الجرائم الجنائية في ليبيا تنمو وتتخفى في صخب الحرب

احتلت المركز الأول بين دول شمال أفريقيا

TT

الجرائم الجنائية في ليبيا تنمو وتتخفى في صخب الحرب

على عكس مسارات معيشية أخرى لدى الليبيين، لا تتوقف الجرائم ذات الطابع الجنائي خلال فترات اشتعال الحروب والصراعات، التي باتت تمثل على ما يبدو بيئة لنمو النشاطات والأفعال الإجرامية. وفي ظل تركيز الجميع على الصراع السياسي والعسكري بين الشرق والغرب الليبي، يبدو أن الجميع تناسى المدنيين من أهالي ليبيا والوافدين إليها الذين يقعون بشكل يومي ضحايا لجرائم مختلفة. ورغم عدم وجود حصر رسمي أو مستقل بشأن مؤشرات الجريمة في ليبيا، فإن التقرير السنوي لمؤشر الجريمة العالمي لعام 2019، الذي تقوم بإصداره موسوعة قاعدة البيانات «نامبيو»، والتي تعتمد على تصويت زوارها، احتلت ليبيا المركز الأول في معدل الجرائم بمنطقة شمال أفريقيا، إلا أن المسؤولَين الأمنيَّين في الشرق والغرب الليبي لم يتطرقا لتلك النسبة العالية من معدلات الجريمة، التي حددها المؤشر في حدود 59 في المائة، وتحدثا بالمقابل عن نسبة متوسطة.
مدير مكتب الإعلام بوزارة الداخلية بالحكومة المؤقتة، الرائد طارق الخراز، قال إن «الأجهزة الأمنية بالمنطقة الشرقية تعمل بشكل فاعل وجيد، وتوفر الحماية للمواطنين والأجانب على السواء، وإن كان هذا لا يعني انعدام الجريمة بها، فهي كبقية المجتمعات تشهد وقوع جرائم جنائية معتادة من قتل وسرقات ونصب، ولكن بمعدل نسبي».
وشدد الخراز في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنه «يمكن القول إن نسبة الجريمة منخفضة بالشرق، ومتوسطة بالجنوب، وما يقرب من 95 في المائة من مجموع الجرائم تتم إحالتها للقضاء بعد القبض على المتهمين بارتكابها»، مُقراً في هذا الإطار «بوجود العصابات والخلايا الإجرامية المشكلة من عناصر محلية وأجنبية».
كما أشار إلى ضبط كثير من حاملي «الجنسيات المختلفة التي تبين دخولها للبلاد بطريقة غير شرعية، وكيف أنه بالرصد والتعقب وجد أن 5 في المائة من هؤلاء لهم سوابق جنائية، أما الأغلبية فجاءت بحثاً عن لقمة العيش أو تعاملت مع ليبيا كدولة عبور للدول الأوروبية»، نافياً تسجيل حالات للاتجار بالأعضاء البشرية ممن وقع ضحايا للصراع المسلح، أو من تعرض للقتل من الوافدين والمهاجرين غير الشرعيين. ولفت إلى أن «عمليات الاتجار بالبشر خاصة من المهاجرين الأفارقة تتم في مناطق غرب ليبيا القريبة من البحر».
أما فيما يتعلق بعدد السجون، فأوضح المسؤول الأمني أنهما «اثنان فقط بكلا من مدينة بنغازي وقرنادة، أحدهما للمجرمين الجنائيين، والآخر للأمنيين، أي للعناصر الإرهابية والعملاء».
وفي الغرب الليبي، ووفقاً للبيانات التي أرسلها الناطق باسم وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، العميد المبروك عبد الحفيظ، فإن «تحليلاً للجرائم الكبيرة والخطيرة خلال عام 2019 أظهر أن نسبة الجرائم المرتكبة في مدينة طرابلس الكبرى ذات الكثافة السكانية المرتفعة سجلت 33 في المائة من مجموع الجرائم الخطيرة خلال الفترة نفسها، والبالغ عددها إجمالاً 1838 جريمة».
وأشارت البيانات إلى «تصدر جرائم سرقة السيارات، والسرقة بالإكراه نوعية الجرائم بالغرب الليبي، وتليها جرائم سرقة المنازل، ثم جرائم القتل العمد، والتي غلب عليهم الطابع الإجرامي الفردي، ثم جرائم خطف الأشخاص والبالغ عددها خلال العام الماضي 141 جريمة، كما بلغ عدد المجني عليهم من الإناث 10 فقط، وتلك غلب عليها الطابع الإجرامي الجماعي».
أستاذة القانون الجنائي بجامعة بنغازي الدكتورة جازية شعيتير، ترى أنه «من الصعب تحديد معدل للجرائم في ليبيا، أكانت متوسطة أم مرتفعة، نظراً لانعدام الإحصائيات العامة»، ولفتت شعيتير في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى «خطورة عدم الانتباه الراهن للآثار السلبية للصراع السياسي ثم المسلح وما سبقهما من انتشار الفوضى الأمنية التي شهدتها ليبيا منذ 2011».
وقالت: «لقد بات السلاح في كل بيت وكل سيارة، وبالتالي تغيرت نوعية الجرائم، فالسرقات صارت سطواً مسلحاً، والمشاجرة أصبحت تنتهي بالقتل أو الشروع فيه، وبرزت جرائم الاعتداء على رجال الأمن من قبل العصابات المسلحة».
وتابعت: «الأهم أن هذا التركيز على الصراع السياسي والعسكري شغل الجميع عن رصد الجريمة المنظمة العابرة للحدود، سواء ما تتعلق بتجارة المخدرات، والتجارة في البشر، وبالطبع الجنس... لا يوجد اهتمام بتأمين الحدود، وأيضاً عدم اهتمام بإيجاد تشريعات قانونية وسياسة تنفيذية لمواجهة هذه الجرائم».
وألمحت في هذا الإطار إلى «نجاح قادة الميليشيات المسلحة في الغرب الليبي بالإفلات من العقاب جراء ما يتمتعون به من نفوذ سياسي، ربما يكون قد ساهم في ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة».
وتوقع أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة بنغازي حسين الشارف ازدياد معدلات الجرائم الجنائية، وتحديداً بالغرب الليبي، ليس فقط للعوامل المتعارف عليها من انتشار الفوضى والكساد الاقتصادي وقلة التوظيف بزمن الحرب، وإنما أيضاً «جراء سماح حكومة الوفاق لتركيا بأن تصدر إليها شتى أنواع المرتزقة».
وأوضح الشارف لـ«الشرق الأوسط» أن المرتزقة «قبلوا بالقتال في أرض ومعركة غير معركتهم من أجل المال، ومن أجل المال سيفعلون أي شيء، وكل الاحتمالات واردة».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.