علاوي بين شارع غاضب وكتل سياسية ذات مواقف متناقضة

محمد توفيق علاوي
محمد توفيق علاوي
TT

علاوي بين شارع غاضب وكتل سياسية ذات مواقف متناقضة

محمد توفيق علاوي
محمد توفيق علاوي

على عكس سلفه عادل عبد المهدي الذي احتفظ باستقالته في جيبه أثناء وجوده في السلطة، فإن رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد توفيق علاوي وضع استقالته في «جيب» الحراك الشعبي عندما قال لهم أول من أمس: «أنا مؤمن بكم، وأطلب منكم الاستمرار في التظاهر». وبالفعل لبّى المتظاهرون أمس نداء علاوي، ولكن ضده، معترضين على تكليفه رئاسة الحكومة. فالمتظاهرون الذين كانوا يرفضون المرشحين حتى قبل تكليفهم من قبل رئيس الجمهورية، أعلنوا في بغداد وكثير من المحافظات رفضهم علاوي، الأمر الذي من شأنه تعقيد مهمته التي هي أصلاً شبه مستحيلة في ظل انقسامات حادة بين شارع غاضب وكتل سياسية ذات مواقف متناقضة.
ويشمل برنامج علاوي، الذي تضمن 14 تعهداً عدّها كثيرون برنامجاً حكومياً متكاملاً يعبر عن رؤية واضحة للتغيير: «إلغاء اللجان الاقتصادية للأحزاب والقوى السياسية». ولكن عدداً من المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أشارت إلى أن هذه اللجان تعدّ المورد الرئيسي للأحزاب والكتل السياسية التي تحصل عليها من خلال هيمنتها على الوزارات عبر العقود التجارية، لذا فإن مثل هذا التعهد الذي ألزم علاوي نفسه به بدا كما لو أنه «داس على الجنّيّ»، حسب قول أحد السياسيين. وهناك تعهد آخر بدا أيضاً صعب التحقيق؛ وهو أن علاوي أعلن عبر كلمته التي وجهها للشعب العراقي عقب تكليفه أول من أمس، أنه سيكاشف الحراك الشعبي في حال عرقلت الكتل السياسية خططه وأنه سوف يتخلى عن المنصب طبقاً لإرادة المتظاهرين.
في هذا السياق، أكد محمد شياع السوداني، عضو البرلمان وكان أحد المرشحين لخلافة عبد المهدي، أن سيناريو تكليف محمد توفيق علاوي لا يختلف عن تكليف عبد المهدي؛ إذ تم ذلك باتفاق بين «كتلة الفتح» بزعامة هادي العامري، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مضيفاً أن التحديات أمام علاوي تبدو أكثر تعقيداً من تلك التي واجهت عبد المهدي. وأشار السوداني في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التعهدات الـ14 التي أطلقها رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي تبدو متفائلة في ظل وجود معوقات كثيرة تواجه الإصلاح الحقيقي، والمتمثلة في هيمنة الكتل السياسية الفاسدة على المشهد السياسي العراقي».
وأضاف السوداني، الذي شغل خلال السنوات الماضية وزارات العمل والشؤون الاجتماعية والصناعة والمعادن وحقوق الإنسان، أن «بعض التعهدات المتعلقة بتحسين الواقع الاقتصادي تحتاج إلى فترة زمنية طويلة، والبعض الآخر يتطلب قرارات جريئة قد تستدعي المواجهة المسلحة مع المتمردين على القانون وسلطة الدولة».
وبشأن آلية تكليف علاوي لمنصب رئاسة الوزراء؛ قال السوداني إنه «بعد مخاض امتد طيلة 3 أشهر بعد استقالة الحكومة وما تخللها من مواقف لكتل سياسية بارزة باعتماد شروط ومعايير معينة لاختيار رئيس وزراء جديد، تم مؤخراً تجاوزها ليتم اختيار محمد علاوي، بعد تكرار سيناريو تشكيل الحكومة السابقة حيث اتفقت كتلتا (سائرون) و(الفتح)».
وأضاف أن «نيل الثقة داخل البرلمان سيعكس جدية الكتل السياسية في تجاوز المحاصصة والمصالح الحزبية والفئوية، وهذا سيكون أيضاً مخاضاً جديداً».
وحول موقف الشارع الذي بدا غاضباً، قال السوداني إن «رؤية الشارع الغاضبة تحتاج إلى فتح حوار بين تنسيقيات المتظاهرين ورئيس الوزراء المكلف، وتضمين طلباتهم ضمن برنامجه الحكومي، ومن ثم الاستعداد والتهيئة للدخول في الانتخابات المبكرة التي نعول عليها سبيلاً وحيداً لإزاحة الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة بغية تحقيق الإصلاح الجوهري المنشود».
في السياق نفسه، أكد الأكاديمي الدكتور إحسان الشمري، رئيس «مركز التفكير السياسي»، لـ«الشرق الأوسط» أن «أهم التحديات التي تواجه علاوي هي محاولة كسب ثقة الحركة الاحتجاجية، لا سيما أن حجم الاعتراض عليه منذ اليوم الأول يفوق كثيراً حجم القبول له، وهذا أمر في غاية الأهمية، ناهيك بأهمية تنفيذ برنامجه الذي أطلقه وألزم نفسه به». وأضاف الشمري: «إنني لا أتحدث عن البرنامج الاقتصادي الذي طرحه علاوي والذي إما يحتاج إلى فترة زمنية طويلة أو قد لا يتحقق أصلاً، ولكنني أتحدث عن قضايا وشيكة مثل تقديم قتلة المتظاهرين إلى العدالة، وكذلك مساءلة كل من تسبب في أحداث العنف». وأوضح الشمري أن «التحدي الثالث الذي يواجه علاوي هو كبح جماح طموح الأحزاب السياسية، لا سيما على صعيد المحاصصة التي لا تتنازل عنها، خصوصاً إذا علمنا أن محمد علاوي يتشابه من ناحية المعطيات مع عادل عبد المهدي؛ إذ لا توجد كتلة مساندة له، وأيضاً لا يمتلك منفرداً ثقلاً كبيراً في الساحة السياسية.
وبناء على ذلك، فإنه سيواجه تحدي الضغوط الداخلية التي ستُمارس عليه فيما يتعلق بامتيازات الكتل السياسية وأحزابها.
كما أنه سيواجه تحدياً آخر وهو التدخلات الخارجية في الشأن العراقي. لذلك يمكن وصف مرحلة محمد توفيق علاوي بأنها مرحلة التحدي الأصعب، مما يتطلب منه وضع آليات لتفكيك الأزمة الحالية لكي يتمكن من إنجاز ما وعد به».
وختم الشمري قوله بأن «الفرصة الوحيدة أمام علاوي لبناء سند حقيقي يستطيع به مواجهة الكتل السياسية هو أن يكسب الشارع ويجعل الحراك الشعبي يقف إلى جانبه. وهذا لن يحدث ما لم يبدأ مباشرة في تنفيذ مطالبهم على أرض الواقع، وليس منحهم وعوداً فقط».



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.