عبد العزيز السماعيل: المسرح السعودي عائد بقوة والمرأة ستثبت حضورها على الخشبة

رئيس «المسرح الوطني» يقول إنه سيتم الاستثمار في الثقافة المسرحية حتى يقل الاعتماد على الدولة

الأمير بدر بن عبد الله وزير الثقافة السعودي، وعبد العزيز السماعيل،  رئيس المسرح الوطني خلال تدشين مبادرة المسرحِ الوطني بالرياض (تصوير سعد الدوسري)
الأمير بدر بن عبد الله وزير الثقافة السعودي، وعبد العزيز السماعيل، رئيس المسرح الوطني خلال تدشين مبادرة المسرحِ الوطني بالرياض (تصوير سعد الدوسري)
TT

عبد العزيز السماعيل: المسرح السعودي عائد بقوة والمرأة ستثبت حضورها على الخشبة

الأمير بدر بن عبد الله وزير الثقافة السعودي، وعبد العزيز السماعيل،  رئيس المسرح الوطني خلال تدشين مبادرة المسرحِ الوطني بالرياض (تصوير سعد الدوسري)
الأمير بدر بن عبد الله وزير الثقافة السعودي، وعبد العزيز السماعيل، رئيس المسرح الوطني خلال تدشين مبادرة المسرحِ الوطني بالرياض (تصوير سعد الدوسري)

أطلق الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة السعودي الثلاثاء الماضي، مبادرة المسرح الوطني، في حفل فني ومسرحي بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض، بحضور مجموعة من الفنانين والمثقفين والمهتمين بالفنون المسرحية من المملكة والعالم العربي.
وأعلن الأمير بدر أن «رؤية المملكة 2030 تنظر إلى الثقافة بوصفها (من مقوّمات جودة الحياة)، لذا فإن وزارة الثقافة ملتزمة بدعم الحركة المسرحية وتمكين المسرحيين من أداء رسالتهم وفتح مساحات أرحب لإبداع السعوديين»، مؤكداً أن وزارة الثقافة تسعى لأن يكون المسرح الوطني قائداً للإبداع في الفنون الأدائية، وبناء القدرات البشرية لصناعة مسرحية محلية بجودة عالمية، مشدداً على أهمية الشراكة مع المسرحيين السعوديين في تحقيق أهداف المبادرة، «فمن خلالهم سنحقق الأهداف وسنتجاوز الصعوبات معاً، لنبني بنية ثقافية مستدامة».
الكاتب والسيناريست والفنان عبد العزيز السماعيل، قضى أكثر من 45 عاماً من عمره على خشبة المسرح، ممثلاً ومؤلفاً ومخرجاً وناقداً ومُحَكّمَاً وإدارياً ومشرفاً، حمل هموم المسرح ومعاناة المسرحيين على ظهره، وقدم أعمالاً مهمة كمسرحية «تراجيع» ومسرحية «الملقن»، حتى مسرحيته الشهيرة «موت المغني فرج باللغة».
وفي الحوار التالي مع «الشرق الأوسط» يتحدث السماعيل، عن مبادرة «المسرح الوطني» وسبل تفعيلها وعلاقتها بالفرق المسرحية، ودور المسرح حاضناً للإبداع الفني:> هل يمكنك أن تحدثنا عن مبادرة المسرح الوطني... ماذا تمثل؟ ما مكوناتها؟
- مبادرة المسرح الوطني إحدى المبادرات التي أطلقتها وزارة الثقافة بعد إعلان استراتيجيتها في 27 مارس (آذار) 2019، حيث تم بعد ذلك صدور قرار الأمير بدر وزير الثقافة بتعييني رئيساً للمبادرة، إلى جانب مبادرة الفرقة الوطنية للموسيقى بتاريخ 2 أبريل (نيسان) 2019، ومنذ ذلك التاريخ بدأنا في التخطيط والدراسة، ومن ضمن ذلك البحث عن تجارب العمل وأساليب الإنتاج في أهم المسارح الوطنية في العالم، حتى توصلنا إلى دراية شاملة بأهم تلك التجارب وكيفية الاستفادة منها...
> كيف تتلخص رؤيتكم للمسرح... كمؤسسة وليس كمسرحيين؟
- إنه استثمار بعيد المدى، المسرح فنّ بحجم الحياة تماماً، لا أقل ولا أكثر، وما تراه على الخشبة دائماً هو القائم الآن وهنا في هذا الوقت، هذا هو سر المسرح...
وبناء عليه تمت صياغة المسودة الأولى لخطة المسرح الوطني ورؤيته لتنسجم مع رؤية المملكة 2030 كمشروع ثقافي يشمل التدريب والتطوير والعمل الثقافي للمسرح وفنون الأداء، وليس الإنتاج المسرحي فقط...
> هل لهذا السبب تم تغيير الاسم؟
- نعم، تمّ تغيير الاسم من «مبادرة الفرقة الوطنية للمسرح» إلى «المسرح الوطني» ليكون منسجماً مع هذا الهدف...
> كيف يمكن أن تحتوي المبادرة أشكال العمل المسرحي؟
- لأن المسرح وفنون الأداء أشكال وصيغ فنية وثقافية متنوعة، ولها نفس الأهمية والترابط مع بعضها، تم تقسيم العمل عليها إلى عدة مسارات متوازية لتحقيق شمولية في دعم وتطوير المسرح الوطني السعودي ليكون بالفعل منصة للإبداع المسرحي وفنون الأداء؛ منها الإنتاج المسرحي (ويشمل كل أنواع فنون المسرح)، والإنتاج المسرحي بالتعاون مع الفرق المحلية، والتدريب والتطوير، وتنظيم المهرجانات، ومسرح الطفل، والدراما في التعليم، والمسار الثقافي...
وكل واحد من هذه المسارات تتفرع منه خطط وبرامج متنوعة تصب في النهاية في مفهوم المسار نفسه...
> دعنا نتحدث عن «الإنتاج» مثلاً، أو «المهرجانات»...
- الإنتاج سيكون بالتعاون مع الفرق المحلية، وسوف يتم سنوياً إنتاج عدد من العروض المسرحية تزيد سنوياً من خلال الفرق المحلية بتوفير الدعم المادي اللازم لها ومساندتها في تطوير تجاربها في أكثر من مدينة ومحافظة داخل المملكة، بينما تنظيم المهرجانات يشمل المهرجانات المحلية والدولية بأنواعها، ومسار الإنتاج يشمل المسرح للكبار والأطفال والمسرح الغنائي والأوبرا والمونودراما ودراما التعليم، والمسار الثقافي سوف يشمل التأليف والترجمة وطباعة النصوص... إلخ.

مهرجان ومسابقة 2020
> هل سيقوم المسرح الوطني بتنظيم مهرجانات وإطلاق جوائز مسرحية؟ في هذه الحالة؛ هل سيكون بديلاً عن المؤسسات التي تنظم المهرجانات المسرحية؟
- لا توجد الآن مؤسسات تنظم مهرجانات باستثناء عدد محدود جداً في بعض فروع الجمعية، إضافة إلى قلة الدعم والمساندة المالية لها، لذلك سوف يقوم المسرح الوطني بدوره في تنظيم مهرجانات محلية ودولية تليق باسم المملكة وبالمسرح السعودي من ناحية الإعداد والتنظيم، وسوف نبدأ هذا العام بتنظيم مهرجان وطني للعروض المسرحية وفنون الأداء في مدينة الرياض ليستمر متجولاً بعد ذلك على أهم المدن في المملكة كل عام. وسوف نعلن أيضاً في 2020 عن أولى مسابقات المسرح الوطني لتأليف النصوص المسرحية للكبار والأطفال، ولها جوائز قيمة لتكون قاعدة بيانات مهمة للكتاب السعوديين وتأسيس مكتبة مسرحية سعودية.
> ماذا تضيف هذه المبادرة للمسرح السعودي؟ أنت تعلم أن المسرح المحلي يعاني من إهمال من المؤسسات، حتى إنه لا يملك مسرحاً...
- سوف يضيف المسرح الوطني الكثير للمسرح السعودي، خصوصاً أن تجربة المسرح السعودي قبل ذلك - رغم أهميتها والجهود العظيمة التي بذلت فيها من المسرحيين السعوديين - كانت معتمدة في الغالب على الجهود الفردية وشبه الفردية ولم تتوفر لها البنية التحتية اللازمة ولا الدعم المالي الكافي، إضافة إلى ندرة الكوادر المتخصصة في دراسة المسرح.
> ما علاقة هذه المبادرة بالفرق المسرحية الناشطة؟
- يمكن أن أقول بوضوح إن المسرح الوطني سوف يعتمد على الفرق المحلية في الإنتاج كعنصر أساسي في أكثر من مسار بما في ذلك الدراما في التعليم، ليس بهدف توفير عدد من العروض ذات جودة عالية فقط في مختلف مناطق المملكة، بل للمساهمة في تطوير تلك الفرق جنباً إلى جنب مع تطور المسرح الوطني، والاستفادة من الخبرات المتميزة لدى البعض منها في مجال التمثيل والإخراج والتأليف وحتى التدريب والتطوير.
>... وكيف ستتعامل المبادرة مع جمعية المسرحيين وجمعيات الثقافة والفنون؟
- جمعية المسرحيين وجمعية الثقافة والفنون وكل المؤسسات الثقافية القائمة حالياً أصبحت من مسؤولية وزارة الثقافة، وهي تعمل الآن على تحقيق دراسة شاملة لمستقبل كل الجمعيات والمؤسسات الأهلية المعنية بالثقافة.
> تقولون إن المبادرة ستمثل حجر الأساس لتوفير منصة للإبداع المسرحي وفنون الأداء... هل لديكم تصور لكيفية احتضان هذه الفنون وتقديمها؟
- تصورنا لتحقيق تلك الأهداف سوف ينمو تدريجياً ويتطور في كل عام مستعينين بالكادر السعودي المتوفر وبعض الخبرات اللازمة من الدول العربية والأجنبية حتى تكتمل سعودة قطاع المسرح والإنتاج بالكامل. وكما قلت عمل المسرح الوطني سوف يوزع على مسارات متوازية في كل أشكال المسرح وفنون الأداء، بحيث نضمن جودة الإعداد وتصميم خطط العمل لكل مسار وتفرعاته على حدة قبل التنفيذ، بهدف الحصول على مخرجات ناجحة، وتقييم واضح للأداء في كل عناصر العمل منذ البداية وحتى النهاية.
> وكيف ستكون علاقة المسرح الوطني بالجمهور السعودي؟
- نحن نؤمن بأن المسرح فن وظاهرة اجتماعية بالدرجة الأولى؛ وقد وضعت أساس رؤية المسرح الوطني على اعتبار أن الجمهور المحلي هو الهدف الأول وحتى العاشر، وسوف نستهدف الجمهور المحلي بتقديم أعمال راقية جاذبة له وممتعة ومفيدة، ومن أجل ذلك سوف نستلهم من عمق تراثنا وتقاليدنا وثقافتنا الأصيلة قضايانا الملحة في النص وعروضنا المسرحية لنعزز معاً نحن والجمهور الهوية الخاصة للمسرح السعودي دائماً، ومن دون أن نغفل أهمية الاستفادة والتفاعل مع أهم التجارب العالمية الحديثة.
> هناك ما يسمى الاستثمار في الثقافة... ماذا تقول عن ذلك؟
- نحن أيضاً سوف نستثمر في الثقافة المسرحية، وفي الإنتاج وتقديم العروض، هذا مهم ليس فقط من أجل استدامة عطاء المسرح وتطويره، بل من أجل بناء علاقة تبادلية محفزة بين المسرح والجمهور أيضاً، وتوفير دخل ذاتي مهم للمسرح والعاملين فيه، بحيث يقل تدريجياً الاعتماد الكلي على دعم الدولة الكامل للمسرح، وذلك أحد أهم أهداف رؤية المملكة 2030 لمشروع الثقافة المستدامة.
> قلت إن المبادرة تتجه لتنشيط التدريب والتطوير في مجال المسرح، هل هناك أكاديمية للفنون المسرحية؟
- يعدّ مسار التدريب والتطوير من أهم المسارات التي سيعمل عليها المسرح الوطني لأنه يحقق الفائدة ويخدم كل المسارات ومن ضمنه تصميم وتنفيذ برامج طموحة لاكتشاف المواهب المسرحية السعودية قيد الدراسة حالياً، تمهيداً لإطلاقه في عام 2021 بإذن الله، أما الدراسات المتخصصة في مختلف علوم المسرح ومنها البرامج متوسطة وبعيدة المدى فسوف تكون من مسؤولية برنامج الابتعاث الذي أطلقته الوزارة مؤخراً، إضافة إلى الأكاديميات الفنية التي تضمنتها استراتيجية وزارة الثقافة.
> ماذا بشأن مشاركة المرأة في الأداء المسرحي؟
- بلا شك سوف يضفي حضور المرأة على خشبة المسرح بهجة وقوة على العروض المسرحية، فهي المكمل والعنصر الناقص دائماً في مسرحنا سابقاً، ولكن حضورها سيكون حضوراً جاداً وراقياً منسجماً مع عاداتنا وتقاليدنا، لتكون شريكاً بالكامل في المنعطف الذي سوف يسلكه مسار المسرح الوطني.

المسرح السعودي... بداية متأخرة ومسيرة متعثرة... ومستقبل واعد
> تاريخياً، بدأ المسرح السعودي متأخراً عن أمثاله في العالم العربي، وحتى في بعض دول الخليج، ورغم الحراك الثقافي السعودي، ظلّ المسرح متعثراً وبطيء النمو، ومتأخراً في النشأة والتأسيس، بسبب الموقف العام من الفنون الأدائية والبصرية، شأنه شأن السينما، فقد تأسس المسرح العربي قبل نحو 160 عاماً على يد مارون النقاش (1817 - 1855) الذي قدم أول مسرحية عربية عام 1847 في بيروت حملت اسم «البخيل»، لكن هذا الفن احتاج لأكثر من قرن ليتبرعم وينمو ببطء في السعودية، وقد أدى التواصل مع الحواضر الثقافية العربية خصوصاً في مصر لبروز تجارب مسرحية خاصة في الحجاز، وكان أول نص مسرحي ألفه الشاعر حسين عبد الله سراج عام 1932، وهو العام الذي أعلن فيه توحيد السعودية. كان الشاعر حسين سراج أول من كتب المسرحية الشعرية، بفعل تأثره بالتجربة المصرية، وقد كتب المسرحية الشعرية «الظالم نفسه» عام 1932 ومسرحية «جميل بثينة» عام 1943 ومسرحية «غرام ولادة» عام 1952، كما كتب مسرحية «الشوق إليك» عام 1974.
وكتب الدكتور عصام خوقير المسرحية النثرية «الدوامة» عام 1959، ومسرحية «السعد وعد»، كما كتب عبد الله عبد الجبار مسرحية «العم سحنون» و«الشيطان الأخرس» عام 1945. وكتب أحمد عبد الغفور عطار مسرحيتي «الهجرة» و«الملحمة» 1946. وألف محمد مليباري نصَي «مسيلمة الكذاب» و«فتح مكة» 1960. وعاد عصام خوقير بنص «الليل لما خلى»، وكتب إبراهيم حمدان نص مسرحية نسائية بعنوان «مونوكليا».
وقد شهدت نهاية الخمسينات أولى بوادر التجربة المسرحية السعودية، حين أسس أحمد السباعي مسرح قريش في مكة المكرمة، وقام بتأسيس فرقة مسرحية في مكة، ومدرسة للتمثيل، أطلق عليها اسم «دار قريش للتمثيل الإسلامي»، واختار مسرحية «صقر قريش» لتعرض في ليلة الافتتاح (1960)، لكنّ هذه التجربة تعرضت للإجهاض قبل أن ترى النور.
ومع تأسيس جمعية الفنون الشعبية عام 1970، تلاه إنشاء قسم الفنون المسرحية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب عام 1974، وتأسيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، أخذ الاهتمام بالمسرح يتصاعد، وبرز دور جمعية الثقافة والفنون راعياً للتجارب المسرحية، التي اتخذت صبغة اجتماعية في عروضها ومواضيعها.
وقد أرست «رؤية السعودية 2030» انطلاقة جديدة للثقافة السعودية باعتبارها من أهم محركات التحول الوطني نحو التنمية البشرية. وأطلقت وزارة الثقافة حزمة مبادرات تتضمن 27 مبادرة (تنتمي إلى 16 قطاعاً ثقافياً) لتكريس الثقافة نمط حياة في المجتمع، والثقافة من أجل النمو الاقتصادي، والثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة الدولية... ونصّت المبادرة السادسة على تأسيس «الفرقة الوطنية للمسرح».



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.