إذاعة سورية تبث برامجها بأربع لغات لمخاطبة مكونات شمال شرقي البلاد

راديو «آرتا إف إم»... شباك المستمعين على العالم الخارجي

الفنان صفقان المدير التنفيذي لـ«راديو آرتا إف إم» (يمين)، والصحافي عباس موسى
الفنان صفقان المدير التنفيذي لـ«راديو آرتا إف إم» (يمين)، والصحافي عباس موسى
TT

إذاعة سورية تبث برامجها بأربع لغات لمخاطبة مكونات شمال شرقي البلاد

الفنان صفقان المدير التنفيذي لـ«راديو آرتا إف إم» (يمين)، والصحافي عباس موسى
الفنان صفقان المدير التنفيذي لـ«راديو آرتا إف إم» (يمين)، والصحافي عباس موسى

في أول يوم من التوغل التركي في مناطق شمال شرقي سوريا، بالتاسع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، تناقل كثير من الصفحات والأخبار دعايات بدخول الدبابات التركية واحتلالها للمناطق الكردية: «يومذاك تلقينا كثيراً من الاتصالات من المستمعين، لبث برامج الإذاعة، وتكذيب الإشاعات»، بهذه الكلمات بدأت المذيعة شيرين إبراهيم تروي اللحظات الأولى من الهجوم التركي الواسع بمشاركة فصائل سورية موالية، وقالت: «وقتها أيقنت بأننا مؤثرون وفاعلون، ولدينا جمهور كبير ومستمعون ينتظرون أثير إذاعتنا لنقل الحقيقة، حتى ولو كلفتنا أرواحنا».
أما الفنان صفقان، المدير التنفيذي لإذاعة «آرتا إف إم» فقد نقل أن كادر الإذاعة قرر البقاء في العمل والمخاطرة بحياتهم، لنقل الحقيقة وما يجري على الأرض. وبعد انتشار القوات النظامية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد بالمناطق الكردية، زادت مخاوف الكادر الإذاعي؛ لكنهم استمروا في العمل، وقال: «ففي ساعات انتشر الروس والقوات الحكومية، ووصل الجيش التركي والفصائل الموالية له، على بعد كيلومترات من عامودا؛ لكننا قررنا البقاء. القصف كان شديداً، والطيران العسكري يحلق فوق رؤوسنا».
وإذاعة «آرتا إف إم»، تعني «المقدس» بالعربية، وهي أول إذاعة كردية محلية في سوريا، انطلقت من بلدة عامودا التابعة لمدينة الحسكة، والواقعة أقصى شمال شرقي البلاد. بدأت أوائل يوليو (تموز) 2013 تبث برامجها بأربع لغات، هي: الكردية، والعربية، والسريانية، والأرمينية، على التردد 99.5، ولها صفحات على منصات التواصل الاجتماعي، ولديها «قناة ويب» على موقع «يوتيوب».
ومن استوديو كبير مجهز بمعدات موسيقية وآلات عزف ولحن وأثاث فني لافت، أخبر الفنان صفقان أن الإذاعة بدأت قبل 7 سنوات بكادر صغير مؤلف من 15 إعلامياً وفنياً، واستوديو إيجار بمعدات بسيطة، وقال: «حالياً توسعت أنشطة الإذاعة، ونغطي من بلدة ديريك الحدودية حتى محافظتي الرقة ودير الزور، وصولاً إلى مدينة كوباني، أو عين العرب، بريف حلب الشرقي».
ويسعى الكادر الإذاعي إلى مواكبة التقدم والتطور في مجال البث الإذاعي الرقمي، عبر تفعيل تقنيات تحديثات النشر، واستثمار وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تنشر كافة برامجها المسموعة عبر خدمة البث المباشر، ثم يتم رفعها ونشرها على قناة الراديو بموقع «يوتيوب»، ليتمكن المستمعون من مشاهدة كل البرامج التي تنتجها الإذاعة، لتصل إلى أكبر عدد من الجمهور وترضي أذواقهم.
و«مؤسسة آرتا للإعلام والتنمية» تضم اليوم: «راديو آرتا»، و«صوت الرقة»، و«آرتا الهول»، و«إذاعة جين إف إم». ويضيف صفقان: «التوقيت الزمني والحروب الدائرة بالمنطقة، وتقلبات المشهد الميداني، تفرض علينا تقديم صحافة إذاعية مهنية بكل ما تعنيه الكلمة، تتناول القضايا السياسية والخدمية والاقتصادية والمجتمعية».
ومنذ انطلاقة الحراك المناهض لنظام الحكم ربيع 2011، تغير المشهد الإعلامي في عموم سوريا؛ حيث ظهر كثير من الإذاعات والقنوات التلفزيونية الخاصة.
هذا ويعمل اليوم في المناطق الكردية نحو 10 إذاعات محلية، تبث برامجها باللغتين العربية والكردية، على أثير موجات «FM»، إلى جانب مواقع الإنترنت وصفحات «السوشيال ميديا».
ويرى عبد السلام خوجة الذي يعمل منتج أخبار ومقدم برامج في «راديو آرتا»، أن انطلاقة إذاعات كردية في سوريا - بلد الإعلام الموجه بامتياز؛ حيث الدولة وحزب البعث سيطروا على كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية – تعد «تطوراً نوعياً في قدرة الكرد خاصة، والسوريين عامة، على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا وثورة المعلومات»؛ حيث تختلف وسائل وأدوات العمل الصحافي لدى الوسائل الإعلامية التي تنشر موادها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، عن مثيلاتها في الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع. وأشار خوجة إلى أن «كادر (آرتا) اختار العمل في مجال الصحافة الرقمية، والاعتماد على منصات (السوشيال ميديا) للإطلالة على الجمهور ومتابعي صفحاتها».
وداخل استوديو إعلامي مجهز بمعدات إذاعية متطورة، من بينها «مايك» يحمل «لوغو» الإذاعة باللون الأزرق، وغرفة ملونة باللون ذاته، رُسم شعار «أصواتكم ألوانكم»، يحرص كادر إذاعة «آرتا إف إم» على الاجتماع مرة واحدة على الأقل يومياً، لمناقشة المواد والتقارير التي ستنشر على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالراديو؛ حيث يختارون مقاطع الفيديو والصور المحلية التي تعكس الحياة البسيطة لسكان عامودا والمناطق المجاورة، ثم يكتب صحافيون مختصون قصصها قبل إرسالها للنشر.
والمذيعة شيرين إبراهيم تعمل مقدمة برامج ومنتجة محتوى مع الإذاعة، منذ انطلاقة أثيرها قبل سبع سنوات، ونقلت أنها تجربتها الأولى في العمل الإذاعي، وقالت: «الراديو قريب من شخصيتي، كونك تتحدث للناس بلغة بسيطة محكية. كنت من مستمعي إذاعة (بي بي سي) وراديو (مونت كارلو)، وأسمع الإذاعات السورية، وكان يغلب عليها البرامج المنوعة والترفيهية».
ويعتمد كادر الإذاعة في دورته الإذاعية للعمل 2020، على دمج البرامج الصوتية مع النص والصورة، ونشرها على منصات «السوشيال ميديا». وتابعت شيرين كلامها قائلة: «اخترنا هذه الخطة نظراً لتوفر خدمة الإنترنت لدى معظم جيل الشباب وفئات المجتمع، فالجميع يمتلك هواتف محمولة ولوحات رقمية، ونقدم الصوت مع الصورة لتصل لجميع المستمعين والمشاهدين في الوقت نفسه».
ومن بين القضايا التي تتناولها الإذاعة عبر برامجها، ملف اليوم الذي يركز على الأحداث السياسية وأكثر القضايا التي تشغل هموم الناس، إلى جانب المواضيع الاقتصادية والخدمية وفقرات صحية وطبية. وشيرين تقدم الملف اليومي باللغة العربية. وعن دور الإذاعة في مخاطبة الجمهور تقول: «فريق الإذاعة موجود على الأرض، يعمل بين الناس ويحمل هموم الأصدقاء والأقارب والجيران، ويتولى نقل قضاياهم للجهات المعنية والسلطات المحلية»، فإذا تعطل صنبور مياه يبادرون بالاتصال بالبلدية، وإذا استمر انقطاع التيار الكهربائي يتصلون مع مديرية الكهرباء، ولفتت إلى أن «هذه الأمور تزيد من ثقة المستمعين بالإذاعة، وترفع من دورها الفاعل في نقل همومهم اليومية».
وتعد الفترة الصباحية في «راديو آرتا» بشكل خاص، والبرامج الخدمية والصحية عموماً، من بين أكثر البرامج التي يتابعها جمهور الإذاعة ويتفاعلون معها على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب ماهر قرنو، مسؤول قسم الاتصال والتشبيك لدى الإذاعة. وأثناء الحديث كان يتلقى الاتصالات ويقوم بتحوليها إلى غرفة «الكونترول»، وقال: «نقوم بإرسال رسائل نصية على أرقام الإذاعة قبل بدء البرنامج، ومشاركتها على منصات التواصل، وتحديد سؤال حلقة الفترة الصباحية، لمشاركة أكبر قدر من جمهور المستمعين وتفاعلهم معها». وعن عمله في «راديو آرتا» عبر عن مشاعره قائلاً: «أن تعمل دفاعاً عن قضية أو مبادئ تؤمن بها هو شيء يمنحك الرضا. عملي بالإذاعة رسالة لنقل الحقيقة».
وتعد إذاعة «آرتا» أكثر الإذاعات رواجاً في شمال شرقي سوريا، وتحصد حصتها من مستمعي الإذاعات نحو 37.5 في المائة، بحسب استطلاع مستقل أجرته مجموعة «نافانتي» الأميركية نهاية 2015، في ثلاث محافظات: حلب وإدلب والحسكة. ويبلغ عدد متابعيها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» نحو ربع مليون متابع، وعلى قناة «يوتيوب» ما يزيد على 50 ألف متابع.
ويعمل إبراهيم عبدو على تصوير وإعداد برامج الإذاعة، وأكد: «أذهب إلى مكان الحدث أو الخبر وأشاهد ما تراه عيني، بعدها أجري لقاءات وأخرج تقريري حسبما يقول الضيوف المدنيون، ببساطة وبلغة مفهومة للجميع»، لافتاً إلى أنه يتبع العفوية والعدسة في إجراء اللقاءات: «لا أرتب أو أملي ما يقدمه الضيف في التقرير بهدف إيصال الفكرة عبر صورة مبسطة إلى المشاهد، كي تكون قريبة من هذه البيئة».
بينما أردفت شيندا محمد - وهي مراسلة الإذاعة في مدينة القامشلي المجاورة لعامودا، وكانت منشغلة بإعداد تقريرها المرئي وكتابة نص «الإسكريبت» - بأن المستمعون ينتظرون فسحة أمل رغم الحروب الدائرة بالمنطقة. وقالت: «أحاول في كل تقرير أن أفتح شباكاً جديداً للإطلالة على الحياة، بكل ما تحمله من أفراح ومآسٍ وأخبار ميدانية. نحن ننتمي لهذه البيئة، وعلينا نقل الصورة كما هي».
وعانى أكراد سوريا على مدى عقود طويلة، تهميشاً وحرماناً من القراءة والكتابة بلغتهم الأم، جراء سياسات عنصرية وصلت ذروتها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي؛ عندما منع الرئيس الراحل حافظ الأسد الأكراد السوريين من التحدث بلغتهم في المؤسسات والدوائر الحكومية.
غير أن المشهد تغير اليوم؛ حيث تستمع كليستان البالغة من العمر 27 سنة، والمتحدرة من بلدة عامودا، وتعمل في مخبز لصناعة الخبز، وزميلاتها بالعمل، إلى برامجهم المفضلة بلغتهم الكردية الأم. ونقلت أنهم يستمتعون وهم يتابعون «راديو آرتا» طوال فترة عملهم الممتدة لثماني ساعات يومياً، وقالت: «ميزتها أنها تبث برامجها بالكردية عبر موجات الـ(إف إم). نسمعها من أي مكان من الراديو؛ بلغة مفهومة بسيطة، ويركزون على قضايا تشغل بالنا، (آرتا) شباكنا على العالم الخارجي».



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.