عشرة تشكيلة من الحُلي. كانت الأولى في عام 2013. قبل ذلك كان خان الخليلي، الواقع في قلب القاهرة الفاطمية، وجهتها لتعلم حرفة تصميم الحُلي. وبالفعل ظلت عاماً كاملاً تتعلم بإحدى الورش، حتى أتقنت كيف تحول صورة في ذهنها إلى قطعة مُتقنة التنفيذ.
في مجموعتها الأولى اعتمدت على الأحجار الطبيعية وعلاقتها بالأساطير والخرافات، ثم تناولت الحضارة المغربية وخطوطها، ثم المملكة الإنجليزية واليابان ومصر الفرعونية. استلهمت أيضاً مجموعات أخرى من الكاتبة الروائية المصرية الراحلة رضوى عاشور، ومن الشاعر جبران خليل جبران والرسام الفرنسي كلود مونيه. تشرح بأن كل شيء تراه أو تقرأه يلهمها ويحرك مشاعرها. فقد استوحت مثلاً مجموعة من رواية واحة الغروب للكاتب بهاء طاهر، تقول إنها مزجت فيها «أحداث الرواية وبين رحلات قمت بها إلى واحة سيوة وصحراء المغرب».
الكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف (1882: 1941) حضرت هي الأخرى في مجموعتها الخامسة عشر، والسبب حسب المصممة أنها كانت تستهدف «التوعية بالأمراض النفسية أو على الأقل الحديث عن المسكوت عنه في حياتنا». تتابع: «اجتذبتني قصة فرجينيا، التي انتحرت غرقاً، وبعد الوفاة بعشرين عاماً تقريباً تم الكشف عن طبيعة مرضها النفسي، وفي المجموعة التي حملت اسمها لعبت بالرمزية عبر ورق الذهب والفضة ومادة الإبوكسي الشفافة مع اللون الأزرق، كرمز للبحر، وصممت قطعاً في صورة وجوه مقسومة لنصفين، للتعبير عن الاضطراب المصاحب لحالتها». قطع فنية بهذا البُعد المُبطن لا تناسب جميع النساء. فهي تتوجه إلى امرأة جريئة تريد أن تستعمل قطع الحُلي كوسيلة للتعبير عن مكنوناتها. فهل هضمت الزبونات في مصر أو الشرق الأوسط هذا النموذج من المجوهرات؟. تجيب منة خليل بشيء من الرضا والثقة: «لأنني لا أقدم أشكالاً تقليدية، أجد أن المرأة تُقبل عليها، لأنها فريدة ومميزة».
أما مجموعتها الأحدث، والتي قدمتها في نهاية عام 2019. فكانت تعبيراً عن حالة خاصة، استلهمتها من تجربة الشاعر الأميركي، إدغار آلان بو، وتشرح: «لقد ركزت على الغراب الذي كان بطلاً لواحدة من أجمل قصائده، مع اللعب برسوم تشبه الساعة، وكأنه يتمنى لو عاد الزمن به إلى الوراء».
فكرة التعبير عن أشخاص وتجارب ومشاعر إنسانية بالطبع أمر يتطلب الكثير من الجهد، بالإضافة إلى هبة التصميم، وتقول منة خليل عن هذه المرحلة: «قبل أي تشكيلة وبعد تحديد الفكرة، يكون أمامي شهور من الدراسة وجمع المعلومات، خاصة إذا كانت التصاميم تلمس وتراً حساساً مثل الأمراض النفسية».
وتكشف عن خيط آخر في رحلتها لتصميم الحُلي، «لا أنكر أن أغلب تصاميمي رأيتها في أحلامي، أستيقظ على الفور لأمسك بقلمي وأحدد خطوطي... أشعر أنني جزء من تصاميمي، منذ أن كانت فكرة وصولاً للإخراج الفني لجلسة التصوير. كل تفصيلة تحددت من قبل ومستقرة بداخلي». الآن تعمل منة خليل على أن تقوي اسمها وتعزز مكانتها باحترافية تحترم معايير السوق العالمية، لكن يبقى حلمها أن تُعرض أعمالها في متاحف فنية.