عباس يرفض من مجلس الأمن «أحادية الوساطة الأميركية»

قال إن خطة واشنطن تلغي الشرعية الدولية وتتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث أمام مجلس الأمن أمس (أ.ب)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث أمام مجلس الأمن أمس (أ.ب)
TT

عباس يرفض من مجلس الأمن «أحادية الوساطة الأميركية»

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث أمام مجلس الأمن أمس (أ.ب)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحدث أمام مجلس الأمن أمس (أ.ب)

حذّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من «قتل الأمل» لدى الشعب الفلسطيني، مخاطباً الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مؤكداً أن «صفقة القرن» مع إسرائيل «مرفوضة تماماً» و«لا يمكنها أن تحقق السلام» لأنها تلغي القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ومرجعيات عملية السلام في الشرق الأوسط وحقوق الفلسطينيين الذين «يركعون ولن يستسلموا». وإذ مد يده للحوار، شدد على أنه «من غير المقبول أن تبقى أميركا وسيطاً وحيداً» للتفاوض بين طرفي النزاع.
وكان الرئيس الفلسطيني يتحدث أمام جلسة لمجلس الأمن في نيويورك التي أمل أن تشهد تصويتاً على مشروع قرار أعدّته تونس وإندونيسيا للتنديد بالخطة الأميركية. غير أن «الضغوط الهائلة» التي مارستها الولايات المتحدة على بقية أعضاء مجلس الأمن أدت إلى إرجاء هذا التصويت. واستهلّت الجلسة بكلمة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي كرر التزام الأمانة العامة قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، قائلاً: «تظل الأمم المتحدة ملتزمة بدعم الفلسطينيين والإسرائيليين لحل النزاع على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والقانون الدولي والاتفاقيات الثنائية وتحقيق رؤية دولتين -إسرائيل وفلسطين- تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن داخل حدود معترف بها، على أساس خطوط ما قبل عام 1967».
وتبعه منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، معلناً معارضة «الخطوات والخطط الأحادية الهادفة إلى ضم الأراضي»، محذراً من أن «مثل هذه الخطوات، بما في ذلك إمكانية ضم الأراضي في الضفة الغربية أو ما شابه ذلك من تحركات، سيكون لها تأثير مدمر على احتمال حل الدولتين». كما أنه «سيغلق الباب أمام المفاوضات، وله تداعيات سلبية في كل أنحاء المنطقة، ويقوض بشدة فرص التطبيع والسلام الإقليمي».
وألقى الرئيس محمود عباس، كلمة قال فيها إنه جاء إلى مجلس الأمن «باسم 13 مليون فلسطيني» للتعبير عن «الرفض القاطع والواسع لهذه الصفقة الأميركية»، مشيراً إلى «ما تضمنته من مواقف أحادية، ومخالفتها الصريحة للشرعية الدولية ولمبادرة السلام العربية، وألغت قانونية مطالب شعبنا في حقه المشروع في تقرير مصيره ونيل حريته واستقلاله في دولته، وشرعت ما هو غير قانوني من استيطان واستيلاء وضم للأراضي الفلسطينية». وشدد على «وجوب عدم اعتبار هذه الصفقة أو أي جزء منها، مرجعية دولية للتفاوض، لأنها أميركية - إسرائيلية استباقية، وجاءت لتصفية القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي لن يجلب الأمن ولا السلام للمنطقة»، مؤكداً عدم القبول بها، ومواجهة تطبيقها على أرض الواقع.
وقال عباس إن «السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي لا يزال ممكناً وقابلاً للتحقيق»، داعياً إلى «بناء شراكة دولية لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم، الذي لا نزال متمسكين به كخيار استراتيجي». وذكّر بـ«خطوات تاريخية» اتّخذها الفلسطينيون «حرصاً على تحقيق السلام، وتجاوبنا مع جهود الإدارات الأميركية المتعاقبة، والمبادرات الدولية، وكل الدعوات للحوار والتفاوض، إلا أنه لم يُعرض علينا ما يلبي الحد الأدنى من العدالة لشعبنا، وكانت حكومة الاحتلال الحالية هي التي تُفشل كل الجهود». ورفض «مقايضة المساعدات الاقتصادية بالحلول السياسية، لأن الأساس هو الحل السياسي».
ودعا عباس «الرباعية الدولية» ممثلةً بالولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن، إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، بحضور فلسطين وإسرائيل والدول الأخرى المعنية، لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 2334 لعام 2016، ورؤية حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، وذلك بإنشاء آلية دولية أساسها الرباعية الدولية لرعاية مفاوضات السلام بين الجانبين. ونبه إلى أن «الصفقة الأميركية احتوت على 311 مخالفة للقانون الدولي»، مؤكداً أن الفلسطينيين «سيواجهون تطبيقها على الأرض».
وأكد الرئيس الفلسطيني أنه «مستعد لبدء المفاوضات فوراً إذا وجد شريكاً في إسرائيل». وأعلن أن «وساطة أميركا وحدها لم تعد مقبولة»، داعياً المجتمع الدولي إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف ممارساتها الاحتلالية وقراراتها المتواصلة في ضم الأراضي الفلسطينية وفرض السيادة عليها، محذراً من أنها «تدمر حتماً وبشكل نهائي كل فرص صنع السلام الحقيقي». وإذ مد يده للسلام، خاطب الرئيس دونالد ترمب «قبل فوات الأوان»، محذراً أيضاً من «ضياع الفرصة الأخيرة»، آملاً أن يجد «شريكاً حقيقياً في إسرائيل لصنع سلام حقيقي للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي ولدول وشعوب المنطقة». وأكد أن «شعبنا لم يعد يتحمل استمرار الاحتلال، والوضع أصبح قابلاً للانفجار، وللحيلولة دون ذلك لا بد من تجديد الأمل لشعبنا وكل شعوب المنطقة في الحرية والاستقلال وتحقيق السلام». وأكد أن «شعبنا لن يركع ولن يستسلم»، منهياً خطابه بالقول: «حذار أن يُقتل الأمل لدى شعبنا الفلسطيني».
وتلاه المندوب الإسرائيلي الدائم داني دانون، الذي رأى أنه «إذا كان الرئيس عباس يريد السلام يجب ألا يكون هنا في نيويورك»، مضيفاً أنه «كان عليه أن يفعل ما قام به الرئيس (المصري الراحل أنور) السادات، الذي ذهب إلى القدس وتحدث في الكنيسيت الإسرائيلية (...) عليه أن يتوجه إلى واشنطن كما فعل الملك حسين (بن طلال) سعياً إلى السلام بين الأردن وإسرائيل». ولام دانون مجلس الأمن على عقد هذه الجلسة وغيرها «لأنها تعطل إمكان حصول مفاوضات مباشرة».
وجدد المندوب التونسي الدائم المساعد لدى المنظمة الدولية طارق الأدب، «التزام تونس دعمها الثابت والمبدئي للقضية الفلسطينية العادلة وللشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف والتجزئة»، مشدداً على أنها «لن تسقط بمرور الزمن». وكذلك عبّر المندوب الإندونيسي ديان ترانسياه دجاني، عن موقف بلاده الداعم للفلسطينيين.
هذا وألقت مندوبة بريطانيا في الأمم المتحدة كيلي كرافت، مداخلة قالت فيها إنه «منذ إنشاء الأمم المتحدة أظهر هذا المجلس والجمعية العامة اعتقاداً بأهمية السلام في الشرق الأوسط من خلال عدد لا يُحصى من ساعات من المناقشة وتمرير أكثر 800 من القرارات لمعالجة هذه المسألة». لافتة إلى أنه «لا هذه المناقشات ولا القرارات أدت إلى سلام حقيقي ودائم». واعتبرت أن ذلك أظهر في الوقت ذاته «رقماً قياسياً من الفشل المذهل»، كاشفةً أن «هذا هو السبب الذي دفع الرئيس ترمب إلى اقتراح رؤية جديدة من أجل السلام»، بطريقة تشكّل «تحدياً ملموساً للوضع الراهن».



«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
TT

«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)

حديث إسرائيلي عن «مقترح مصري» تحت النقاش لإبرام اتفاق هدنة في قطاع غزة، يأتي بعد تأكيد القاهرة وجود «أفكار مصرية» في هذا الصدد، واشتراط إسرائيل «رداً إيجابياً من (حماس)» لدراسته، الخميس، في اجتماع يترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

تلك الأفكار، التي لم تكشف القاهرة عن تفاصيلها، تأتي في «ظل ظروف مناسبة لإبرام اتفاق وشيك»، وفق ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مع ضغوط من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإطلاق سراح الرهائن قبل وصوله للبيت الأبيض، كاشفين عن أن «حماس» تطالب منذ طرح هذه الأفكار قبل أسابيع أن يكون هناك ضامن من واشنطن والأمم المتحدة حتى لا تتراجع حكومة نتنياهو بعد تسلم الأسرى وتواصل حربها مجدداً.

وكشفت هيئة البث الإسرائيلية، الأربعاء، عن أن «إسرائيل تنتظر رد حركة حماس على المقترح المصري لوقف الحرب على غزة»، لافتة إلى أن «(الكابينت) سيجتمع الخميس في حال كان رد (حماس) إيجابياً، وذلك لإقرار إرسال وفد المفاوضات الإسرائيلي إلى القاهرة».

فلسطيني نازح يحمل كيس طحين تسلمه من «الأونروا» في خان يونس بجنوب غزة الثلاثاء (رويترز)

ووفق الهيئة فإن «المقترح المصري يتضمن وقفاً تدريجياً للحرب في غزة وانسحاباً تدريجياً وفتح معبر رفح البري (المعطل منذ سيطرة إسرائيل على جانبه الفلسطيني في مايو/أيار الماضي) وأيضاً عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، خلال حديث إلى جنود في قاعدة جوية بوسط إسرائيل إنه «بسبب الضغوط العسكرية المتزايدة على (حماس)، هناك فرصة حقيقية هذه المرة لأن نتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن».

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أكد، الأربعاء، استمرار جهود بلاده من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وقال عبد العاطي، في مقابلة مع قناة «القاهرة الإخبارية»: «نعمل بشكل جاد ومستمر لسرعة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة»، مضيفاً: «نأمل تحكيم العقل ونؤكد أن غطرسة القوة لن تحقق الأمن لإسرائيل».

وأشار إلى أن بلاده تعمل مع قطر وأميركا للتوصل إلى اتفاق سريعاً.

يأتي الكلام الإسرائيلي غداة مشاورات في القاهرة جمعت حركتي «فتح» و«حماس» بشأن التوصل لاتفاق تشكيل لجنة لإدارة غزة دون نتائج رسمية بعد.

وكان عبد العاطي قد قال، الاثنين، إن «مصر ستستمر في العمل بلا هوادة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين»، مؤكداً أنه «بخلاف استضافة حركتي (فتح) و(حماس) لبحث التوصل لتفاهمات بشأن إدارة غزة، فالجهد المصري لم يتوقف للحظة في الاتصالات للتوصل إلى صفقة، وهناك رؤى مطروحة بشأن الرهائن والأسرى».

عبد العاطي أشار إلى أن «هناك أفكاراً مصرية تتحدث القاهرة بشأنها مع الأشقاء العرب حول وقف إطلاق النار، وما يُسمى (اليوم التالي)»، مشدداً على «العمل من أجل فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني» الذي احتلته إسرائيل في مايو الماضي، وكثيراً ما عبّر نتنياهو عن رفضه الانسحاب منه مع محور فيلادلفيا أيضاً طيلة الأشهر الماضية.

وكان ترمب قد حذر، الاثنين، وعبر منصته «تروث سوشيال»، بأنه «سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.

دخان يتصاعد بعد ضربة إسرائيلية على ضاحية صبرا في مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وأفاد موقع «أكسيوس» الأميركي بأن مايك والتز، مستشار الأمن القومي الذي اختاره ترمب، سيقابل وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمير، الأربعاء، لمناقشة صفقة بشأن قطاع غزة.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبد المهدي مطاوع أن «المقترح المصري، حسبما نُشر في وسائل الإعلام، يبدأ بهدنة قصيرة تجمع خلالها (حماس) معلومات كاملة عن الأسرى الأحياء والموتى ثم تبدأ بعدها هدنة بين 42 و60 يوماً، لتبادل الأسرى الأحياء وكبار السن، ثم يليها حديث عن تفاصيل إنهاء الحرب وترتيبات اليوم التالي الذي لن تكون (حماس) جزءاً من الحكم فيه»، مضيفاً: «وهذا يفسر جهود مصر بالتوازي لإنهاء تشكيل لجنة إدارة القطاع».

وبرأي مطاوع، فإن ذلك المقترح المصري المستوحى من هدنة لبنان التي تمت الأسبوع الماضي مع إسرائيل أخذ «دفعة إيجابية بعد تصريح ترمب الذي يبدو أنه يريد الوصول للسلطة والهدنة موجودة على الأقل».

هذه التطورات يراها الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية اللواء سمير فرج تحفز على إبرام هدنة وشيكة، لكن ليس بالضرورة حدوثها قبل وصول ترمب، كاشفاً عن «وجود مقترح مصري عُرض من فترة قريبة، و(حماس) طلبت تعهداً من أميركا والأمم المتحدة بعدم عودة إسرائيل للحرب بعد تسلم الرهائن، والأخيرة رفضت»، معقباً: « لكن هذا لا ينفي أن مصر ستواصل تحركاتها بلا توقف حتى التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن في أقرب وقت ممكن».

ويؤكد الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور أن «هناك مقترحاً مصرياً ويسير بإيجابية، لكن يحتاج إلى وقت لإنضاجه»، معتقداً أن «تصريح ترمب غرضه الضغط والتأكيد على أنه موجود بالمشهد مستغلاً التقدم الموجود في المفاوضات التي تدور في الكواليس لينسب له الفضل ويحقق مكاسب قبل دخوله البيت الأبيض».

ويرى أن إلحاح وسائل الإعلام الإسرائيلية على التسريبات باستمرار عن الهدنة «يعد محاولة لدغدغة مشاعر الإسرائيليين والإيحاء بأن حكومة نتنياهو متجاوبة لتخفيف الضغط عليه»، مرجحاً أن «حديث تلك الوسائل عن انتظار إسرائيل رد (حماس) محاولة لرمي الكرة في ملعبها استغلالاً لجهود القاهرة التي تبحث تشكيل لجنة لإدارة غزة».

ويرى أنور أن الهدنة وإن بدت تدار في الكواليس فلن تستطيع حسم صفقة في 48 ساعة، ولكن تحتاج إلى وقت، معتقداً أن نتنياهو ليس من مصلحته هذه المرة تعطيل المفاوضات، خاصة أن حليفه ترمب يريد إنجازها قبل وصوله للسلطة، مستدركاً: «لكن قد يماطل من أجل نيل مكاسب أكثر».