هل ثمة فارق حين يتشابه المضمون ويختلف الشكل؟ هذا السؤال يراود الذهن وأنت ترى هذا العدد المتزايد من الملتقيات الثقافية الخاصة في الكويت، التي تعمل بعيدا عن المؤسسات الثقافية الرسمية بجهود فردية يبذلها أشخاص من مختلف الأجيال وحتى الجنسيات، وإن كانت الغالبية فيها لجيل الشباب الذين التقت أفكارهم وطموحاتهم على تأسيس تجمع يضم عددا لا يتجاوز 20 شخصا لكل ملتقى، من الهواة والمحترفين ذكورا وإناثا.
في يوم محدد إما أسبوعيا وإما نصف شهري يلتقي أعضاء هذه الملتقيات في الفترة المسائية لإقامة أنشطتهم المتفق عليها، وغالبا ما تكون هذه الأنشطة إما أمسيات شعرية وإما قصصية وإما مناقشة كتاب أدبي. وهو قريب جدا مما تقوم به المؤسسات الرسمية في الكويت،
بقية الملتقيات الخاصة التي نتحدث عنها، منها: ملتقى الثلاثاء، وهو الأقدم والأشهر، والذي يتحدث لنا أحد أبرز أعضائه المؤسسين الشاعر نادي حافظ بأن الذين أسسوا الملتقى إضافة إليه هو: الشاعر دخيل الخليفة والكاتبان كريم الهزاع ومحمد عبد الله السعيد، وذلك عام 1996.
لكن حسب اعتقاد حافظ، تم طرد الملتقى من هذا المقر بضغط من المؤسسات الثقافية الرسمية الأخرى، معتبرا أن الملتقى تفوق بأنشطته عليها. وواجه الملتقى إشكالية أخرى، فبعد أشهر من انطلاقته أعلن الفنان سامي محمد سحب اسمه من الملتقى، مما دفع المؤسسين إلى تغيير اسمه إلى ملتقى الثلاثاء، ليعاود أنشطته كل ثلاثاء من مسرح الخليج العربي. وفي مرحلة مسرح الخليج، ارتفعت وتيرة وأداء الملتقى حسبما يوضح حافظ، ولكن ما لبثت الأمور أن تأزمت مرة أخرى بانشقاق أعضاء آخرين منه وتأسيسهم بمفردهم ملتقى خاصا في رابطة الأدباء كان نواة لملتقى «المبدعين الجدد» الذي تبنته الرابطة لاحقا.
* عرب وأجانب
* ومن الملتقيات الأخرى، «نادي ديوان للقراءة» الذي أسسه الكاتب يوسف خليفة، بالتعاون مع مقهى من سلسلة مقاهٍ عالمية في الكويت عام 2009 لقراء عرب وأجانب، حيث كانت المناقشات تتم للكتب العربية ومجموعة أخرى تجتمع لتناقش الإنجليزية منها بواقع اجتماع مرة شهريا لكل منهما. يقول مؤسس الملتقى: تجربة نادي ديوان للقراءة أتت كمحاولة للإجابة على السؤال الأزلي: لماذا لا يقرأ الناس؟ فكانت الفكرة أن تذهب القراءة إلى الناس بدل انتظار حضورهم للأماكن الثقافية، هذا إذا افترضنا أن الجمهور الغفير في الفعاليات الثقافية دلالة على مجتمع قارئ ومثقف، حسبما يقول خليفة. وبالتعاون مع سلسلة مقاهٍ عالمية لها فروع في الكويت تم إنشاء النادي في عام 2009 لقراء عرب وأجانب، حيث كانت المناقشات تتم للكتب العربية ومجموعة أخرى تجتمع لتناقش الإنجليزية منها بواقع اجتماع مرة شهريا لكل منهما، وأيضا امتد النادي للأنشطة الاجتماعية والتعريف بالشخصيات الكويتية ذات الإنجازات الهامة محليا وعالميا عن طريق استضافتهم في لقاء مفتوح مع الجمهور من أعضاء النادي أو من حضر تلك اللقاءات، واشتمل النادي على جنسيات كويتية وغير كويتية وتنوعت الأعمار من 18 إلى 60 عاما، والقانون الوحيد الموجود بينهم هو احترام الآخر.
* صالون التعددية الثقافية
* وهناك أيضا نادي اليرموك الثقافي الذي أسسته الشيخة فضيلة الدعيج الصباح في ديوان منزلها، بدأ صالون اليرموك الثقافي نشاطه وفعالياته في موسمه الأول عام 2008، في منزل الشيخة فضيلة الدعيج الصباح، حيث كان قبل ذلك فكرة راودت الشيخة فضيلة الصباح التي تقول: «كان هدفي الأساسي جمع المثقفين والمفكرين من الأصدقاء والزملاء تحت سقف واحد، في لقاءات فكرية متنوعة ومختلفة، وتبادل المعلومات والمعارف والاستفادة الجماعية من تعدد هذه الثقافات وتفعيل الحراك الثقافي من فكر وأدب ومعرفة وعلم للرقي بالذوق العام في المجتمع، وتنمية الوعي الثقافي للفرد المتلقي لأمور حياتية كثيرة تهمه. والتواصل مع جميع مثقفي أطياف المجتمع ومفكريه حتى تعم الفائدة المرجوة من وجود هذا الملتقى لأنه استثمار يصب في صالح المجتمع».
وتقول إحدى المساهمات في تأسيس هذا الملتقى الكاتبة منى الشافعي: «استمر الصالون بتقديم أنشطته مساء كل يوم أحد من كل أسبوع منذ افتتاحه وحتى اليوم، بانتظام وحيوية وفاعلية ونجاح، واستضاف على مدى مواسمه الفائتة الكثير من المثقفين والمفكرين العرب من داخل الكويت وخارجها، وناقش الكثير من الموضوعات والأمور التي تهم شرائح كثيرة من المجتمع ولا يزال. يضم الصالون نخبة من المثقفين والمفكرين من جنسيات مختلفة وتخصصات متنوعة، وهذا ما اختصر المسافة بين تعدد الثقافات العربية».
* كتب عربية وإنجليزية
* ومن الملتقيات التي أدت دروا بارزا بجهود فردية، ملتقى أوركيد الثقافي الذي أسسته الدكتورة إقبال العلي، وهي هاوية للثقافة، ويعتمد الملتقى على منهج يقول: «أول ما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم هو: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)». وتقول الكاتبة منى الشافعي التي أسهمت أيضا في هذا الملتقى: «بما أن العزوف عن القراءة وخصوصا عند الشباب أصبح ظاهرة نصطدم بها يوميا وهذه لها البدائل التكنولوجية، وليست فقط عندنا كعالم عربي أو خليجي، فهناك دول مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا أخذت تعاني من عزوف بعض مواطنيها عن القراءة، والتوجه إلى البدائل التكنولوجية الحديثة. وبالتالي أصبحت عندنا ظاهرة، وعند البعض أزمة، وعند الآخر حالة».
وتتحدث منى الشافعي عن الدوافع الأساسية لتأسيس هذا الملتقى فتقول: «نحن كمجموعة مثقفة محبة للقراءة بكل صورها وتفاصيلها، والاطلاع والانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى، أحسسنا أن من واجبنا القيام بعمل ثقافي مفيد للمجتمع. وهكذا وبرغبة صادقة وحماس جميل من هذه المجموعة سارعت الدكتورة إقبال العلي بوضع اللبنة الأساسية لهذا الملتقى الثقافي، وأطلقت عليه (ملتقى أوركيد الثقافي)، وبدأت المجموعة باختيار الكتب المتنوعة ومناقشتها على مدى أكثر من عام».
وكانت للملتقى، حسب الكاتبة منى الشافعي، أكثر من تجربة ناجحة بالاشتراك مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وذلك بإقامة ندوة حول أحد الكتب واستضافة الكاتب للمناقشة من الأعضاء والمدعوين والمهتمين، وأقيمت هذه الندوات في المكتبة الوطنية. الملتقى أيضا استضاف أكثر من كاتب وأديب حسب إمكاناته، حيث تعقد جميع ندواته الشهرية والأسبوعية في المقاهي المختلفة في الكويت، ذلك لأنه يعاني من عدم وجود مقر دائم للملتقى، وهذه أبرز التحديات. للملتقى عدة أنشطة، فهو في كل شهر يختار أحد الكتب باللغة العربية، لمناقشته، وأيضا في الشهر الذي يليه يتم اختيار كتاب باللغة الإنجليزية، وهناك نشاط شهري للقراءة الحرة، على كل عضو قراءة كتاب يعجبه ثم تلخيصه وعرضه على المجموعة في الاجتماع.
وعن الدور المتبادل في تأثير هذه الملتقيات بينها وبين المثقفين من الجنسيات المقيمة في الكويت، تقول رنا محمود، وهي لبنانية الجنسية وإحدى مؤسسات ملتقى أوركيد: «خلال تجربتي أجد أن الملتقيات الكويتية عالجت الفراغ الذي قد يعانيه المقيم وطورت إحساسه الثقافي وفتحت له أبوابا للتعرف على ثقافات متعددة عربية كانت أم أجنبية. فهذه الملتقيات والمنتديات أثرت فينا وأصبحنا أكثر قربا إلى المثقفين الكويتيين». وتتابع رنا بشجن: «في الوطن تسلب السياسة حب الثقافة.. في الكويت نجتمع من أجل كلمة نابضة وحروف وكتاب غلافه محبة.. هذا من المقومات الإنسانية التي اكتسبتها منذ أكثر من خمسة أعوام واكتسبت معها أصدقاء جمعتنا القراءة».
في ملتقى آخر يحمل اسم «روائع الأدب»، نجد للمرأة أيضا هذا الدور البارز في التأسيس، وذلك من خلال الكاتبة نجود الحساوي، فقد بدأ الملتقى بشخصين ثم تطور وضم أعضاء آخرين، وكان شرطهم الأولي أن لا يتجاوز سن المنتسب 18 عاما لكنهم اكتشفوا مواهب أقل من هذا العمر فقبلوه، وخرج من بينهم كتاب حصلوا على جوائز لاحقا، وهم يلتقون في المكتبات العامة عن هدف مسبق هو إحياء دور هذه المكتبات من جديد في حياة الناس.