معرض «الدالية بين سماء وبحر وبر» مساحة تنتصر على الظلم

أحد الأطفال يتعلّم العوم على يد والده في منطقة «الدالية»
أحد الأطفال يتعلّم العوم على يد والده في منطقة «الدالية»
TT

معرض «الدالية بين سماء وبحر وبر» مساحة تنتصر على الظلم

أحد الأطفال يتعلّم العوم على يد والده في منطقة «الدالية»
أحد الأطفال يتعلّم العوم على يد والده في منطقة «الدالية»

كل ما يحيط بشاطئ الدالية في بيروت من صخور وبحر ورمال وزهور وقعدات شعبية وغيرها، تنقلها الفنانة هدى قساطلي عبر كاميرتها الفوتوغرافية في معرض «الدالية بين سماء وبحر وبر».
ويأتي هذا الحدث من ضمن «سنة هدى قساطلي» التي أطلقتها غاليري أليس مغبغب في الأشرفية. وسيتبع هذا المعرض الذي يستمر حتى 21 مارس (آذار) المقبل عدة نشاطات تصب في تسليط الضوء على الفنانة قساطلي. ومن بينها معرض صور عن مخيمات اللاجئين في لبنان وآخر يتناول مدينة طرابلس في شمال لبنان.
ومع معرض «الدالية بين سماء وبحر وبر» تنضم هذه المساحة الفنية المعروفة (غاليري مغبغب) الواقعة في قلب بيروت، وبنشاطاتها ومعارضها إلى جميع اللبنانيين الذين يناضلون لحاضرهم ومستقبلهم. فحراكهم المدني ضد استخدام منطقة «الدالية» من أجل مصالح واستثمارات شخصية حال دون ذلك. وهو ما ساهم في إبقائها بقعة ضوء ومتنفسا لأهالي بيروت، الذين يقصدونها لممارسة الرياضة وهواية صيد السمك والسباحة والجلوس على صخورها مجانا.
تقول أليس مغبغب صاحبة الغاليري ومطلقة «سنة هدى قساطلي» في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «منذ عام 2015 توقفت الأعمال المعمارية السياحية التي كانت جهات في السلطة اللبنانية تنوي القيام بها على هذه المساحة الشعبية». وتتابع: «ونحن اليوم ومع هذا المعرض لهدى قساطلي سيتعرف اللبنانيون على (دالية بيروت) أو (دالية الروشة) كما يحب كثيرون تسميتها. فهي لعقود طويلة خَلَت شكّلت مساحة مشتركة ومتاحة لجمهور واسع ومتنوّع من سكّان المدينة. وقد احتضنت نمطاً اقتصادياً حيوياً غير رسمي تضمّن صيد الأسماك، ومطاعم السمك الشعبية، وجولات بحرية في القوارب، والبيع بالتجوال، والتصوير الفوتوغرافي المشهدي. ولطالما وجدت الأسر والرفاق فيها وجهة طبيعية لنزهات نهاية الأسبوع، وعثر فيها العشاق على جو هادئ ومثالي، ومرتادو البحر على بقعة استراتيجية للسباحة والصيد، والجماعات المختلفة على مكان ملائم لإحياء الاحتفالات».
وتطالعك عدسة هدى قساطلي بنحو 120صورة فوتوغرافية تتوزع على جدران المعرض كمجموعات. وعنونتها بأسماء تتلاءم مع المناظر التي تحتويها. ويستهل زائر المعرض جولته بينها مع صور «الطحالب» التي تفترش لها مساحة لا يستهان بها بين صخور شاطئ «الدالية». فصحيح أنها تعيش على بيئة ملوّثة إلا أن هدى قساطلي عرفت كيف تحولها مع كاميرتها إلى لوحات طبيعية قوامها منحوتات صخرية طبيعية مغمورة بمياه البحر حينا وببقع الطحالب حينا آخر.
وبعدها نصل إلى مجموعة صور أخرى تضع طبيعة الصخور والسماء والبحر المحيطة بـ«دالية الروشة» تحت المجهر. فتنقل إلينا تفاصيل صغيرة وأخرى لمساحات واسعة تتكون منها أقسام هذه المنطقة. وبين زرقة بحرها وسمائها تلتقط «دالية بيروت» أنفاسها فيشعر ناظرها ومن خلال كاميرا محترفة أنه يمارس نوعا من الرياضة التأملية الروحية التي تنعكس راحة وهدوءا على صاحبها. وبين صور صخرة الروشة الشهيرة في بيروت وأخرى تبرز الخليط ما بين مساحة طبيعية وهندسة معمارية حديثة تنعكس أبراجها على مياه «الدالية»، تستوقف زائر المعرض مجموعة صور أخرى تتناول الحياة الاجتماعية على هذا الشاطئ البيروتي العريق.
ومع هذه المجموعة ننطلق برحلة تبدأ مع صيادي السمك فيها. فلقد التقطت الفنانة قساطلي لهم صورا تعبّر عن مدى تعلقهم بهذا المتنفس منذ صغرهم. وتصورهم شامخين حينا ومتعاونين حينا آخر ومتفائلين بمستقبل زاهر قد تقفز زرقتهم فيه من مياه «الدالية» وتعلق بصنارتهم بين لحظة وأخرى.
ولعلّ مجموعة الصور الفوتوغرافية التي خصصتها هدى قساطلي لنقل نكهة الحياة الشعبية التي تتميز بها هذه المنطقة، هي خير دليل على مدى استقطابها لجمهور بيروتي متنوع. فهنا نرى صورة بائع ورد أحمر وهناك مجموعة صبية تهم بالاستحمام بمياه البحر. فيما تبرز في بعضها الآخر أجواء التسلية والمرح من خلال جلسة يدخن فيها أحدهم النرجيلة أو يرتشف فنجان قهوة عند مغيب الشمس. وتصور قساطلي أيضا أمهات تعلّم أطفالهن كيفية العوم ورجل يطعم الأسماك. وفي صور أخرى تطل علينا مقاهي «دالية الروشة» البسيطة بكراسيها الخيزران ومظلاتها الكبيرة الحمراء والبرتقالية.
وتغادر معرض «الدالية بين سماء وبحر وبر» على مشهدية منظر طبيعي بامتياز يبرز حقول الزهور والنباتات البحرية وأسماك البحر الملونة التي تعبق بها هذه المنطقة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».