تمثل العطلة الشتوية الابتكار الأكثر إبداعاً على مستوى علاقة بطولة الدوري الممتاز الإنجليزي مع كرة القدم.
في واقع الأمر، تفيد واحدة من نظرياتي المفضلة (لدي نحو 12 نظرية مفضلة تتناول مختلف أنماط التجارب الإنسانية) بأن جماهير كرة القدم تمقت الحديث عن اللعبة عندما تتوقف المنافسات، كأنها تبحث عن أي شيء يتيح لها الهرب بعيداً عما تثيره من جدل.
وأرى أن جماهير الكرة لا يرغبون حتى في القراءة عن كرة القدم الحقيقية، بمعنى الجوانب المتعلقة بالتكتيكات والتحليل العميق للمباريات - وينظرون إلى هذه الجوانب باعتبارها اهتمامات متعمقة يبدي معظم الناس تقديراً متحفظاً تجاهها لأنهم يعتبرونها جزءاً تقليدياً، لكن هامشياً، من التجربة الكروية الأكبر بكثير - على نحو ربما يشبه ثمار الخيار الصغيرة المخللة الموجودة بجانب ساندويتشات البرغر الكبيرة. في الواقع، يتجاهل بعض عشاق الساحرة المستديرة هذه الجوانب كلية، في الوقت الذي يبدي قطاعاً ضئيلاً للغاية اهتماماً حقيقياً بها. ولذلك؛ نجد أن هذه الجوانب تشغل مساحة ضئيلة للغاية من مجمل المحتوى العام المعني بكرة القدم. وبصورة أساسية، أرى أن الناس على استعداد فعل أي شيء لتجنب الخوض في مثل هذه الجوانب.
على النقيض، نجدهم - أو بالأحرى نجدنا جميعاً - عاجزين عن التوقف عن الحديث عما يمكن أن نصفه بشؤون متصلة بكرة القدم. في الواقع، جزء كبير من كون المرء عاشقاً لكرة القدم اليوم يتعلق بمسألة امتلاكه آراء حول أشياء لا تمت لكرة القدم على وجه التحديد: الأشخاص والمال والقصص الدرامية عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومجموعة واسعة من الشخصيات التي يكرهها أو يحسدها، أو ربما أحياناً يحبها. أما الميزة الإيجابية في ذلك بالنسبة للجهات المعنية بتوفير المحتوى، مثلما نطلق على الأندية اليوم، فتكمن في أن مثل هذه الأمور تحدث على مدار الأسبوع، ولا ترتبط حصراً بالدقائق الـ90 التي تستغرقها مباراة هنا أو هناك.
ولا أعني بحديثي هذا أن ثمة ما يضير في هذا الوضع، لكن عند النظر إلى وضع كرة القدم في هذا الإطار نجد أن العطلة الشتوية للدوري الإنجليزي تبدو مقترحاً شديد العبقرية - فهي في الواقع عطلة من التظاهر بأننا نتحدث عن كرة القدم لأنه ببساطة لا توجد كرة قدم، وإنما مجرد الأمور الأخرى الشعبية المرتبطة باللعبة.
الحقيقة، أنني استمتعت كثيراً بالتغطية المكثفة والنشطة لانطلاق العطلة الشتوية عبر الكثير من البرامج التلفزيونية الصباحية. وأعترف بأن جزءاً من هذا النشاط في التغطية ربما يعود لحداثة الفكرة. ومع هذا، ثمة شكوك عميقة بداخلي حول أن ذلك الحماس نابع بصورة أساسية من أن هذه العطلة أعفت الجميع من عبء التظاهر بأننا نناقش كرة القدم.
بالتأكيد، غطت جميع وسائل الإعلام مسألة غياب مباريات كرة القدم خلال الأيام، بل والأسابيع السابقة للعطلة. وكانت هناك الكثير من العناوين المثيرة التي دفعت معدل نبضات القلب نحو التسارع، مثل: «شرح عطلة الدوري الممتاز الشتوية: ما تحتاج إلى معرفته»، و«الكشف عن تفاصيل عطلة آرسنال الشتوية»، و«كيف تعمل العطلة الشتوية للدوري الممتاز؟» وبعيداً عن كونها «عطلة» وتأتي في «الشتاء»، تمكنت من خلال ما قرأت أن أخمّن أن هذه العطلة يكتنفها غموض يفوق قليلاً ما يحيط مجمع أيوا الانتخابي.
في كل الأحوال، تبدو كرة القدم على مستوى الدوري الممتاز أشبه بعالم تضطلع فيه كرة القدم بدور أداة معاونة في الحبكة - ما أطلق عليه الروائي الشهير ألفريد هيتشكوك، «مغوفين». ويشير مصطلح «مغوفين» هذا إلى عنصر تحتاج إليه كي تقع أحداث القصة، وكي تستثير الشخصيات التي تهتم بأمرها نحو التصرف على نحو معين - لكن في النهاية، يبدو هذا العنصر في حد ذاته ضعيف الأهمية نسبياً في إطار المخطط الأكبر. ومثلما شرح هيتشكوك فإن: «مغوفين هو الشيء الذي يسعى خلفه الجواسيس في القصة بينما لا يهتم بأمره الجمهور». يبدو شيئاً شبيهاً بكأس الاتحاد الإنجليزي.
على سبيل المثال، خلال الفترة السابقة مباشرة لمباراة الدور الرابع، مساء الثلاثاء، بين ليفربول وشروزبري تاون، كان هناك على الأقل ثلاثة أضعاف الحديث وثلاثة أضعاف المقالات عن عدم كسر المدرب الألماني يورغن كلوب عطلته الشتوية لحضور المباراة أكثر مما تناول المباراة ذاتها والاستعداد لها. واحتوت هذه المواد الكثير من التفاصيل الدقيقة حول غياب يورغن عن إدارة ليفربول من خطوط التماس والعملية الفنية التي يمكنه من خلالها مشاهدة لاعبيه الشباب، وجميع الوصف المتعلق بأن روحه وهويته هيمنت على أنفيلد بحيث إن المباراة جرت وكأنه حاضر تماماً.
في تلك الأثناء، تشكل العطلة الشتوية فرصة أمام مانشستر يونايتد لتعزيز المنتج خارج ملعب الكرة، خاصة بالتنسيق مع الشركاء الرسميين الكثيرين للنادي، خصوصاً أن الشريك الكروي الرسمي للنادي يمر بظروف مؤسفة - لكن العطلة ستسهم كذلك في التركيز على محتويات أخرى متعلقة بمانشستر يونايتد تلقى رواجاً أكبر بكثير، مثل الأحداث الدرامية خارج الملعب أو العلاقات مع الجهات الراعية.
وتعني العطلة الشتوية أنه بدلاً عن أن يطل على الجماهير من داخل أولد ترافورد، تركزت الأنظار على صور اللاعب فريد وهو يمارس التزلج على الماء التي نشرها عبر حسابه على «إنستغرام»، بينما ركز آخرون على خبر وجود المدافع فيكتور لينديلوف في المغرب. وثمة قصص درامية أخرى مثل إلغاء المعسكر التدريبي لمانشستر يونايتد في قطر بسبب تفاقم التوترات في الشرق الأوسط، بينما يحظى أوله غونار سولسكاير حالياً على وقت للتركيز على حل لغز كيف يمكن الفوز بعدد أكبر من مباريات كرة القدم.
وإذا وجدت نفسك في أي لحظة متلبساً بجريمة التفكير فيما إذا كان أيٌ من ذلك يمكن وصفه بـ«كرة قدم»، أرجوك توقف على الفور، وأنصحك أن تحصل على عطلة - بالأحرى «عطلة شتوية».
العطلة الشتوية... الابتكار الأكثر إبداعاً للدوري الممتاز الإنجليزي
فرصة للأندية للتركيز على المهام الجوهرية المرتبطة بكرة القدم أو البحث عن رعاة ومستثمرين جدد
العطلة الشتوية... الابتكار الأكثر إبداعاً للدوري الممتاز الإنجليزي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة