الصدر يأمر أصحاب «القبعات الزرق» بالانسحاب من ساحات الاعتصام

متظاهرو ساحة التحرير في بغداد رحبوا بدخول القوات الأمنية

متظاهرون في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ب)
متظاهرون في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ب)
TT

الصدر يأمر أصحاب «القبعات الزرق» بالانسحاب من ساحات الاعتصام

متظاهرون في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ب)
متظاهرون في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ب)

أمر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أصحاب «القبعات الزرق» من أنصاره، بالانسحاب من ساحات التظاهر، وأعلن في الوقت نفسه عما سماه «ثورة الإصلاح». وشدد الصدر، في بيان، أمس، على «الاستمرار على سلمية المظاهرات، وهذا يعني عدم إجبار أي شخص على التظاهر والاحتجاج مطلقاً، وعدم قطع الطرق والإضرار بالحياة العامة، وعدم منع الدوام في المدارس كافة، وأما الجامعات وما يعادلها فتكون اختيارية ومن دون إجبار على الدوام وعدمه».
كما دعا الصدر إلى «عدم التعدي على الأملاك الخاصة والعامة وعلى المرافق الخدمية والصور والمقار وغير ذلك مطلقاً، وإخلاء مناطق الاحتجاج والاعتصام من أي مظاهر التسليح... وينطبق ذلك على المولوتوف والقاعات والعصي وغيرها مطلقاً، وذلك بتسليمها للقوات الأمنية». كما أكد الصدر على «ضرورة إدارة المظاهرات من الداخل، والتخلي عن المتحكمين بها من الخارج مطلقاً، وعدم تسييس المظاهرات لجهات داخلية أو خارجية حزبية كانت أم غيرها، وإعلان البراءة من المندسين والمخربين، التي أشارت لها المرجعية وغيرها من القيادات الدينية والعشائرية وما شاكلها، فضلاً عن توحيد المطالب وكتابتها بصورة موحدة لجميع تظاهرات العراق».
كما دعا إلى «العمل على تشكيل لجان من داخل المظاهرات من أجل المطالبة بالإفراج عن المعتقلين والمختطفين، والتحقيق الجدي في قضية شهداء الإصلاح الذين سقطوا خلال المظاهرات، وإيجاد ناطق رسمي للمظاهرات»، مطالباً بـ«عدم التعدي على القوات الأمنية ومنها (شرطة المرور) مطلقاً... وتقديم المعتدين سابقاً أو لاحقاً للقوات الأمنية فوراً». وطالب بـ«مراعاة القواعد الشرعية والاجتماعية للبلد قدر الإمكان، وعدم اختلاط الجنسين في خيام الاعتصام، وإخلاء أماكن الاحتجاجات من المسكرات الممنوعة والمخدرات وما شاكلها، وانسحاب (القبعات الزرق)، وتسليم أمر حماية المتظاهرين السلميين والخيام بيد القوات الأمنية المسلحة».
وطالب زعيم التيار الصدري بـ«تحديد أماكن التظاهر عموماً، والاعتصام خصوصاً، ومن خلال موافقات رسمية، وبالتنسيق مع القوات الأمنية بصورة مباشرة»، داعياً إلى «الالتزام بتوجيهات المرجعية والقيادات الوطنية». ودعا إلى «طرد كل من يثير الفتنة الداخلية والطائفية وكل من يعتدي على الذات الإلهية أو الأعراف الدينية والاجتماعية وما شاكل ذلك، ويكون يوم الجمعة يوماً لتظاهرات عراقية حاشدة من دون الإعلان عن أي انتماء لغير العراق، ومن دون التفرقة، بهتاف، أو فعل، أو لافتة، أو ما شابه ذلك». كما طالب بـ«التحقيق بحادثة (الوثبة) و(مرقد السيد الحكيم) و(حادثة ساحة الصدرين) ومجزرة الناصرية وما شابهها في جميع المحافظات، وعدم تدخل المتظاهرين في أمور سياسية ثانوية كالتعيينات ورفض بعض السياسات من هنا وهناك، فلذلك جهات خاصة تقوم بها، فضلاً عن غيرها». واختتم الصدر بيانه بالدعوة إلى «عدم زج الثوار في تشكيل الحكومة المؤقتة... ففيه تشويه لسمعة الثورة الإصلاحية، وإعطاء أهمية لتجمع طلبة الجامعات ففيه نصرة للإصلاح، وعدم التعدي عليهم أو مضايقتهم ما داموا سلميين، والاستمرار بذلك إلى حين إجراء الانتخابات المبكرة».
إلى ذلك بدأ أصحاب «القبعات الزرق» بالانسحاب من ساحة التحرير وبناية «المطعم التركي» وسط بغداد، وذلك امتثالاً لأوامر الصدر. وفي هذا السياق أكد صفاء التميمي الناطق الرسمي باسم «سرايا السلام»، التابعة للتيار الصدري، أن مهمة «القبعات الزرق» ستكون «تأمين المحيط الخارجي لساحات التظاهر من خلال التنسيق مع القوات الأمنية».
وشهدت بغداد و9 محافظات عراقية، أمس، حالة من الهدوء والاستقرار بعد انسحاب «القبعات الزرق» بضغط من المرجعية الشيعية والقوى السياسية، ودخول القوات الأمنية ساحات التظاهر، وسط ترحيب المتظاهرين.
وقال شهود عيان لوكالة الأنباء الألمانية، إن القوات الأمنية دخلت إلى ساحات التظاهر، وتجولت فيها مع المتظاهرين ببغداد و9 محافظات، بناءً على قرار من وزارة الدفاع بتولي القوات الأمنية عملية بسط الأمن، وإبعاد الجماعات المسلحة التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، التي حاولت خلال الأيام الماضية فض المظاهرات والاعتصامات بالقوة.
وحسب الشهود، شرعت القيادات الأمنية في بغداد والمحافظات منذ ساعة متأخرة من الليلة قبل الماضية بتولي عمليات بسط الأمن ومشاركة المتظاهرين فعالياتهم، وإبعاد الجماعات المسلحة من أصحاب «القبعات الزرقاء»، الذين غادروا الساحات بهدوء، فيما تعالت أصوات المتظاهرين بعد انتشار القوات الأمنية بهتاف «بالروح بالدم نفديك يا عراق».
وأوضح الشهود أن المتظاهرين سمحوا للقوات الأمنية بتفتيش خيام الاعتصام، والاستماع إلى توجيهات القوات الأمنية، وتوفير أجواء آمنة للمتظاهرين في التعبير عن مطالبهم بصورة سلمية دون المساس بأمن واستقرار البلاد، والاتفاق على حصر مساحة التظاهر في ساحات التظاهر، وعدم قطع الطرق والجسور، وإعادة افتتاح الدوائر الحكومية والمدارس.
كانت وزارة الدفاع دعت قياداتها في بغداد ومحافظات البصرة والناصرية وميسان والديوانية وواسط وكربلاء والنجف وبابل إلى العمل بـ«كل طاقاتها وإمكاناتها لحماية أبناء شعبنا بشكل عام، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع من أجل المصلحة الوطنية». وأهابت الوزارة، في بيان، بـ«كافة منتسبيها من الضباط والمراتب، بضرورة أخذ دورهم الحقيقي والحازم تجاه من يريد العبث بأمن واستقرار البلاد، وعليها مسؤولية فرض القانون والنظام على الجميع، وأن تكون كما عهدها كل العراقيين حامية للدستور والعملية السياسية، وصمام أمان لحفظ تربة الوطن».
إلى ذلك، دعا زعيم «ائتلاف الوطنية» إياد علاوي، إلى إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة قتلة المتظاهرين. وقال علاوي، في تغريدة له على «تويتر»، أمس، «أطالب بمحاكمة علنية للقتلة ومرتكبي الجرائم بحق المتظاهرين السلميين». وأضاف: «هذا سيكون من خلال تشكيل محكمة خاصة تصدر بمرسوم جمهوري، ترتبط برئاسة الجمهورية يرأسها بعض القضاة النزيهين المتقاعدين، من داخل أو خارج العراق».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.