ملتقيات ثقافية خاصة في الكويت.. مقراتها المقاهي والصالونات

روادها تتراوح أعمارهم بين 18 و60 سنة.. ودور بارز للمرأة في التأسيس

من جلسات الملتقيات الثقافية الخاصة
من جلسات الملتقيات الثقافية الخاصة
TT

ملتقيات ثقافية خاصة في الكويت.. مقراتها المقاهي والصالونات

من جلسات الملتقيات الثقافية الخاصة
من جلسات الملتقيات الثقافية الخاصة

هل ثمة فارق حين يتشابه المضمون ويختلف الشكل؟ هذا السؤال يراود الذهن وأنت ترى هذا العدد المتزايد من الملتقيات الثقافية الخاصة في الكويت، التي تعمل بعيدا عن المؤسسات الثقافية الرسمية بجهود فردية يبذلها أشخاص من مختلف الأجيال وحتى الجنسيات، وإن كانت الغالبية فيها لجيل الشباب الذين التقت أفكارهم وطموحاتهم على تأسيس تجمع يضم عددا لا يتجاوز 20 شخصا لكل ملتقى، من الهواة والمحترفين ذكورا وإناثا.
في يوم محدد إما أسبوعيا وإما نصف شهري يلتقي أعضاء هذه الملتقيات في الفترة المسائية لإقامة أنشطتهم المتفق عليها، وغالبا ما تكون هذه الأنشطة إما أمسيات شعرية وإما قصصية وإما مناقشة كتاب أدبي. وهو قريب جدا مما تقوم به المؤسسات الرسمية في الكويت،
بقية الملتقيات الخاصة التي نتحدث عنها، منها: ملتقى الثلاثاء، وهو الأقدم والأشهر، والذي يتحدث لنا أحد أبرز أعضائه المؤسسين الشاعر نادي حافظ بأن الذين أسسوا الملتقى إضافة إليه هو: الشاعر دخيل الخليفة والكاتبان كريم الهزاع ومحمد عبد الله السعيد، وذلك عام 1996.
لكن حسب اعتقاد حافظ، تم طرد الملتقى من هذا المقر بضغط من المؤسسات الثقافية الرسمية الأخرى، معتبرا أن الملتقى تفوق بأنشطته عليها. وواجه الملتقى إشكالية أخرى، فبعد أشهر من انطلاقته أعلن الفنان سامي محمد سحب اسمه من الملتقى، مما دفع المؤسسين إلى تغيير اسمه إلى ملتقى الثلاثاء، ليعاود أنشطته كل ثلاثاء من مسرح الخليج العربي. وفي مرحلة مسرح الخليج، ارتفعت وتيرة وأداء الملتقى حسبما يوضح حافظ، ولكن ما لبثت الأمور أن تأزمت مرة أخرى بانشقاق أعضاء آخرين منه وتأسيسهم بمفردهم ملتقى خاصا في رابطة الأدباء كان نواة لملتقى «المبدعين الجدد» الذي تبنته الرابطة لاحقا.

* عرب وأجانب

* ومن الملتقيات الأخرى، «نادي ديوان للقراءة» الذي أسسه الكاتب يوسف خليفة، بالتعاون مع مقهى من سلسلة مقاهٍ عالمية في الكويت عام 2009 لقراء عرب وأجانب، حيث كانت المناقشات تتم للكتب العربية ومجموعة أخرى تجتمع لتناقش الإنجليزية منها بواقع اجتماع مرة شهريا لكل منهما. يقول مؤسس الملتقى: تجربة نادي ديوان للقراءة أتت كمحاولة للإجابة على السؤال الأزلي: لماذا لا يقرأ الناس؟ فكانت الفكرة أن تذهب القراءة إلى الناس بدل انتظار حضورهم للأماكن الثقافية، هذا إذا افترضنا أن الجمهور الغفير في الفعاليات الثقافية دلالة على مجتمع قارئ ومثقف، حسبما يقول خليفة. وبالتعاون مع سلسلة مقاهٍ عالمية لها فروع في الكويت تم إنشاء النادي في عام 2009 لقراء عرب وأجانب، حيث كانت المناقشات تتم للكتب العربية ومجموعة أخرى تجتمع لتناقش الإنجليزية منها بواقع اجتماع مرة شهريا لكل منهما، وأيضا امتد النادي للأنشطة الاجتماعية والتعريف بالشخصيات الكويتية ذات الإنجازات الهامة محليا وعالميا عن طريق استضافتهم في لقاء مفتوح مع الجمهور من أعضاء النادي أو من حضر تلك اللقاءات، واشتمل النادي على جنسيات كويتية وغير كويتية وتنوعت الأعمار من 18 إلى 60 عاما، والقانون الوحيد الموجود بينهم هو احترام الآخر.

* صالون التعددية الثقافية

* وهناك أيضا نادي اليرموك الثقافي الذي أسسته الشيخة فضيلة الدعيج الصباح في ديوان منزلها، بدأ صالون اليرموك الثقافي نشاطه وفعالياته في موسمه الأول عام 2008، في منزل الشيخة فضيلة الدعيج الصباح، حيث كان قبل ذلك فكرة راودت الشيخة فضيلة الصباح التي تقول: «كان هدفي الأساسي جمع المثقفين والمفكرين من الأصدقاء والزملاء تحت سقف واحد، في لقاءات فكرية متنوعة ومختلفة، وتبادل المعلومات والمعارف والاستفادة الجماعية من تعدد هذه الثقافات وتفعيل الحراك الثقافي من فكر وأدب ومعرفة وعلم للرقي بالذوق العام في المجتمع، وتنمية الوعي الثقافي للفرد المتلقي لأمور حياتية كثيرة تهمه. والتواصل مع جميع مثقفي أطياف المجتمع ومفكريه حتى تعم الفائدة المرجوة من وجود هذا الملتقى لأنه استثمار يصب في صالح المجتمع».
وتقول إحدى المساهمات في تأسيس هذا الملتقى الكاتبة منى الشافعي: «استمر الصالون بتقديم أنشطته مساء كل يوم أحد من كل أسبوع منذ افتتاحه وحتى اليوم، بانتظام وحيوية وفاعلية ونجاح، واستضاف على مدى مواسمه الفائتة الكثير من المثقفين والمفكرين العرب من داخل الكويت وخارجها، وناقش الكثير من الموضوعات والأمور التي تهم شرائح كثيرة من المجتمع ولا يزال. يضم الصالون نخبة من المثقفين والمفكرين من جنسيات مختلفة وتخصصات متنوعة، وهذا ما اختصر المسافة بين تعدد الثقافات العربية».

* كتب عربية وإنجليزية

* ومن الملتقيات التي أدت دروا بارزا بجهود فردية، ملتقى أوركيد الثقافي الذي أسسته الدكتورة إقبال العلي، وهي هاوية للثقافة، ويعتمد الملتقى على منهج يقول: «أول ما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم هو: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)». وتقول الكاتبة منى الشافعي التي أسهمت أيضا في هذا الملتقى: «بما أن العزوف عن القراءة وخصوصا عند الشباب أصبح ظاهرة نصطدم بها يوميا وهذه لها البدائل التكنولوجية، وليست فقط عندنا كعالم عربي أو خليجي، فهناك دول مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا أخذت تعاني من عزوف بعض مواطنيها عن القراءة، والتوجه إلى البدائل التكنولوجية الحديثة. وبالتالي أصبحت عندنا ظاهرة، وعند البعض أزمة، وعند الآخر حالة».
وتتحدث منى الشافعي عن الدوافع الأساسية لتأسيس هذا الملتقى فتقول: «نحن كمجموعة مثقفة محبة للقراءة بكل صورها وتفاصيلها، والاطلاع والانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى، أحسسنا أن من واجبنا القيام بعمل ثقافي مفيد للمجتمع. وهكذا وبرغبة صادقة وحماس جميل من هذه المجموعة سارعت الدكتورة إقبال العلي بوضع اللبنة الأساسية لهذا الملتقى الثقافي، وأطلقت عليه (ملتقى أوركيد الثقافي)، وبدأت المجموعة باختيار الكتب المتنوعة ومناقشتها على مدى أكثر من عام».
وكانت للملتقى، حسب الكاتبة منى الشافعي، أكثر من تجربة ناجحة بالاشتراك مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وذلك بإقامة ندوة حول أحد الكتب واستضافة الكاتب للمناقشة من الأعضاء والمدعوين والمهتمين، وأقيمت هذه الندوات في المكتبة الوطنية. الملتقى أيضا استضاف أكثر من كاتب وأديب حسب إمكاناته، حيث تعقد جميع ندواته الشهرية والأسبوعية في المقاهي المختلفة في الكويت، ذلك لأنه يعاني من عدم وجود مقر دائم للملتقى، وهذه أبرز التحديات. للملتقى عدة أنشطة، فهو في كل شهر يختار أحد الكتب باللغة العربية، لمناقشته، وأيضا في الشهر الذي يليه يتم اختيار كتاب باللغة الإنجليزية، وهناك نشاط شهري للقراءة الحرة، على كل عضو قراءة كتاب يعجبه ثم تلخيصه وعرضه على المجموعة في الاجتماع.
وعن الدور المتبادل في تأثير هذه الملتقيات بينها وبين المثقفين من الجنسيات المقيمة في الكويت، تقول رنا محمود، وهي لبنانية الجنسية وإحدى مؤسسات ملتقى أوركيد: «خلال تجربتي أجد أن الملتقيات الكويتية عالجت الفراغ الذي قد يعانيه المقيم وطورت إحساسه الثقافي وفتحت له أبوابا للتعرف على ثقافات متعددة عربية كانت أم أجنبية. فهذه الملتقيات والمنتديات أثرت فينا وأصبحنا أكثر قربا إلى المثقفين الكويتيين». وتتابع رنا بشجن: «في الوطن تسلب السياسة حب الثقافة.. في الكويت نجتمع من أجل كلمة نابضة وحروف وكتاب غلافه محبة.. هذا من المقومات الإنسانية التي اكتسبتها منذ أكثر من خمسة أعوام واكتسبت معها أصدقاء جمعتنا القراءة».
في ملتقى آخر يحمل اسم «روائع الأدب»، نجد للمرأة أيضا هذا الدور البارز في التأسيس، وذلك من خلال الكاتبة نجود الحساوي، فقد بدأ الملتقى بشخصين ثم تطور وضم أعضاء آخرين، وكان شرطهم الأولي أن لا يتجاوز سن المنتسب 18 عاما لكنهم اكتشفوا مواهب أقل من هذا العمر فقبلوه، وخرج من بينهم كتاب حصلوا على جوائز لاحقا، وهم يلتقون في المكتبات العامة عن هدف مسبق هو إحياء دور هذه المكتبات من جديد في حياة الناس.



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.