لا منافس جدياً لترمب عند الجمهوريين وبايدن وساندرز في سباق ديمقراطي مرير

ولاية آيوا تفتتح سباق الرئاسة الأميركية الاثنين و«الثلاثاء الكبير» بعدها بشهر

لا منافس جدياً لترمب عند الجمهوريين وبايدن وساندرز في سباق ديمقراطي مرير
TT

لا منافس جدياً لترمب عند الجمهوريين وبايدن وساندرز في سباق ديمقراطي مرير

لا منافس جدياً لترمب عند الجمهوريين وبايدن وساندرز في سباق ديمقراطي مرير

يومان من الآن وتنطلق رسمياً الانتخابات الرئاسية الأميركية لاختيار مرشح واحد عن كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وخلال خمسة أشهر، ستجري الولايات الخمسون والأقاليم الأميركية الانتخابات التمهيدية أو المؤتمرات الحزبية، في الفترة ما بين فبراير (شباط) الحالي ويونيو (حزيران) المقبل.
ويعقب ذلك انعقاد المؤتمرات الحزبية العامة التي سيعلن فيها عن اسم المرشح لانتخابات الرئاسة الأميركية الـ59، التي تجري كل أربع سنوات، وتنعقد هذا العام في 3 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ظهر نظام الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة في أواخر القرن الميلادي التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كرد فعل ضد منظمات حزبية قوية وسيطرتها على الترشيحات والتعيينات. ويقال إن تطورين رئيسين أدّيا إلى تبني الكثير من الولايات الأميركية الانتخابات التمهيدية بدلاً من التجمعات الحزبية، هما: إدخال نظام الاقتراع السرّي الذي مكّن الناخبين من حرية التصويت لمرشحي الحزب، ورفض نظام المؤتمرات الحزبية لاختيار المرشحين.
تطوّر الانتخابات التمهيدية في السياسة الأميركية تعود جذوره إلى القلق بأن المؤتمرات الحزبية أو الجمعيات الانتخابية، كانت محكومة من قبل الأجهزة السياسية. ولقد أجريت أول انتخابات تمهيدية في ولاية مينيسوتا عام 1889 وبعد سنتين، تبنت الولاية الانتخابات التمهيدية بشكل إلزامي. وعام 1901 أجرت ولاية فلوريدا أول انتخابات تمهيدية.
وتنامت، من ثم، أهمية الانتخابات التمهيدية في نظام التصويت واختيار المرشحين في الولايات المتحدة وتعاظمت بصورة كبيرة خلال العقود الأخيرة. ونتيجة لذلك؛ إذ اكتسب الناخبون المزيد من التأثير على اختيار المرشحين في حين تراجعت قوة قادة الأحزاب والمنظمات.
وعلى الرغم من ذلك لا تزال ولايات كثيرة لا تجري انتخابات تمهيدية، بل تنظّم تجمعات حزبية، كولايات آلاسكا وكولورادو ونيفادا ويوتاه. وبالتالي، يجري اختيار وفود المندوبين في المؤتمرات الحزبية والجمعيات الانتخابية من قبل نشطاء الحزب والمسؤولين على كل مستوى من مستويات التنظيم الحزبي داخل كل ولاية.
وفي نهاية المطاف، فإن مؤتمرات الولاية تعمل على اختيار المندوبين إلى المؤتمر الوطني. وتميل اجتماعات اللجان الانتخابية لكونها مسيطراً عليها من قبل نشطاء الحزب الملتزمين بما فيه الكفاية بقضايا الحزب مما يدفعهم إلى المشاركة في كل مرحلة من مراحل الانتخابات.
من الناحية العملية، لا يمكن القول إن انتخابات الرئاسة الأميركية هي انتخابات مباشرة، لأن الناخبين يختارون عملياً مجموعة من المندوبين المحسوبين على المرشح الفائز في تلك الولايات والأقاليم، لمؤتمر الحزب الذي ينتخب بعد ذلك مرشحه الرئاسي.

- المَجمَع الانتخابي
حسب الدستور وقوانين اتحادية ومحلية في كل ولاية، ينتخب الرئيس من مجموعة مسؤولين يعرفون باسم «المجمع الانتخابي».
نظرياً، يختار ممثلو الولاية المرشح الذي فاز بأغلبية الأصوات، لكن هذا لا يحدث في كل الأحوال. فالفوز بسباق البيت الأبيض يحرزه من يحصل على 270 صوتاً من بين 538 عدد أعضاء «المجمع الانتخابي».
يتشكل هذا المجمع كل أربع سنوات من ممثلين عن كل الولايات، بحسب تمثيلها في الكونغرس، أي مجموع عدد الشيوخ لديها، فكل ولاية لديها عضوان في مجلس الشيوخ، وعدد النواب الذين يمثلونها في مجلس النواب، وهذا العدد يقرّره الناخبون.
وأكبر ست ولايات سكاناً – وبالتالي، تمثيلاً – هي كاليفورنيا (يمثلها 55 نائباً)، ثم تكساس (38) ثم كل من نيويورك وفلوريدا (29) ثم كل من إيلينوي وبنسلفانيا (20).
يعطي هذا النظام ثقلاً أكبر لولايات أصغر، ما يفرض على المرشح الحصول على عدد من الأصوات في كل الولايات. ويعني هذا أن هناك أهمية لبعض الولايات دون غيرها بالنسبة للمرشحين؛ لأن الولايات التي تتمتع بعدد كبير من السكان، لها عدد أكبر من أصوات الممثلين لها. ومن الممكن أن يفوز أحد المرشحين بغالبية الأصوات الشعبية، إلا أنه يخسر مع ذلك الانتخابات لخسارته الانتخابية المخصصة للولايات، كما حدث مع آل غور مرشح الحزب الديمقراطي في انتخابات عام 2000، وهيلاري كلينتون في 2016.
وتلقّب ولايات مثل آيداهو وآلاسكا وكثير من الولايات الجنوبية «بالولايات الحمراء» – نسبة للأحمر وهو اللون الذي يرمز للجمهوريين – وذلك لكون الجمهوريين يهيمن عليها منذ بضعة عقود. في حين تلقّب ولايات كاليفورنيا وإيلينوي ومعظم ولايات إقليم نيو إنغلاند في أقصى شمال شرقي البلاد بـ«الولايات الزرقاء» التي يهيمن عليها الديمقراطيون.
أما الولايات المتأرجحة فهي تلك التي تتغير ميولها بحسب المرشح. وعادة لا تنحو الحملات الانتخابية لإرسال مرشحين أو تستثمر أي موارد في الولايات التي ليس هناك أمل في الفوز فيها؛ إذ يدور معظم التنافس الرئاسي في الولايات المتأرجحة، مثل أوهايو وفلوريدا، ولقد انضمت ولايات أريزونا وبنسلفانيا وويسكونسن إلى الولايات المتأرجحة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة
وعلى الرغم من أن النظام الانتخابي الأميركي يسمح بوجود منافسين مستقلين ومن أحزاب أخرى كالتحرّريين (الليبرتاريين) اليمينيين و«الخضر» اليساريين، فإن هذا النظام يقوم عملياً على وجود حزبين كبيرين، هما الحزبان الديمقراطي (وسط) والجمهوري (يمين).
إذ يميل الحزب الديمقراطي إلى الليبرالية الحديثة؛ ذلك أنه يؤمن بتدخّل ولو محدوداً للدولة في الاقتصاد، وتوفير الرعاية الصحية للجميع، وتأمين التعليم برسوم غير باهظة، وببرامج مساعدات اجتماعية، وسياسات لحماية البيئة، وبوجود نقابات عمالية. أما الحزب الجمهوري، الذي يُعرف أيضاً بلقب «الحزب الكبير القديم»، فيتبنى ما يعرف بالاتجاه المحافظ، الذي يحدّ من تدخل الحكومة، ويشجع خفض الضرائب والسوق الرأسمالية الحرة، والحق في امتلاك السلاح وإلغاء النقابات العمالية، والتدين، وفرض قيود على الهجرة والإجهاض.

- الدستور أم الولاية أم الحزب
وفي حين لا يوجد نص في الدستور الأميركي ينظم الانتخابات والتجمّعات الحزبية التمهيدية، إلا أنها تجري بحسب قواعد الحزب وقوانين كل ولاية. بيد أن قوانين الأحزاب لا تشرف على تنظيم الانتخابات التمهيدية، بل تجريها حكومات الولايات، بالطريقة نفسها التي تجري بها الانتخابات العامة.
وتقرّر قوانين الولاية إذا ما كانت الانتخابات ستجري مغلقة، أي لا يصوت فيها إلا المسجَّلون في الحزب، أو مفتوحة... عندما يحق لغير المنتسبين للحزب المعني التصويت أيضاً.
وإذا فاز مرشح في الانتخابات التمهيدية، فإنه إما يفوز بأصوات ممثلي الولاية جميعها، وإما بنسبة منها، بحسب قواعد الحزب، ويصوّت هؤلاء الممثلون أنفسهم للمرشح نفسه في مؤتمر الحزب، الذي يعلن فيه رسمياً مرشحه لخوض انتخابات الرئاسة. وفي بعض انتخابات المجموعات الحزبية في الحزب الديمقراطي لا يوجد مثلاً صناديق اقتراع؛ إذ إن الأصوات يحددها اصطفاف الناخبين وقوفاً في مجموعات حول القاعة الموجودين فيها.
ومن المحتمل أن يعرف من هو مرشح الديمقراطيين قبل ذلك؛ لأن المرشحين يجمعون نقاطاً خلال كل انتخابات أولية أو انتخابات تجريها مجموعات حزبية.
وتستمر الحملة الانتخابية للمرشحين في الولايات المتحدة بحسب رغبة كل منهم، على عكس الكثير من البلدان، حيث يكون هناك فترة محددة للحملة.
وعلى الرغم من أن الحملات الانتخابية عادة ما تبدأ قبل نحو سنتين من يوم الاقتراع العام، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترمب خالف كل أسلافه. فقد أطلق حملته مبكراً، في 18 فبراير 2017، ودعيت «بالحملة التي لا تنتهي»، مستهدفاً ليس فقط منافسيه الديمقراطيين، بل والجمهوريين أيضاً. ولقد تكهن الكثير من النقاد والصحافيين والسياسيين بأن ترمب قد يواجه منافساً جمهورياً رئيسياً مهماً عام 2020، بسبب تراجع شعبيته التاريخية في استطلاعات الرأي، وارتباطه بمزاعم التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وإجراءات عزله الجارية، ودعمه سياسات لا تحظى بشعبية. ورغم نجاح ترمب في الحصول على دعم اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري التي دعت الجمهوريين إلى الوحدة خلفه، فإن ذلك لم يمنع عدداً من الجمهوريين إعلان ترشحهم ضده.

- المرشحون الجمهوريون والديمقراطيون
رسمياً، هناك ثلاثة جمهوريين آخرين هم: بيل (ويليام) ويلد الحاكم السابق لولاية ماساتشوستس والنائب السابق جو ويلش الذي كان من أشد مناصري ترمب، لكنه انشق عنه بعد عام 2016، وروكي دي لا فوينتي وهو مصرفي ومالك للكثير من وكالات تجارة السيارات. إلا أنه من المستبعد على نطاق واسع، رغم التكهنات السابقة، أن ينجح أي من هؤلاء في أن يكون منافساً جدياً لترمب.
الأمر مختلف تماماً على الجانب الديمقراطي، حيث ترشح في البداية 26 شخصاً، بقي منهم 11 مرشحاً ما زالوا يخوضون السباق عشية انطلاق الانتخابات التمهيدية والتجمعات الحزبية، هم: جو بايدن نائب الرئيس الأميركي السابق، والسيناتور اليساريي بيرني ساندرز، والسيناتورة الليبرالية التقدمية إليزابيت وارين، والسيناتورة آيمي كلوبوشار، والسيناتور مايكل بينيت، والنائبة تولسي غابارد، وبيتر بوتيجيج رئيس بلدية ساوث باند في ولاية إنديانا ورجل الأعمال الملياردير مايكل بلومبيرغ رئيس بلدية نيويورك السابق، وديفال باتريك حاكم ولاية ماساشوستس السابق، وتوم ستاير وهو مصرفي ورجل أعمال، وآندرو يانغ مطوّر البرمجيات. غير أن اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي اختارت 9 مرشحين اعتبرتهم على الأقل مؤهلين لخوض المناظرات التلفزيونية بناءً على معايير محددة، مستبعدة كلاً من آندرو يانغ وديفال باتريك.
ستكون الانتخابات التمهيدية والتجمعات الحزبية الرئاسية للحزب الديمقراطي لعام 2020 عبارة عن سلسلة من المنافسات الانتخابية التي ينظمها الحزب لاختيار ما يقرب من 3979 مندوباً للتصويت في انتخابات المؤتمر الوطني لانتخاب المرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة، والموافقة على برنامج الحزب ومرشح نائب الرئيس.
أما الانتخابات التمهيدية والحزبية الرئاسية للحزب الجمهوري فستختار من دون منافسة كبيرة، معظم المندوبين البالغ عددهم 2550 لإرسالهم إلى المؤتمر الوطني الجمهوري، الذي سيصوت على الأرجح على إعادة انتخاب ترمب ونائبه مايك بنس وعلى برنامج الحزب.
اختبار فبراير المبكر في 3 من فبراير الحالي سيُعقد أول التجمعات الانتخابية للحزبين الديمقراطي والجمهوري في ولاية آيوا، حيث جرى التقليد منذ بداية السبعينات أن تفتتح هذه الولاية الموسم الانتخابي. وعلى العموم ستختار ثلاث ولايات هي آيوا ووايومنغ ونيفادا، بجانب أربعة أقاليم مرشحها الرئاسي عبر تجمّعات حزبية، في حين تختار باقي الولايات مرشحها عبر الانتخابات التمهيدية.
ويوم 11 فبراير تفتتح ولاية نيوهامبشير أول انتخابات تمهيدية للحزبين. ويوم 3 مارس (آذار) الذي يعرف بـ«الثلاثاء الكبير» ستجري 14 ولاية انتخابات تمهيدية، وكذلك يجري إقليم ساموا الأميركية تجمعه الانتخابي أيضاً.

- الانتخابات والتجمعات التمهيدية
وبحسب جدول الانتخابات التمهيدية والتجمعات الحزبية لدى الحزبين، ستجري الولايات والأقاليم الأميركية انتخاباتها في المواعيد التالية:
3 فبراير و11 و22 و29 منه تجمع انتخابي للحزبين في ولاية آيوا، وانتخابات تمهيدية للحزبين في ولاية نيوهامبشير، وتجمع انتخابي في ولاية نيفادا، وانتخابات تمهيدية في ولاية ساوث كارولينا.
3 مارس - «الثلاثاء الكبير» – تجري انتخابات تمهيدية في 14 ولاية، هي: ألاباما، واركنسو، وكاليفورنيا، وكولورادو، وماين، وماساتشوستس، ومينيسوتا، ونورث كارولينا، وأوكلاهوما، وتينيسي، وتكساس، ويوتاه، وفيرمونت، وفيرجينيا.
10 مارس و17 و24 منه تجري ولايات آيداهو، وميتشغان، وميسيسبي، وميسوري، وواشنطن انتخاباتها التمهيدية للحزبين، وولاية نورث داكوتا تجمعها الحزبي، وكذلك ولايات أريزونا، وفلوريدا، وإيلينوي، وأوهايو انتخاباتها التمهيدية، ثم ولاية جورجيا. وفي 29 منه انتخابات تمهيدية للديمقراطيين في بورتو ريكو، أما الجمهوريون فسيجرونها في 7 يونيو.
4 أبريل (نيسان) تجرى انتخابات تمهيدية للحزبين في ولايات آلاسكا وهاواي ولويزيانا، وينظّم تجمع انتخابي في ولاية وايومنغ. ويوم 7 منه تجرى انتخابات تمهيدية في ولاية ويسكونسن، ويوم 28 منه في ولايات كونتيكت، وديلاوير، وميرلاند، ونيويورك، وبنسلفانيا، ورود آيلاند.
2 مايو (أيار) تجرى انتخابات تمهيدية في ولاية كنساس وينظم تجمع انتخابي في جزيرة غوام. وأيام 5 و12 و19 منه تجرى انتخابات تمهيدية في ولايات إنديانا، ونبراسكا، وويست فيرجينيا، وكنتاكي، وأوريغون.
2 يونيو تجرى انتخابات تمهيدية في العاصمة واشنطن، وولايات مونتانا، ونيوجيرزي، ونيو مكسيكو، وساوث داكوتا، ويُنظم يوم 6 منه تجمع انتخابي في إقليم فيرجين إيلاندز (الجزر العذراء). غير أن ولايات آلاسكا، وأريزونا، وهاواي، وكنساس، ونيفادا، وساوث كارولينا، وفيرجينيا، ألغت الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، حيث من المتوقع أن تعطي أصوات مندوبيها إلى الرئيس دونالد ترمب.

- «المؤتمر الوطني» للديمقراطيين
أخيراً، تتوّج هذه المسيرة من الانتخابات التمهيدية بانعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي بين 13 و16 يوليو (تموز) في مدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن للإعلان عن مرشحه الرئاسي، في حين ينعقد مؤتمر الحزب الجمهوري بين 24 و27 أغسطس (آب) في مدينة تشارلوت في ولاية نورث كارولينا. وفي حين يجري المرشحون الديمقراطيون أيام 7 و19 و25 فبراير آخر ثلاث مناظرات انتخابية من أصل 10، ستجرى في 29 سبتمبر (أيلول) أولى المناظرات الرئاسية التلفزيونية بين مرشحي الحزبين، على أن يتبعها مناظرتان في 7 و22 أكتوبر (تشرين الأول)، ومناظرة بين المرشحَيْن لمنصب نائب الرئيس في 15 منه، لتجري الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر.

- «الثلاثاء الكبير»
دخل نظام «الثلاثاء الكبير» حيز التنفيذ عام 1988 لمواجهة ما يسمى بـ«متلازمة ولاية آيوا». إذ باتت آيوا، التي تجري فيها أول انتخابات تمهيدية في السباق الرئاسي، لانتقادات لأنها ليست مؤشراً على ما يريده جمهور الناخبين في الولايات المتحدة، وغالباً ما يقضي المرشحون أشهراً للإعداد لحملاتهم هناك. ولذا؛ فإن الهدف من «الثلاثاء الكبير» هو وضع المرشحين أمام اختبار قاس وتحمّل تكاليف خوض حملة وطنية بموارد مالية كافية، تمكّنهم من الوصول للحظة حاسمة تقنع الناخبين على التمييز بين المرشحين القادرين وغير القادرين على الاستمرار في السباق الانتخابي.
تجري 14 ولاية هذا العام انتخابات تمهيدية هي: ألاباما، واركنسو، وكاليفورنيا، وكولورادو، وماين، وماساتشوستس، ومينيسوتا، ونورث كارولينا، وأوكلاهوما، وتينيسي، وتكساس، ويوتاه، وفيرمونت، وفيرجينيا. وكذلك يجري إقليم ساموا الأميركية تجمعه الانتخابي أيضاً.

- أهمية انتخابات ولاية آيوا
اكتسب التجمع الانتخابي التمهيدي في ولاية آيوا (وسط البلاد الشمالي)، التي يقوم اقتصادها على العمل الزراعي، أهميته خلال السبعينات حين حقق المرشح الديمقراطي السيناتور جورج ماكغفرن، نتائج غير منتظرة فيها. ورغم خسارة ماكغفرن (وهو من ولاية ساوث داكوتا المتاخمة لآيوا) للانتخابات الرئاسية أمام منافسه الجمهوري ريتشارد نيكسون عام 1972 في نهاية السباق، فإن الولاية تركت بصمتها على حملته الانتخابية ومكّنته من الفوز في كل الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في مفاجأة أذهلت المراقبين.
ومنذ هذا الانتصار، صار الإعلام بكل أطيافه يولي أهمية خاصة لاقتراع آيوا، وهو العامل الذي منح هذه الولاية دوراً سياسياً بارزاً ضمن حلبة الصراع الانتخابي في الولايات المتحدة.
ومن ثم، ازدادت أهمية هذه الولاية خلال الانتخابات الرئاسية عام 1976 حين تمكن الرئيس السابق جيمي كارتر، الذي كان شخصية مغمورة حينها، من تحقيق اختراق مفاجئ فيها أيضاً. وبسبب مواردها المحدودة نسبياً، فإن هذه الولاية تشهد تفوقاً ملحوظاً للمرشحين المخلصين ذوي الموارد المحدودة أيضاً.

- آخر استطلاع قبل آيوا
أظهر استطلاع للرأي نشرته جامعة مونماوث يوم الأربعاء، أن جو بايدن وبيرني ساندرز يتقدمان على باقي المتنافسين الديمقراطيين. واستطلعت الدراسة آراء 544 من الأعضاء المحتملين في مجلس الشيوخ عن ولاية آيوا، بهامش خطأ عند 4.2 نقطة مئوية. حصل بايدن على تأييد 23 في المائة من أصوات أعضاء التجمع الانتخابي المحتملين، يليه ساندرز بنسبة 21 في المائة. وحل بيتر بوتيجيج بنسبة 16 في المائة، وإليزابيث وارين بنسبة 15 في المائة، وآيمي كلوبوشار 10 في المائة.
وأظهر الاستطلاع، أن بايدن حصل على دعم 37 في المائة من الناخبين الأكبر سناً (65 سنة) وما فوق والأكثر اعتدالاً، مقابل 9 في المائة لساندرز. وحقق الأخير تقدماً في الشريحة العمرية التي تقل عن 50 سنة والأكثر ليبرالية؛ إذ حصل على تأييد 39 في المائة، في حين حصل بايدن على تأييد 7 في المائة منها.
ومن بين المشاركين في الاستطلاع الذين يقولون إنهم «ليبراليون للغاية»، يتقدم ساندرز بنسبة 41 في المائة على وارين التي حصلت على 23 في المائة. أما من يقولون إنهم «معتدلون» أو «محافظون» فحصل بايدن على تأييد 33 في المائة منهم، وبوتيجيج على تأييد 17 في المائة، وكلوبوتشار على 13 في المائة.


مقالات ذات صلة

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة جوية لمدينة هرجيسا (من منصة أكس)

«أرض الصومال»... إقليم «استراتيجي» يبحث عن هدف صعب

بين ليلة وضحاها، غزا إقليم «أرض الصومال» - «الصومال البريطاني» سابقاً - عناوين الأخبار، ودقّ ذاكرة المتابعين، إثر إعلان توقيعه مذكرة تفاهم تمنح إثيوبيا منفذاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.