لشبونة... مدينة صالحتني مع السياحة والسفر

عاصمة التلال السبعة

لشبونة... مدينة صالحتني مع السياحة والسفر
TT

لشبونة... مدينة صالحتني مع السياحة والسفر

لشبونة... مدينة صالحتني مع السياحة والسفر

السياحة والسفر يجريان في عروقي، أعشق المطارات، ولا يزعجني حزم «الشنط» وترتيبها. يرتفع هورمون الأدرينالين في كل إقلاع وهبوط للطائرة في أي مدينة، ولكن للأسف في الآونة الأخيرة خف هذا الشعور، بسبب الإكثار من توأمة المدن، والعولمة المفرطة التي أدت إلى نسخ المدن وشوارعها، لتفقد هذه الأخيرة رونقها وما يجعلها فريدة في نوعها وشكلها. فاختفت في أغلبية المدن «البوتيكات» والمقاهي المستقلة الصغيرة، وتم استبدال العلامات التجارية العالمية المعروفة بها، وهذا ما جعلني أتخاصم مع السفر والسياحة لفترة من الزمن، إلى أن قررت السفر إلى البرتغال، وتحديداً إلى العاصمة لشبونة.
هناك مثل لبناني شعبي يقول: «الكنيسة القريبة لا تشفي»، بمعنى أن الناس يذهبون إلى أبعد كنيسة لتأدية النذر، بهدف أن يستجيب الله لصلواتهم، وفي بعض الأحيان أشعر أن هذا الشيء ينطبق على السياحة، فترى الناس يقطعون ساعات وساعات من السفر إلى بلدان في أقاصي العالم، ويتركون الأماكن القريبة لوقت لاحق، وهذا ما حصل معي في مسألة زيارة البرتغال، التي زرتها للمرة الأولى في حياتي في ديسمبر (كانون الأول)، واستقبلت فيها العام الجديد.
سمعت عن لشبونة والبرتغال، ولكن لم أكن أعرف أني سأجد هذا النوع من التفرد فيها. فهي مدينة توقف فيها الزمن الجميل، لا تأبه لموجة العصرية التي تكتسح بقية أنحاء أوروبا، لها رونقها الخاص، طرقاتها عتيقة مرصوفة بالحجارة، شعبها هادئ مثل المحيط الأطلسي الذي تطل عليه، وسائل النقل فيها متعة، طعامها لذيذ، وأسعارها لم تركب موجة الغلاء الفاحش في القارة العجوز.
هذه هي لشبونة باختصار، ولكن يطول الكلام عنها؛ لأنها تستحق ذلك، فهي عاصمة البرتغال مند عام 1256، وتعتبر أكبر مدنها، وتقع على سبعة تلال، ولذا تجد جغرافيتها مميزة بالتلال والطلعات والنزلات، ولهذا السبب أشدد على انتعال حذاء مريح، وترك الكعب العالي في البيت.
تجذب لشبونة أكثر من 3 ملايين سائح في العام الواحد. غالبية الزوار من إيطاليا وألمانيا وبريطانيا، بالإضافة إلى جنسيات عديدة أخرى. أكثر ما تتميز به لشبونة: المتاحف، والساحات الجميلة، والأبنية التاريخية، والشوارع الضيقة التي يشقها «الترامواي» العتيق الملون، ومناخها المتوسط على مدار أيام السنة.

لندن نقطة الانطلاق
بدأت الرحلة من لندن، واستغرقت ساعتين وعشرين دقيقة. مطار لشبونة لا يبعد إلا دقائق معدودة من وسطها. وهذه الميزة قلما تجدها في أي مدينة سياحية أخرى. سيارات الأجرة متوفرة بأسعار زهيدة جداً، كما أن القطارات منظمة جداً، ويمكن أن تستقلها من المطار مباشرة، وتطبيق «أوبر» متوفر، ولكنه ليس أرخص من «التاكسي».
النظرة الأولى للمدينة تبدأ من محيط المطار، ولكن في لشبونة يبدأ السحر من وسطها، وبمجرد أن تصل إليه يبدأ الشعور بالألفة السريعة مع هذه المدينة.

الإقامة في لشبونة
تنتشر في لشبونة عدة فنادق من جميع الميزانيات. وما يجدر ذكره هنا هو أن الأسعار مناسبة جداً، كما أن لشبونة وجهة رخيصة بالمقارنة مع بقية المدن الأوروبية. وأفضل طريقة للحصول على حجز جيد التوجه إلى الإنترنت، فهناك عدة مواقع متخصصة في السياحة، تجد فيها كثيراً من العروض الرائعة التي تمزج ما بين تذاكر السفر والإقامة، مثل «Voyage Prive»، أو «Booking.com».
وقع خياري على فندق «كورينثيا» من فئة «خمس نجوم»، يقع على بعد 5 دقائق بواسطة السيارة، فعند قيامك بالحجز لا تجعل الموقع القريب من وسط المدينة يؤثر على خيارك، والسبب هو أن المدينة صغيرة، وكل المعالم المهمة فيها قريبة بعضها من بعض من حيث المسافة، وكما ذكرت آنفاً، «التاكسي» رخيص، ولا يتعدى المشوار إلى أي وجهة الـ7 يوروات.

التنقل
تتميز وسائل النقل العامة في لشبونة بالكفاءة، ما يجعل التنقل من مكانٍ إلى آخر أكثر سهولة، ويعتبر «المترو» الوسيلة الأكثر استخداماً، إضافة إلى الترام الكهربائي، وحافلات النقل العامة، وسيارات الأجرة. أفضل وأرخص طريقة أن تشتري بطاقة تخولك استخدام «الترامواي» الكهربائي، و«المترو» بالوقت نفسه، وهناك بعض الترامات التي تطلب بطاقة خاصة، ولكن السعر لا يتعدى الـ6 يوروات ذهاباً وإياباً.

أجمل الزيارات وأهمها
إذا كان لديك الوقت، فأنصحك بزيارة المدن القريبة من لشبونة، فهي تستحق السفر إليها، فلكل منها طابعها الخاص، وفي حال كانت الرحلة قصيرة، فسأرشدك على أجمل الزيارات في قلب المدينة، وأنصحك بزيارة مدينة سينترا، التي تبعد 30 دقيقة عنها بواسطة القطار، فهي تستحق الزيارة وتختلف عن لشبونة.

ترام 28
الترام الكهربائي تقلص عدده في لشبونة، ولكنه لا يزال موجوداً بشكل كبير، ويستخدمه أهالي المدينة للتنقل، فهو ليس سياحياً وحسب. إلا أن الترام الأكثر شهرة والذي لا يمكن أن تبدأ أو تكتمل زيارة لشبونة من دون استخدامه، فهو ترام 28، والسبب هو أن هذا الطريق ينطلق من «مارتيم مونيز» في وسط البلد، وينتهي في القسم الآخر من المدينة في «كامبو أوريكي»؛ حيث يمكنك أن تحتسي كوباً من القهوة مع قطعة من الحلوى في أحد المقاهي القريبة.
يميز هذا الترام لونه الأصفر ومقاعده الخشبية. إذا أردت أن تستقله من نقطة البداية عند ساحة «روسيو» فأنصحك بالمشي إلى المحطة الثانية، فهي لا تبعد أكثر من دقيقتين بواسطة المشي، بدلاً من الانتظار في طابور طويل في المحطة الأولى. المشكلة الوحيدة هي أنك تتفادى الطابور ولكنك قد لا تجد مقعداً. وبما أن الترام يخول الركاب الترجل والركوب في أي وقت، ومن أي محطة، فسرعان ما تجد مقعداً شاغراً في المحطة التالية.
المناظر التي تراها خلال الرحلة جميلة جداً، لا أزال أسمع صوت الترام يرتج في أذني. تقطع المسافة في الشوارع الضيقة، وتشاهد البيوت وسكانها. هناك شعور غريب انتابني هناك، وهو الحنين إلى منطقة فالباراييزو في تشيلي، وهضبات مدينة سان فرنسيسكو، ولكن سحر لشبونة غريب وفريد.
أنصحك بالعودة بالترام عند وقت الغروب، فهناك محطة على رأس هضبة تطل على كل معالم المدينة، ينتشر فيها باعة القهوة والليموناضة، الذين يستفيدون من وداع الشمس كل يوم.

«التوك توك»
«التوك توك» له مركز مهم في التنقل والسياحة في لشبونة. واللافت هو أن غالبية السائقين من النساء، ومن السهل معرفة ما إذا كان «التوك توك» لسيدة، من خلال الزينة والزهور التي تكسو «التوك توك» الذي يتسع لأربعة أشخاص.
هذه الطريقة في التنقل جميلة جداً، ولكن الأسعار تختلف من سائق لآخر، فليست هناك تسعيرة محددة، فاستخدم أسلوبك الخاص في الحصول على سعر جيد. واتفق مع السائق على انتظارك في المحطات التي تود التقاط الصور فيها.

قلعة ساو خورخي
تقع على تلة في وسط لشبونة التاريخي، وتعتبر واحدة من المواقع السياحية الرئيسية في لشبونة. والقلعة تطل على المدينة بأكملها، ويمكن للزوار استخدام مناظير مخصصة للتمتع بمشاهدة المدينة، وكذلك نهر التاجة (tagus). وقد تم بناء القلعة في القرون الوسطى. وللقلعة شكل مستطيل، ولها 10 أبراج، ولها أسوار تمتد أجزاء منها فيما بين المناطق السكنية.

أجمل الساحات
أشهر الساحات: روسيو، وبراسا كوميرسيو؛ حيث تقام احتفالات ليلة رأس السنة. ولأول مرة في حياتي أقوم بتوديع العام مع آلاف الزوار من شتى أنحاء الكرة الأرضية. ولكن التجربة كانت رائعة على الرغم من التزاحم والتدافع بشكل خطير.
ومن تلك الساحات وباتجاه تاغوس، تصل إلى ألاكانتارا التي كانت في الماضي مرسى، واليوم أصبحت عنواناً مميزاً للباحثين عن المقاهي وأماكن السهر.
وعن طريق المشي أيضاً تصل إلى «ألفاما»، الجزء التاريخي من المدينة، و«فادو» المميزة بالطرقات الضيقة والساحات الصغيرة.
المعالم الثقافية عديدة في لشبونة، ويختصرها «غولبنكيان» والمتاحف الأخرى، مثل المتحف البحري في منطقة بيليم، وقد تم افتتاحه في عام 1963، ويعد من المتاحف الأكثر زيارة في البرتغال، وأحد أهم المعالم السياحية في لشبونة. ويعرض المتحف كل جوانب تاريخ الملاحة في البرتغال، ويدار من قبل البحرية البرتغالية.
ويضم المتحف مجموعة متنوعة من المقتنيات، مثل اللوحات التاريخية، والقطع الأثرية الخاصة بالبحرية، وكثير من نماذج السفن البرتغالية، من سفن شراعية تعود للقرن التاسع عشر، والسفن الحربية، وقوارب الصيد، وكثير من المراكب الملكية المرصعة باللؤلؤ.
وتعتبر محطة مترو «بيرو» من المعالم الجميلة؛ لأنها تضم أطول سلم كهربائي في المدينة.
من المناطق الجميلة في لشبونة بيليم (Belem)، فهي مشهورة بوجود كثير من المعالم الثقافية فيها، بالإضافة إلى برجها الذي يقع بمحاذاة المحيط. وترجمة الاسم بالعربية «بيت لحم»، فمن هذه النقطة انطلق فاسكو دي غاما في رحلته التي استمرت سنتين، واكتشف فيها رأس الرجاء الصالح، والطريق إلى الهند. بني البرج في القرن الخامس عشر من قبل الملك جون الثاني كموقع دفاعي. يمكن الدخول إلى البرج، ومشاهدة أجمل المناظر من المنصة العلية فيه. دُمر هذا البرج في زلزال لشبونة عام 1755، ثم أُعيد بناؤه على شكل أصغر من السابق. وإذا كان الانتظار طويلاً للدخول إلى البرج فأنصحك بشراء تذكرة للمصعد السياحي بالقرب منه، فالانتظار أقل، وسعر التذكرة حوالي 7 يوروات للكبار. ومنه تشاهد جسر «25 من أبريل (نيسان)» وزوايا أخرى من بيليم التاريخية.
وتشتهر بيليم أيضاً بوجود أقدم متجر لبيع الحلوى البرتغالية ذائعة الصيت. يمكنك الدخول إلى «فابريكا باستيس دي ناتا»، والأكل فيه بدلاً من الانتظار لوقت طويل. الحلوى هي عبارة عن عجين محشو بالكاسترد، عليه طبقة من القرفة، والمذاق رائع ولذيذ.
قوس «روا أوغوستا» يقع في حي بايكسا من لشبونة، هو أحد أشهر الأقواس التي صنعها الإنسان في العالم. والقوس هو عبارة عن مبنى تاريخي جاذب للزوار في لشبونة. وقد تم بناؤه في ذكرى إعادة بناء المدينة بعد زلزال 1755.
حديقة حيوان لشبونة، تأسست عام 1884، وتعتبر الحديقة من أهم الوجهات السياحية المهمة، حيث يزورها نحو 800000 زائر سنوياً، كما أن الحديقة ليست عبارة عن مؤسسة ترفيهية فقط؛ بل لحفظ الأنواع المهددة بالانقراض والبحوث العلمية والأنشطة التعليمية. وتضم نحو 2000 حيوان من 300 نوع، موزعة بين 114 من الثدييات، و157 من الطيور، و56 من الزواحف، و5 من البرمائيات والمفصليات.

أين تأكل وماذا؟
في لشبونة لن تكون بحاجة لدليل لأفضل المطاعم؛ لأن غالبية المطاعم جيدة، وتعتمد في طعامها على الأسماك وثمار البحر. وأفضل ما يمكنك أن تفعله هو أن تمشي على قدميك، ودعها تكون دليلك.
إذا كنت من محبي المطاعم المطلة على مناظر جميلة، فأنصحك بـ«لا باباروتشا»، ويقدم أنواعاً جيدة من اللحوم، ويطل على أجمل المناظر.
جربت عدة مطاعم في لشبونة، ولكني وجدت نفسي أكثر من مرة في سوق «تايم آوت» (Time Out)، فهي عبارة عن سوق للطعام مسقوفة، تضم عدداً كبيراً من الأماكن التي تقدم مختلف أنواع المطابخ، بما فيها البيروفية والأميركية والإيطالية، فتختار ما تشاء، وتجلس في أي مكان يحلو لك. فكرة المكان جميلة جداً؛ لأنه يمكنك أن تتذوق أكثر من طبق من أكثر من مطبخ. ولا تفوت تذوق الأخطبوط المشوي، المقدم على البطاطس المسلوقة والمتبلة.



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.