فرنسا تعزز قواتها في منطقة الساحل وتعوّل على دعم أوروبي وأميركي

باريس تستعجل تفعيل القوة الأفريقية المشتركة رغم المعوقات الكثيرة

جندي من الجيش الفرنسي يقوم بدورية في منطقة ريفية أثناء عملية «برخان» في شمال بوركينا فاسو العام الماضي (أ.ف.ب)
جندي من الجيش الفرنسي يقوم بدورية في منطقة ريفية أثناء عملية «برخان» في شمال بوركينا فاسو العام الماضي (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تعزز قواتها في منطقة الساحل وتعوّل على دعم أوروبي وأميركي

جندي من الجيش الفرنسي يقوم بدورية في منطقة ريفية أثناء عملية «برخان» في شمال بوركينا فاسو العام الماضي (أ.ف.ب)
جندي من الجيش الفرنسي يقوم بدورية في منطقة ريفية أثناء عملية «برخان» في شمال بوركينا فاسو العام الماضي (أ.ف.ب)

أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي أمس (الأحد)، أن فرنسا تعتزم إرسال 600 عسكري إضافي إلى منطقة الساحل الأفريقي. تجدر الإشارة إلى أن حجم التعزيزات جاء أكبر مما كان تم الإعلان عنه في السابق. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن خلال قمة مع قادة دول منطقة الساحل الخمس في يناير (كانون الثاني) الماضي، عزمه تعزيز القوات الفرنسية بـ220 جندياً إضافياً فقط.
القرار اتخذه رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة الفرنسية، وهو يندرج في سياق الجهود التي تبذلها باريس من أجل مواجهة تصاعد الأنشطة الإرهابية للمجموعات الجهادية في منطقة الساحل. وفحوى القرار الذي أعلن عنه بيان صادر أمس عن وزارة الدفاع، تعزيز «قوة برخان» الفرنسية المنتشرة في المنطقة المذكورة والمؤلفة من 4500 رجل، بالإضافة إلى دعم جوي ولوجيستي، بإرسال 600 رجل إضافي يفترض أن يصلوا إلى أماكن انتشارهم قبل نهاية الشهر الجاري. وسبق للرئيس الفرنسي أن أعلن عن إرسال قوة إضافية من 220 جندياً. لكن يبدو أنه اقتنع بالحجج التي ساقها رئيس الأركان الجنرال فرنسوا لوكوانتر الذي اعتبر أن «قوة برخان» قليلة العدد، وبالتالي تتعين زيادتها بشكل ملموس، وهو ما قرره ماكرون في نهاية المطاف.
وتريد باريس، بحسب وزيرة الدفاع، فلورنس بارلي، التركيز بالدرجة الأولى على «المثلث الحدودي» لمالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث تضاعفت عمليات التنظيمات الجهادية في الأشهر الأخيرة في البلدان الثلاثة على السواء. ويرى الرئيس ماكرون، وفق ما شدد عليه في اجتماع مجلس الدفاع الأعلى في قصر الإليزيه، منتصف الأسبوع الماضي، أن المرحلة الرئيسية الراهنة «يجب أن تشكل انعطافة» بالنسبة لانخراط فرنسا العسكري في المنطقة، وأن يتحقق هدفان متلازمان؛ الأول التوصل إلى تعبئة أوروبية أكبر في إطار «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل» الذي أقرته قمة مدينة بو، أواسط الشهر الماضي. والثاني الارتقاء بالقوة الأفريقية الخماسية المشتركة المشكلة من موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد. وتريد باريس باختصار، ووفق ما جاء في بيان وزارة الدفاع، «قلب ميزان القوى ميدانياً»، بمعنى وقف تقدم التنظيمات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، ويعد فرعاً من «داعش»، إضافة إلى فرع القاعدة وتنظيمات أخرى كثيرة. وتراهن باريس على انطلاقة قوة الكوماندوس الأوروبية المشتركة المسماة «كاتوبا» الصيف المقبل، ولكن كذلك على انخراط أكبر للقوة الدولية التي تعمل تحت علم الأمم المتحدة في مالي لجهة المساهمة في تدريب القوة الأفريقية المشتركة.
حقيقة الأمر أن باريس التي تعتبر أنها تقاتل الإرهاب في منطقة الساحل «نيابة عن جميع الأوروبيين»، تجد نفسها في وضع غير مريح: فمن جهة، طال انخراطها العسكري في هذه المنطقة ولكن حتى اليوم، لا أحد في قيادة الأركان الفرنسية قادر على تحديد أفق زمني لعملية «برخان» التي انطلقت في عام 2014، وهي تكلف الخزينة الفرنسية 750 مليون يورو في العام، فضلاً عن الخسائر البشرية الكثيرة.
ومن جهة، تعتبر فرنسا أن المساهمة الأوروبية غير كافية وهي تنحصر حتى اليوم في تقديم الدعم اللوجيستي والمساهمة في تدريب القوة الأفريقية. والدليل على ذلك أن قوة «كاتوبا» التي تراهن عليها باريس والتي أعلنت 5 دول عن الاستعداد للمشاركة فيها، ليس لها وجود فعلي بعد. وحدها جمهورية تشيكيا أعربت عن استعدادها لتقديم 60 جندياً لها، ولكن ذلك يتطلب موافقة البرلمان التشيكي، فيما الدول الأخرى لم تعلن بعد عن مساهمات محددة.
أما التحدي الفرنسي الثالث فيتمثل في ثني الولايات المتحدة الأميركية عن السير بمخططها للانسحاب من غرب أفريقيا بما في ذلك منطقة الساحل. وقامت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي بزيارة مطولة بداية الأسبوع الماضي إلى واشنطن، حيث التقت نظيرها مارك إسبر ومسؤولين عسكريين كباراً. إلا أنها عادت من رحلتها دون الحصول على وعد أو التزام بإبقاء واشنطن على دعمها العسكري الأساسي الذي تصفه شخصياً بأنه «لا يمكن الاستغناء عنه».
والسبب في ذلك أنه مزدوج: لوجيستي من جهة واستخباري من جهة أخرى. وللتذكير، فإن القيادة الأميركية عمدت في السنوات الماضية إلى إعادة تأهيل قاعدة «أغادمس» الجوية القائمة شمال مالي، حيث يرابط سرب من الطائرات المسيرة الضرورية لتوفير رقابة شبه متواصلة في منطقة شاسعة تزيد مساحتها على 5 ملايين كلم مربع. وإذا فقدت «قوة برخان» هذا الدعم، فيتعين عندها أن تجد البدائل عنه وهو اليوم ليس متوافراً.
واللافت للنظر أن إسبر، في المؤتمر الصحافي المشرك مع بارلي في البنتاغون، عقب نهاية زيارتها الرسمية، حث الأوروبيين على توفير «البديل». وثمة اعتقاد راسخ في باريس أن القيادة العسكرية الأميركية ليست مقتنعة بقرار الانسحاب من أفريقيا، وهو ما عبر عنه قائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال ستيفان تاونسند بقوله إن الانسحاب «لا يذهب في الطريق الصحيحة». وبدوره، حث تاونسند الأوروبيين «على مواجهة التحدي وتوفير الدعم لفرنسا».
ما بين تردد الشركاء الأوروبيين وتساؤلات الرأي العام الفرنسي حول مآل «قوة برخان»، تخطط وزارة الدفاع لإجراء «تقويم» لفاعلية عمل قوتها خلال 6 أشهر.
ونقلت أوساط مطلعة عن الرئيس ماكرون أنه «يريد نتائج»، ما يعني أنه غير راضٍ على ما هو حاصل حتى اليوم. ومؤخراً، أعلن الجنرال لوكوانتر أنه «لا يعتقد أن سيكون بالإمكان الحديث عن النصر مع نهاية العام»، فيما يرى محللون ومسؤولون أن الأشهر القليلة المقبلة «يفترض أن تكون حاسمة لتغيير مسار الأمور ميدانياً».
والواضح حتى اليوم أن الجهد الرئيسي سيكون من نصيب القوة الفرنسية المعززة التي ستحصل على آليات ثقيلة وخفيفة ودعم لوجيستي ويضاف إليها الدعم الجوي. ومؤخراً، أدخلت باريس إلى الخدمة طائرات مسيرة أميركية الصنع من طراز «ريبير» مجهزة بصواريخ، ما سيوفر لها ذراعاً ضاربة إضافية وتجنب تعرض طوافاتها لحوادث، مثل الذي أودى، نهاية العام الماضي، إلى مقتل 13 ضابطاً وصف ضابط في ارتطام طوافتين أثناء عملية عسكرية. يبقى أن هناك قناعة فرنسية مفادها أن الحل لا يمكن أن يكون فقط عسكرياً وأمنياً، بل يتعين أن تواكبه عملية إصلاحية سياسية غرضها حرمان التنظيمات المتطرفة من الحجج التي تسخرها لتجنيد أعضاء جدد ولكسب تعاطف السكان.


مقالات ذات صلة

مقتل ثلاثة أشخاص بانفجار قنبلة خلال مهرجان في تايلاند

آسيا تُظهر هذه الصورة مشهداً لموقع تم فيه إلقاء عبوة ناسفة على حشد خلال مهرجان سنوي في تايلاند... الجمعة 13 ديسمبر 2024 (أ.ب)

مقتل ثلاثة أشخاص بانفجار قنبلة خلال مهرجان في تايلاند

أعلنت الشرطة التايلاندية السبت اعتقال شخصين بعد انفجار قنبلة الجمعة خلال إحياء مهرجان بالقرب من الحدود مع بورما؛ ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي خلفه الهجوم المزدوج في ريحانلي عام 2013 (أرشيفية)

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

أُلقي القبض على أحد المسؤولين عن التفجير الإرهابي المزدوج، بسيارتين ملغومتين، الذي وقع في بلدة ريحانلي (الريحانية)، التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، عام 2013

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

عزام أحمد (إسلام آباد - كابل)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».