مخاوف لبنانية من تدهور الوضع تحت ضغط الأزمة الاقتصادية

توقع مراجعة نقدية يجريها الحريري في ذكرى اغتيال والده

مخاوف لبنانية من  تدهور الوضع تحت ضغط الأزمة الاقتصادية
TT

مخاوف لبنانية من تدهور الوضع تحت ضغط الأزمة الاقتصادية

مخاوف لبنانية من  تدهور الوضع تحت ضغط الأزمة الاقتصادية

كشفت مصادر سياسية بارزة أن القيادات الأمنية تتخوف من أن يتدحرج الوضع في لبنان نحو الأسوأ، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنها بادرت إلى رفع تقارير في هذا الخصوص إلى من يعنيهم الأمر أكانوا على رأس الدولة أو في الحكومة، وسألت كيف سيتعاطى هؤلاء مع تقاريرها، وهل سيأخذون بها على محمل الجد، ويسعون إلى تدارك المخاطر التي يمكن أن تترتب عليها خصوصاً أنها تهدد «الأمن الاجتماعي» للسواد الأعظم من اللبنانيين في لقمة عيشهم؟
وحذّرت المصادر السياسية من لجوء بعض من يصنّفون أنفسهم على خانة المستشارين لكبار المسؤولين إلى التخفيف من وطأة ما يتربّص بالبلد من مخاطر، والتعامل معها على أنها تهدف إلى توجيه الانتقادات للحكومة الجديدة فيما هي تستعد لإنجاز بيانها الوزاري في جلسة مجلس الوزراء اليوم تمهيداً لمثولها أمام المجلس النيابي طلباً لنيل ثقته.
ولفتت إلى أن على الحكومة أن تبادر فور نيلها ثقة البرلمان إلى إعلان التعبئة القصوى لمواجهة احتمال انزلاق البلد إلى متاهات لا يمكن السيطرة عليها، وقالت إن القوى المعارضة والتي تنتمي إلى «14 آذار سابقاً» لن تسارع إلى إطلاق النار عليها بعدما قرّرت منحها فترة سماح بانتظار تقييم أفعالها، وإن كانت لن تمنحها الثقة. وعزت المصادر نفسها سبب تريُّث قوى المعارضة في إصدار أحكامها إلى أنها تدرك حجم المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والمالية التي تحاصر الحكومة، وبالتالي لن تعطيها الذرائع التي يمكن لها أن تستخدمها في وجه المعارضة وتحميلها مسؤولية الإخفاق في لجم تدهور الوضع.
وبكلام آخر فإن المعارضة - بحسب هذه المصادر - وإن كانت تحولت إلى معارضات بعد أن انقسمت «قوى 14 آذار» على نفسها، اتخذت قرارها في إعطاء فرصة للحكومة رغم أن علاقتها متدهورة برئيس الجمهورية ميشال عون اعتقاداً منها أنها بموقفها هذا قادرة على إبطال الذرائع التي يمكن أن يتسلّح بها «العهد القوي» لتحميلها مسؤولية إخفاق الحكومة بحجة أنها أعاقت قدرتها على الإنتاج.
كما أن المعارضة وإن كانت تترقب طبيعة الخطة التي يضعها «الحراك الشعبي» في مواجهته للحكومة بدءاً بمثولها أمام البرلمان طلباً لنيل ثقته وصولاً إلى إثبات وجود «الحراك» من خلال تنظيم الاعتصامات والاحتجاجات كرد على رهان بعض أطراف السلطة على أن عامل الوقت سيؤدي إلى إخلائه للساحات، فإن المعارضة في المقابل باتت مضطرة لمراجعة حساباتها لتحدد أين أخطأت وأين أصابت طوال فترات مشاركتها في الحكومة.
وفي هذا السياق يترقب الوسط السياسي ما سيقوله زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في خطابه في 14 فبراير (شباط) لمناسبة مرور 15 عاماً على اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري. ويُفترض أن يكون خطابه الذي سيلقيه في هذه المناسبة بمثابة جردة حساب في مخاطبة جمهوره لن تخلو من قيامه بمراجعة نقدية شاملة يحدد فيها بصراحة أين أخطأ وأين أصاب، بدءاً بالظروف السياسية التي كانت وراء تهاوي التسوية التي كان توصَّل إليها مع العماد عون وأسهمت في انتخابه رئيساً للجمهورية من جهة إلى تسلّمه رئاسة الحكومة من جهة ثانية.
وبطبيعة الحال فإن رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل سيكون الحاضر الأول في المراجعة النقدية للحريري باعتبار أنه من نظّم الانقلاب على التسوية وتولى تعطيل العمل الحكومي وألحق الضرر بعلاقات لبنان العربية والخارجية، كما حال دون تحقيق الإصلاحات الإدارية والمالية التي تتيح الإفادة من مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدة البلد للنهوض من أزماته المالية والاقتصادية.
لكن يبقى السؤال: أين رئيس الجمهورية من انقلاب باسيل على هذه التسوية، فهل يجيب عليه الحريري في مصارحته جمهوره؟
وينسحب السؤال أيضاً على علاقة الحريري برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع التي تكاد أن تكون مقطوعة على المستوى الشخصي ويسودها جو من التوتر السياسي الذي يعلو حيناً ويخفت في غالب الأحيان مع أن الدعوة وجّهت إلى جعجع لحضور المهرجان.
فهل ستنجح المحاولات غير المرئية لرأب الصدع بينهما الذي بلغ ذروته بعدم تسمية جعجع للحريري لرئاسة الحكومة قبل أن يأخذ قراره بعدم الترشُّح، خصوصا أنهما محكومان بالشراكة لأن «المستقبل» في حاجة إلى شريك مسيحي، والأمر نفسه بالنسبة إلى «القوات» الذي هو في حاجة إلى شريك مسلم، ما دام أن «شهر العسل» انقطع بين «المستقبل» و«التيار الوطني» وهناك استحالة لإعادة الاعتبار له؟
كما لن يغفل الحريري التطرُّق إلى علاقته بـ«الثنائي الشيعي» حركة «أمل» و«حزب الله» التي تمر حالياً في حالة من المساكنة الإيجابية على قاعدة تنظيم الخلاف مع الحزب من خلال الدخول معه في عملية «ربط نزاع» وإن كانت تراوحت في السابق بين هبّة باردة وأخرى ساخنة.
وبالنسبة إلى علاقة الحريري برئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، فإنها استقرت أخيراً لمصلحة تدعيم تحالفهما وتطويره كما برز من خلال لقاءات التنسيق بين ممثلين عن «التقدّمي» و«المستقبل» انطلاقاً من تأكيدهما على العمل سوياً في أماكن وجودهما.
لذلك، فإن جنبلاط بات الأقدر وحتى إشعار آخر على التواصل مع «المستقبل» من موقع التحالف وأيضاً مع حزبي «القوات» و«الكتائب» في ظل البرودة المسيطرة على علاقة الحريري بجعجع، رغم أن ما يجمع هؤلاء في جبهة سياسية بالمراسلة أمران: الأول مهادنة الحكومة لفترة من الوقت كأساس لاختبار قدرة رئيسها حسان دياب على وقف التدهور الاقتصادي باعتبار أن بيانها الوزاري ما هو إلا للاستهلاك المحلي، وإصدار الحكم النهائي عليها يكمن في قدرتها على مخاطبة المجتمع الدولي وطلبها الحصول على مساعدات لمنع تدحرج الوضع نحو الأسوأ.
وعليه، فإن المعارضة وإن كانت ليست موحدة فهي تتريّث في مواجهة الحكومة من دون أن ينسحب موقفها على رئيس الجمهورية في ظل انقطاع تواصلها معه.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.