ناشطون يدعون لحملة لإسقاط «حكومة الانهيار»

عدوا كشف الأجهزة الأمنية عن خطتها «القمعية» دليل خوف وضعف

TT

ناشطون يدعون لحملة لإسقاط «حكومة الانهيار»

يتداول الناشطون في لبنان عبر وسائل التواصل الاجتماعي حملة «لا ثقة»، ويدعون من خلالها المواطنين إلى التظاهر السلمي وصولاً إلى وسط بيروت، لإسقاط «حكومة الانهيار»، كما يصفونها، لمنع انعقاد جلسات الثقة في 12 و13 من الشهر الجاري. في المقابل، جاء البيان الصادر عن المجلس الأعلى للدفاع ليحدد ملامح خطة الأجهزة الأمنية والقوى العسكرية بمواجهة هذه الدعوات عبر اعتماد سياسة «الحل الأمني» و«المحافظة على الاستقرار والسلم الأهلي»، و«عدم التهاون مع أي محاولة للنيل من هيبة الدولة ومؤسساتها ومقراتها الرسمية».
ولم يخف البيان النية لحماية جلسات الثقة بـ«الضربات الاستباقية» مع التلويح ببيانات ومعلومات وملفات عن معظم المشاركين الأساسيين والناشطين البارزين وقادة مجموعات الحراك، وذلك بغية «استباق الأحداث التخريبية لتفادي أي تطورات». ويوضح بيان بعد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع إصرار السلطات من رأس الهرم على قمع كل ما يمكن أن يهدد جلسات الثقة أو يشوش عليها. ويقول المحلل السياسي والناشط أيمن جزيني لـ«الشرق الأوسط» إن «اللافت في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى هو تلاوة بيان تحذيري بدعوى الحفاظ على هيبة السلطة، ما يدل على ضعف المرجعية الأمنية والجهات السياسية التي تديرها. فالسلطة قوية ما دام هي مستترة، وكشفها يدل على خوفها، وعلى قرارها بتصفية الحراك الشعبي مع إعداد أربعة أجهزة أمنية ملفات عن الشخصيات التي تنشط في هذا الحراك». ويوضح أن «خوف السلطة تبرزه دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن تكون كلمات النواب مختصرة وكذلك عدد المتحدثين».
ويشير جزيني إلى «غياب المسوّغ القانوني لقمع التظاهر، وهو حق شرعي بموجب القوانين الدولية، وتحديداً لأن هذا التظاهر ليس مسلحاً وليس خطيراً على الإطلاق، إلا أن ذلك لم يحل دون كشف السلطة عن أنيابها الأمنية لترهيب الناس».
وقال الباحث والكاتب السياسي الدكتور مكرم رباح لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش اللبناني، ومن خلال التزامه بهذه الإجراءات المتشددة، يتصرف وفق واجباته القاضية حماية المؤسسات، بعكس ما حصل عندما تمكّن المتظاهرون من منع انعقاد جلسة لإقرار بعض القوانين قبل فترة، وكانت غير شرعية بكل المقاييس».
وفي حين يستبعد إمكانية تأمين الحشد الجماهيري المطلوب بمواجهة الإجراءات الأمنية إلى حد تعطيل جلسة الثقة، إلا أنه يؤكد على «حصول مواجهات، وستكون أشرس مما شهده يوم إقرار الموازنة، لكنها لن تعطل الجلسة». ويعتبر رباح أن «إقفال وسط بيروت أصبح أصعب مما كان عليه سابقاً. واللعبة ستنتقل إلى العمل على إقفال مرافق حيوية تعطل البلد. وإمكانية تحرك مدروس لهذه الغاية ستؤثر بفاعلية أكبر على الحكومة، وتضعها في مواجهة حقيقية مع المشكلات التي دفعت اللبنانيين إلى الشارع».
ويرى أن «ما تقوم به السلطة طبيعي لتحافظ على مكاسبها واستمراريتها. لكن الواقع السياسي والاقتصادي في لبنان سيؤدي حتماً إلى العصيان المدني في غياب أي رؤية للحكومة قد تضع البلاد على سكة الإنقاذ، وأي إجراءات يتطلبها واقع الإفلاس الذي وصلنا إليه. وأولها الوعي أن المشكلة في لبنان سياسية، وليست مشكلة سيولة تقتصر على الاقتصاد. كما أن المواجهة خلال انعقاد جلسات الثقة ستؤكد افتقار الحكومة إلى الشرعية. وهي واحدة من عدة مواجهات وصولاً إلى إسقاطها. لكن الأمر لن يكون سهلاً».
ويرى جزيني أن «المؤشرات تدل على غياب الأحزاب عن الحراك الشعبي لتجنب قادتها أي تصادم مع السلطة، بالتالي ستقتصر التحركات على مبادرات الناشطين. ولست متفائلاً بقدرة هؤلاء على منع انعقاد جلسات الثقة». ويلفت إلى أن «إجراءات المصارف نجحت في لجم الناس وقايضت ثورتهم بلقمة العيش، لينسحبوا من الشارع ويقفوا بالصف على أبوابها بغية الحصول على ما يسمح لهم بتأمين متطلباتهم الحياتية بالحد الأدنى. بالتالي ربحت المصارف معركة لصالح الدفاع عن أركان السلطة ونيابة عنها، عندما أسقطت الانتفاضة هذه السلطة في الشارع، ما حال دون تزخيم الثورة، وفرض على الناس القبول بالتسويات على الطريقة اللبنانية لترتيب أحوالهم المعيشية».
وتقول الناشطة والطبيبة ريمان قمورية لـ«الشرق الأوسط» إن «الإجراءات الأمنية تعكس خوف السلطة من المتظاهرين. وعلى الرغم من هبوط محرك الثورة، ربما يشكل القمع الأمني رافعة لعودة الحماس إلى الشارع». وعن انكفاء الشارع في انتفاضته، تقول قمورية إن «الناشطين يعملون على القوانين التي تحميهم من التعرض الأمني والمخابراتي لهم. وتأتي مبادرة نقيب المحامين ملحم خلف في هذا الإطار. واللافت أن الحراك لا يزال يجد وسائل للتجييش بمعزل عن الأحزاب والطوائف. ويأتي في هذا الإطار التحرك البيروتي. حتى أن النساء يركضن أمام عائلاتهن لحث أهالي بيروت على النزول إلى الشارع والوقوف في وجه السلطة القامعة».
وترى قمورية أن «المنتفضين لن يسكتوا على الإجراءات الأمنية. ولن تتوقف التحركات، لأن الجهات المخابراتية حضرت ملفات عن الناشطين للنيل منهم، وتوقفهم يعني انتحارهم، وبالتالي الرجوع عن الانتفاضة صعب».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.