رغم القذائف العشوائية «مفوضية اللاجئين» تواصل عملها في ليبيا

«اللجنة الوطنية» تعلن رفضها أي مشروع دولي لتوطين المهاجرين

TT

رغم القذائف العشوائية «مفوضية اللاجئين» تواصل عملها في ليبيا

تراجعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين العاملة في ليبيا عن قرار تعليق عملها، وأكدت بقاءها واستمرارها في «تقديم الخدمات من أجل اللاجئين المشردين هناك»، بعدما أعلنت نهاية الأسبوع أنها ستوقف عملها التشغيلي في مركز «التجمع والمغادرة» بالعاصمة طرابلس، بسبب «المخاطر الأمنية من استمرار حرب العاصمة».
ويأتي قرار العدول عن مغادرة البلاد على خلفية سقوط ثلاث قذائف عشوائية بالقرب من مقر «تجمع ومغادرة» اللاجئين في مدينتي طرابلس والزاوية الشهر الماضي، والذي كاد يودي بحياة المئات من المهاجرين غير النظاميين في ليبيا.
ونقلت بعثة مفوضية اللاجئين في ليبيا، على لسان رئيسها جان بول كافاليري، أنها «لن تتخلى عن اللاجئين أو المشردين»، بحسب تصريح أوردته عبر صفحتها على موقع «فيسبوك»، أمس، وأرجعت قرار تعليق العمل في مركز التجمع بطرابلس، والذي أعلنته أول من أمس، إلى «خوفها على سلامة وحماية الأشخاص في المنشأة وموظفيها وشركائها، وسط تفاقم الصراع في العاصمة طرابلس». معتبرة أن القرار «كان حتمياً»، إذ لم يعد أمام المفوضية «أي خيار سوى تعليق العمل في المرفق بعد علمها بأن التدريبات، التي يشارك فيها أفراد من الشرطة والجيش تجري على بعد بضعة أمتار من الوحدات، التي تؤوي طالبي اللجوء واللاجئين»، مضيفة: «نخشى من أن تصبح المنطقة بأكملها هدفاً عسكرياً، مما يعرّض حياة اللاجئين وطالبي اللجوء، وغيرهم من المدنيين للخطر». كما أشارت إلى نقل العشرات من اللاجئين المعرضين للخطر من المرفق إلى مواقع أكثر أمانا، بهدف إعادة توطينهم أو نقلهم إلى بلدان أخرى.
واستمراراً للأوضاع المرتدية لمراكز الإيواء في مدن غرب ليبيا، قال مسؤول بمركز إيواء لمهاجرين بالسبعة في طرابلس، لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن عشرات المهاجرين بالمركز «لا يزالون يعانون من نقص الغذاء، والخدمات الصحية، بسبب نقص التمويل اللازم». مبرزا أن «حكومة (الوفاق) لم تعتمد المخصصات المالية اللازمة لتوريد المواد الغذائية لمراكز الإيواء».
ووصل نهاية الأسبوع الماضي 500 طالب لجوء، كانوا محتجزين في مراكز ليبية إلى منطقة غاشورا شرق رواندا، ضمن البرنامج الأممي «آلية عبور الطوارئ»، في انتظار الانتهاء من دراسة ملفاتهم، التي تسفر عن نقلهم إلى دولة أوروبية أو كندا. وامتثلت رواندا بإجلاء المهاجرين ضمن اتفاقية، تم توقيعها في سبتمبر (أيلول) الماضي مع مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والاتحاد الأفريقي.
وسبق لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الإعلان بشكل مفاجئ، نهاية الأسبوع الماضي، أنها ستوقف عملها في موقع عبور للاجئين في العاصمة الليبية طرابلس، «خشية أن تصبح المنطقة هدفاً عسكرياً، ما يعرض أرواح اللاجئين وطالبي اللجوء ومدنيين آخرين لخطر أكبر»، وذلك بعد قصف متبادل بين قوات «الجيش الوطني»، والقوات الموالية لحكومة «الوفاق».
وبدأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في نقل عشرات اللاجئين الأكثر احتمالا للتضرر، وهم الذين ينتظرون إعادة التوطين، إلى أماكن أكثر أمانا. وقالت إنها سوف تجلي مئات آخرين إلى مناطق حضرية.
وجرى إنشاء مركز لإيواء اللاجئين، الذين ينتظرون إعادة توطينهم في الخارج، وجاء المئات منهم إلى المركز العام الماضي، بعدما هربوا من مراكز أخرى تضررت جراء العمليات القتالية. وفي يوليو (تموز) الماضي، قتل 53 شخصاً وأصيب 130 آخرون في ضربات جوية على مركز للمهاجرين واللاجئين في إحدى ضواحي طرابلس في خضم قتال بين «الوفاق»، المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، وقوات الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر. وألقت حكومة «الوفاق» مسؤولية الهجوم في حينها على قوات الجيش، التي نفت استهداف المركز.
في شأن قريب، رفضت جمعيات حقوقية «تمديد مذكرة التفاهم حول الهجرة غير الشرعية»، التي تمت المصادقة عليها بين إيطاليا والمجلس الرئاسي في سنة 2017.
وقالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أمس، إنها ترفض «أي مقترح أو مشروع، أو بروتكول أو اتفاقية، أو مذكرة سياسية أو قانونية، يتم من خلالها إعادة المهاجرين أو توطينهم في ليبيا»، مشددة على أنها «لن تسمح بأي مشروع لتوطين المهاجرين من خلال الإبقاء عليهم في مراكز الاحتجاز ومخيمات الإيواء، وتحويل ليبيا لوطن بديل للمهاجرين القاصدين أوروبا».
وأعربت اللجنة عن «تخوّفها الكبير حيال مصير المهاجرين واللاجئين الأفارقة، العائدين إلى ليبيا من أوروبا، والذين ما زالوا في البلاد»، لافتة إلى تعرضهم لـ«جرائم وانتهاكات جسيمة في مراكز الإيواء والاحتجاز بغرب البلاد، التي تسيطر عليها جماعات مسلحة، من تعذيب جسدي ونفسي وسوء المعاملة والتعنيف».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم