كريستينا كوك تعود إلى الأرض لتشق طريق المرأة في الفضاء

قامت هي وجيسيكا مائير بقيادة أول رحلة فضائية للسيدات

رائدة الفضاء كريستينا كوك لحظة خروجها من سفينة الفضاء بعد هبوطها للأرض ( أ.ف.ب)
رائدة الفضاء كريستينا كوك لحظة خروجها من سفينة الفضاء بعد هبوطها للأرض ( أ.ف.ب)
TT

كريستينا كوك تعود إلى الأرض لتشق طريق المرأة في الفضاء

رائدة الفضاء كريستينا كوك لحظة خروجها من سفينة الفضاء بعد هبوطها للأرض ( أ.ف.ب)
رائدة الفضاء كريستينا كوك لحظة خروجها من سفينة الفضاء بعد هبوطها للأرض ( أ.ف.ب)

كم رائد فضاء تستطيع أن تذكر اسمه من دون استشارة «غوغل» أو «ويكيبيديا»؟ بالطبع من السهل تذكُّر نيل أرمسترونغ، وباز ألدرين، فهما أول رجلين وطئت أقدامهما سطح القمر. يجب أن تتذكر أيضاً مايكل كولينز، لكنه لم يكن من ضمن أوائل رواد الفضاء، لذلك لن يتبادر اسمه إلى ذهنك بسهولة.
قد تكون كريستينا كوك التي عادت إلى الأرض، أمس (الخميس)، اسماً آخر يجب أن نتذكره جيداً، فقد قامت هي وجيسيكا مائير بقيادة أول رحلة فضائية للسيدات. وعلى الرغم من أن كوك قادت ست رحلات وحققت رقماً قياسياً لأطول فترة زمنية في البقاء بالفضاء، وساهمت بشكل كبير في تطور علوم الفضاء، فإن جولتها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) كفيلة بأن تدوِّن اسمها بأحرف من نور في كتب التاريخ.
وعلى المنوال نفسه، فإن سالي رايد هي الأخرى أول أميركية تصعد إلى الفضاء، وإن كان كثيرون يجهلون إنجازاتها في تطوير الذراع الآلية لمكوك الفضاء. في جميع هذه الحالات، كانت صفة الأول مسألة توقيت لا أكثر، فقد كان القرار فيه في يد آخرين يحددون اسم رائدة الفضاء التي ستنطلق في رحلة ما لتكون أول امرأة في مجال ما.
ورغم ذلك، لم يكن الأمر سباقاً بين رائدات الفضاء للوجود في رحلات جميع أفراد طاقهما من السيدات. فمع عودة كوك إلى الأرض، كان هناك سبق جديد بانتظار الإعلان عنه: فقد قضت أطول فترة زمنية لرائدة في الفضاء بزمن بلغ 328 يوماً، حيث إن الرقم القياسي الأميركي لأطول إقامة فردية لرجل مسجَّل باسم سكوت كيلي الذي مكث في الفضاء 342 يوماً.
وحامل الرقم القياسي للوقت التراكمي هو بيغي ويتسون، الذي مكث في الفضاء 665 يوماً موزعة على ثلاث رحلات. تطوعت كوك للقيام بهذه المهمة في إطار تجربة طويلة الأمد، لكن المهمة لم تكن تحت سيطرتها المباشرة. فبينما نزهو الآن بالأرقام التي حققتها كوك، فإن الإنجازات التي جاءت ثماراً لجهودها المباشرة لا تزال غير واضحة.
فقد أجرت كوك بحثاً في الجاذبية الصغرى على الخضراوات لاستكشاف دور الجاذبية والفضاء في نمو وصحة النبات، سواء النمو الخلوي أو نمو الأنسجة. ولعل الأهم من ذلك أنها درست أيضاً تأثير نمو النباتات على المجتمع البشري، والهدف من ذلك هو معرفة إمكانية زراعة الخضراوات والغذاء في الفضاء، لما لذلك من أهمية كبيرة للبعثات طويلة المدى التي يجري إرسالها إلى القمر أو المريخ.
خلال إجراء الأبحاث على غرفة الاحتراق المتقدم عبر غرفة «تجارب الجاذبية الصغرى»، استكشفت كوك كيفية حدوث الحريق في الفضاء، حيث يمكن أن يساعد عملها مركبة الفضاء في استخدام الوقود بكفاءة أكبر، والمساعدة في منع الحرائق، وهو ما يمكن الاستفادة منه على الأرض أيضاً، عن طريق معرفة طرق تقليل ملوثات الاحتراق.
عملت كوك مع مختبر «كولد أتوم»، حيث يجري تبريد سحابات الذرات بنحو واحد على عشرة مليارات من الدرجة فوق الصفر، لتصبح تقريباً بلا حراك، وذلك ليتمكن العلماء من دراسة السلوكيات والخصائص الكمية. وقد غطّت الدراسات مجالات عدة، منها صحة الكلى، ورصد الأرض، والكاميرا الزراعية لمحطة الفضاء الدولية، وتجربة الهياكل الشعرية، وتجربة بلورات الجاذبية الصغرى، وغيرها.
أول ما ميز هذه الرحلة عن غيرها أن جميع أفراد طاقمها من النساء، حيث تعتبر مشاركة كوك ومائير فيها ثاني وثالث مشاركة نسائية على الإطلاق. وبالتأكيد سيكون هناك أخريات لكن لن يتم الإشارة إليهن، لأن المرحلة التي قطعناها حتى الآن والطريق الذي نسير فيه مستقبلاً لن يجعلا من مشاركة المرأة في رحلات الفضاء استثناء.
وبالمثل، فإن مهامها طويلة الأمد ستفتح أبواباً ضرورية للفهم والاستيعاب ستساعد حتماً في نجاح تسيير رحلات الفضاء إلى القمر والمريخ. في الوقت الحالي، فإن معظم البيانات عن تأثير الإشعاع على النساء تأتي من الناجين من هيروشيما، واستناداً إلى ذلك، يمكن القول إن الإشعاع يؤثر على النساء بشكل أكبر من تأثيره على الرجال. لا أحد يعرف السبب، لكن لوائح وكالة «ناسا» للفضاء تقيد زمن مكوث المرأة في الفضاء، لأن مجموعة العينات كانت أصغر من أن تكشف ما إذا كان الإشعاع الكوني يعمل بشكل مختلف على أجساد النساء. ولذلك فإن مهمة كوك الطويلة الأمد هي دليل على أن «ناسا» جادة في إتاحة الفرص للجميع.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

يوميات الشرق ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لـ«ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الكويكبات الجديدة رُصدت بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً

تمكن فريق من علماء الفلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة من رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ باميلا ميلروي نائبة مدير «ناسا» وبيل نيلسون مدير «ناسا» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن (أ.ف.ب)

«ناسا» تعلن تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر

أعلن مدير إدارة الطيران والفضاء (ناسا)، بيل نيلسون، تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» الذي يهدف إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر لأول مرة منذ 1972.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم رائدا الفضاء سونيتا ويليامز وباري ويلمور (أ.ب)

مرور 6 أشهر على رائدَي فضاء «ناسا» العالقين في الفضاء

مرّ ستة أشهر على رائدَي فضاء تابعين لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) عالقين في الفضاء، مع تبقي شهرين فقط قبل العودة إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق رحلة ولادة الكسوف الاصطناعي (أ.ب)

«عرض تكنولوجي» فضائي يمهِّد لولادة أول كسوف شمسي اصطناعي

انطلق زوج من الأقمار الاصطناعية الأوروبية إلى الفضاء، الخميس، في أول مهمّة لإنشاء كسوف شمسي اصطناعي من خلال تشكيل طيران فضائي مُتقن.

«الشرق الأوسط» (كيب كانافيرال فلوريدا )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».