رحيل لينين الرملي... صاحب «وجهة نظر» و«سك على بناتك» و«تخاريف»

«سك على بناتك»... إحدى مسرحياته
«سك على بناتك»... إحدى مسرحياته
TT

رحيل لينين الرملي... صاحب «وجهة نظر» و«سك على بناتك» و«تخاريف»

«سك على بناتك»... إحدى مسرحياته
«سك على بناتك»... إحدى مسرحياته

غيب الموت الكاتب المسرحي لينين الرملي، ظهر أمس، أحد فرسان الدراما الفنية، في مستشفى بالقاهرة، عن عمر ناهز 75 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، وأعلنت زوجته الكاتبة فاطمة المعدول، رحيله بعد أن تدهورت حالته الصحية، حيث كان يرقد بغرفة العناية المركزة خلال الأسبوع الماضي، عقب تعرضه لجلطات متكررة بالمخ.
وشيعت جنازته التي اقتصرت على العائلة وبعض الأصدقاء، ودفن بمقابر الأسرة بالقاهرة.
ونعت نقابة المهن التمثيلية الفقيد، مشيدة بعطائه المسرحي الكبير، مشيرة إلى أن سرادق العزاء في وفاته سيقام الاثنين المقبل بجامع عمر مكرم بالقاهرة. كما نعاه رفيق مشواره الفنان محمد صبحي عبر صفحته على «فيسبوك» قائلاً: «رحل اليوم زميل الدراسة وصديقي الغالي لينين الرملي الذي كان ضلعاً مهماً في مسرحي والأعمال الفنية التي قدمناها سوياً (...) أنت باقٍ بأعمالك وفنك وفكرك، ونسأل الله المغفرة والرحمة، وعزائي لأسرته وكل محبيه».
وبرحيل الرملي تفقد الحياة الفنية في مصر والعالم العربي أحد الكتاب المتميزين في فن الدراما المسرحية، الذي استطاع بسلاسة في الرؤية والطرح أن يجمع بين المتعة والفرجة في نصوصه المسرحية المؤثرة بحرفيتها العالية وفضائها الكوميدي المعجون بهموم الإنسان وقضايا الواقع والحياة، وهو ما تجسد بشكل لافت في عديد من مسرحياته التي أثرت خشبة المسرح ومنها «تخاريف»، و«انتهى الدرس يا غبي»، و«أهلا يا بكوات»، و«عفريت لكل مواطن»، و«بالعربي الفصيح»، و«وجهة نظر»، الهمجي، و«سك على بناتك».
انشغل الراحل بتاريخ الفن المصري، وتراثه الحضاري والشعبي، تاركاً حصاداً ثرياً بلغ أكثر من 60 عملا. ولد بالقاهرة عام 1945، وحصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية، وقسم النقد وأدب المسرح عام 1970. بدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان محمد صبحي وقدما للمسرح المصري عددا من الأعمال المهمة كما تعاون مع نجوم الكوميديا في مصر بداية من فؤاد المهندس ومرورا بسمير غانم وعادل إمام، ومحمد عوض، ولا تزال هذه الأعمال حاضرة في ذهن الجمهور، وتشكل زاداً للمتعة والفرجة، وتتم إعادة عرضها خاصة في المناسبات العامة، مثل «سك على بناتك» لفؤاد المهندس، و«تخاريف» و«وجهة نظر» لمحمد صبحي، وفيلم «بخيت وعديلة» وهو سلسلة سينمائية من 3 أجزاء، وأيضا فيلم «الإرهابي» لعادل إمام، ومسلسل «حكاية ميزو» لسمير غانم، و«برج الحظ» لمحمد عوض. كما شارك في كتابة قصة فيلم «البداية» للمخرج صلاح أبوسيف... وغيرها من الأعمال المتنوعة ما بين المسرح والسينما والدراما التلفزيونية.
نشأ لينين الرملي في أسرة محبة للثقافة، ولها ارتباط بأفكار اليسار في الفكر العالمي، لكنها مع ذلك أوقعته في محنة «الاسم» الذي طالما عانى منه، فبعد مولده أصر والده الصحافي فتحي عبد الله الرملي أن يسميه لينين لإعجابه الشديد بشخصية الزعيم الشيوعي الروسي فلاديمير لينين، وبدأت تجليات هذه المحنة في المدرسة، حين تعرض الطفل لينين، لموقف مع مدرسه، إذ سأله الأخير عن ديانته، فأجاب: «أنا مسلم»، فطلب منه المدرس قراءة الفاتحة، حتى يتأكد من ديانته، وقال لينين في إحدى الندوات، إنه رفض تغيير اسمه، وإنه يحترم اختيار والده، ولن يغيره لمجرد إرضاء الناس. لكن محنة الاسم ظلت تطارده من وقت لآخر، خاصة أن عشقه للكتابة بدأ مبكرا وبرزت موهبته بقوة، ويروى أنه في الثامنة عشرة من عمره، عندما قامت والدته (الصحافية بمؤسسة روز اليوسف) بعرض قصة قصيرة له على رئيس تحرير المجلة، فقال لها: لينين موهوب، ولكن عليه تغيير اسمه لو كان راغبا في الاستمرار في الكتابة. لكن ذلك كان حافزا له على أن يقرر أن هويته تحددها إبداعاته وليس اسمه، ورفض تغييره.
ومع تراكم الخبرة والوعي بجماليات اللغة، التي تقضي قواعدها بأن «الأسماء لا تعلل» أصبحت مسألة الاسم مجرد مفارقة لطيفة، يتعامل معها لينين، وكأنها مزحة على هامش نصه المسرحي، الذي اتسم بالبساطة والعفوية، وبلغت فيه الكوميديا حد البكاء، كما بلغ فيه البكاء حد الضحك، وأصبحت السخرية من مصير الإنسان في عالم موحش وكئيب ومضطرب مزيجا من الاثنين معا.
اتسق لينين الرملي بنصه المسرحي جسدا وروحا، وكان يرى أنه مرآته ليس فقط ليجسد من خلالها قضايا المجتمع والعالم المحيط به، وإنما أولا لاكتشاف ذاته، واكتشاف صراع الإنسان من الداخل، وما يجابهه من مشاكل على شتى الأصعدة السياسية والثقافية، والاجتماعية، والإنسانية. لذلك عاش حريصا على احترام نصه، وعدم الزج به في دهاليز تجارية محضة، غرضها الربح المادي السريع والشهرة على حساب القيمة الفكرية والفنية، ومن هنا كان اختلافه مع صديق عمره ومشواره الفنان محمد صبحي
بعد أن كون الاثنان ثنائيا فنيا فريدا، شهد العديد من الأعمال الباقية في الذاكرة والوجدان، إلا أن خلافاً نشب بينهما، عقب النجاح الطاغي الذي حققته مسرحية «وجهة نظر»، وخروج صبحي على النص المكتوب، وهو ما لم يقبله لينين، ليضع حدا للأمر، إذ أكد وقتها أن هذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها صبحي عن النص، ويعلن أنه لن يجمعه عمل بصبحي مرة أخرى، خاصة أن «تراكم الخلافات» كانت سببا قويا في غضب لينين أكثر من مرة، مسجلا بذلك شهادة تبقي على اعتزاز الكاتب بنصه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».