كاترينا ساكيلاروبولو... كسرت التقاليد في اليونان

أول امرأة تتربع على رأس هرم السلطة في البلاد

كاترينا ساكيلاروبولو... كسرت التقاليد في اليونان
TT

كاترينا ساكيلاروبولو... كسرت التقاليد في اليونان

كاترينا ساكيلاروبولو... كسرت التقاليد في اليونان

تؤكد اليونان، في مستهل العقد الثالث من القرن الـ21، موقعها الصحيح الحاسم في العالم المتقدم الحديث، من خلال صعود امرأة إلى رأس هرم السلطة في البلاد لأول مرة في تاريخ بلاد الإغريق الحديث.
هذا الحدث يتجسد بتولي القاضية كاترينا ساكيلاروبولو منصب رئاسة الجمهورية اعتباراً من 13 مارس (آذار) المقبل، وهو التاريخ الرسمي لانتهاء فترة الرئيس الحالي بروكوبيس بافلوبولوس. ولقد علّق مراقبون لـ«الشرق الأوسط» معتبرين التوافق على تعيين الرئيسة الجديدة «نصراً للمرأة اليونانية»، في حين رأى آخرون أن التركيز على مسألة الصراع بين الجنسين يقلل من قيمة الاختيار ومزايا الرئيسة.

لم تكن القاضية اليونانية كاترينا (اسمها الرسمي إيكاتيريني) ساكيلاروبولو (62 سنة) قبل يوم 15 يناير (كانون الثاني) المنصرم تعلم أنها ستغدو «حديث الساعة»، سواء داخل اليونان أو خارجها، في أعقاب اختيارها لتكون رئيسة للجمهورية اليونانية. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه لم تكن فكرة تعيين امرأة لهذا المنصب الفخري الرفيع وليدة اللحظة، لا سيما عند رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس الذي كان وراء ترشيحها، إذ تردد خلال السنوات العشر الأخيرة تقريباً في وسائل الإعلام كلام كثير عن احتمال ترشيح دورا باكوياني، وزيرة الخارجية السابقة شقيقة ميتسوتاكيس الكبرى، أو يانا أنجيلوبولو رئيسة اللجنة الأوليمبية اليونانية 2004، للمنصب.

- بطاقة هوية
ولدت إيكاتيريني ساكيلاروبولو في مدينة ثيسالونيكي (سلانيك) الساحلية، عاصمة شمال اليونان، يوم 30 مايو (أيار) 1956، لعائلة من بلدو ستافروبولي بإقليم كزانثي (أقصى شمال البلاد). وهي أم لولد واحد، ثم إنها سليلة عائلة عملت في السلك القضائي، وابنة قاض، هو نيكولاوس ساكيلاروبولوس الذي شغل منصب نائب رئيس المحكمة العليا.
تلقت تعليمها الجامعي في جامعة أثينا الكابوديسترية العريقة، كبرى جامعات اليونان، وحازت فيها الإجازة في الحقوق، وتابعت دراساتها القانونية العليا في جامعة باريس 2 (بانثيون - أساس) الفرنسية متخصصة في القانون الدستوري وقانون البيئة، وهي تجيد بجانب اليونانية اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
انضمت إلى السلك القضائي كمقرّر في نوفمبر (تشرين الثاني) 1982، ولاحقاً انتخبت نائباً لرئيس المحكمة العليا في أكتوبر (تشرين الأول) 2015. وأصبحت أول امرأة ترأس هذه الجهة القضائية في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، بعد ترشيحها من قبل الحكومة السابقة، برئاسة أليكسيس تسيبراس.

- «تقدمية» رشحها «محافظ»
ساكيلاروبولو التي تعد «تقدمية» في اهتماماتها وهويتها السياسية، بعكس توجهات رئيس الحكومة المحافظ، تميزت بشكل خاص في ملفات حماية البيئة، مع الحرص في الوقت نفسه على الحفاظ على الاستثمار في البلاد التي شهدت أزمة مالية استغرقت عقداً من الزمن. ومن ثم، فإنها واجهت في هذا السياق انتقادات لأنها دافعت عن مشروع استثمار مثير للجدل لشركة مناجم كندية في شمال اليونان. وبناءً عليه، جاء وصولها إلى رأس السلطة في اليونان ورقة رابحة في يد الحكومة المحافظة التي تراهن على الطاقة المراعية للبيئة من أجل إنهاض البلاد.
ومن ناحية ثانية، يصف عدد من المراقبين اختيار ميتسوتاكيس «المحافظ» لساكيلاروبولو «التقدمية» أكثر من انتصار رمزي للنساء. ويذهبون إلى حد القول إنه شيء أعمق من النصر على مستوى الرمزية، أو النصر في معركة الجنسين؛ ذلك أنه في صباح اليوم التالي لاختيار ساكيلاروبولو، صدم مواطنو أثينا من الملصقات ضد الإجهاض في محطات المترو وسط العاصمة. وعلى عجل، في غضون ساعات قليلة، جُمعت اللافتات، ونُظمت حملة تهدف إلى الإشارة إلى الإرادة الحرة للمرأة. ومن ثم، يرى عدد من المراقبين أن اختيار ساكيلاروبولو ربما جاء عمداً ليمثل تعايش النزعتين «المحافظة» و«التقدمية» في اليونان.
وفي اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» مع مواطنة يونانية اسمها ديميترا، هي جارة للرئيسة الجديدة التي تسكن في حي ميتاكسورجيو الشعبي، وسط العاصمة أثينا، قالت ديميترا إن «ساكيلاروبولو ولدت لتكون زعيمة، وهذا واضح من شخصيتها»، وتابعت: «جاء اختيارها أيضاً في الوقت المناسب، عندما آن أوان التغيير»، ثم قالت: «... الحقيقة أن ساكيلاروبولو امرأة ذات قيمة، وتتمتع بـ(كاريزما) تمكّنها من كسر جميع الحواجز، والوصول إلى المراكز العليا، وإلا ما كانت لتصل إلى مركز رئيس مجلس الدولة».

- شخصية عادية بسيطة
ومع هذا، يقول مقربون من الرئيسة الجديدة إنها شخصية عادية بسيطة، تفضل أن يطلق عليها اسم «كاترينا»، بدلاً من إيكاتيريني. وفي لقاءات مع «الشرق الأوسط»، اعتبر بعض المواطنين أن اختيار ساكيلاروبولو لا يرمز إلى أي شيء، وحتماً لا يرسل رسالة المساواة والتقدم، كما يدعي البعض، بل يرى هؤلاء أن التركيز على مسألة الصراع بين الجنسين يقلل من قيمة الاختيار.
ويرى آخرون أن ساكيلاروبولو ليست مجرد صورة بجوار تعليق «المفاجأة، اختيار أول امرأة رئيسة للجمهورية»، بل هي شخصية ذات تاريخ وقيمة وعمل، تتفوق بكثير على الأسماء الأخرى التي كانت تتردد أسمائها كمرشحين للمنصب، ويشيرون إلى أنها رائدة في مجال العدالة، وقائدة في المسائل البيئية، وأن النضالات التي خاضتها وانتصرت فيها ستجنبها الضربات والتحديات. ويشدد أصحاب هذا الرأي على أن المسألة أكبر من أنها امرأة فقط... بينما يدور النقاش عن الاستدامة وتغير المناخ، وهما في صميم دراساتها وأعمالها، وبالتالي ريادتها.
المحلل السياسي بيتروس زوماس -وهو من أصل عربي- قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن ترشيح رئيس وزراء اليونان القاضية ساكيلاروبولو لمنصب رئاسة الجمهورية سابقة فريدة من نوعها، وتابع أن الرئيس ميتسوتاكيس ضرب بهذا الاختيار عصفورين بحجر واحد، لأنه كان قد تعرض إلى انتقادات خاصة من حزب المعارضة، وذلك لأن الحكومة الحالية لحزب الديمقراطية الجديدة المحافظ الحاكم لا تضم عدداً كافياً من النساء، ولا ينسجم ذلك مع الطروحات الحكومية عن المساواة، وإعطاء المرأة مكانة توازي مكانة الرجل. وبالتالي من خلال هذا القرار، استطاع رئيس الوزراء المحافظة على التوازن، والرد على الانتقادات التي وجهت له ولحكومته.
أيضاً أشار زوماس إلى أن رغبة رئيس الوزراء وحكومته كانت اختيار شخصية يتفق عليها الجميع، خاصة حزب المعارضة اليساري الرئيسي «سيريزا»، بحيث يلتف الجميع حول الرئيس الجديد، فيغدو عامل توحيد لا عامل فرقة. وهكذا، جاء اختيار ساكيلاروبولو ليضع أحزاب البرلمان الصغيرة الأخرى في موقع لا يُحسد عليه، فما كان باستطاعتهم رفض هذا الترشيح، لأنهم كانوا إذ ذاك سيتهمون بالتعصب.

- يوم الاختيار التاريخي
يوم الأربعاء 22 من يناير (كانون الثاني)، بموافقة 261 نائباً من أصل 300 نائب، انتخب البرلمان اليوناني القاضية خبيرة القانون الدستوري وقانون البيئة لتكون أول امرأة في تاريخ اليونان ترأس الجمهورية. وجاء التصويت بالموافقة على الرئيسة الجديدة من قبل الأحزاب الثلاثة الكبيرة في البرلمان اليوناني، وفق ما أعلنه رئيس البرلمان كوستاس تاسولاس، وهي: حزب الديمقراطية الجديدة الحاكم و«سيريزا» وحركة التغيير.
وحقاً، انتخبت ساكيلاروبولو في الدورة الأولى للاقتراع بعد تسميتها من قبل رئيس الحكومة ميتسوتاكيس، وهو أمر غير مسبوق في انتخابات رئاسية يونانية. ويذكر أن رئيس الحكومة وصفها في تصريحات سابقة بمرشحة «الوحدة» و«التقدم»، وقال إنه اختارها لأنها بعيدة عن الانقسامات الحزبية التقليدية في البلاد.
وبعد الانتخاب في الاقتراع الأول، بما يتجاوز بكثير الثلثين المطلوبة من مجلس النواب، أعلن انتخاب الرئيسة الجديدة رسمياً. وجاء في رد ساكيلاروبولو قولها: «أنا مدركه تماماً للمسؤولية التي سأتحملها»، ثم تعهدت «بالعمل مع البرلمان والحكومة والمعارضة»، قائلة: «سنعمل من أجل تحقيق أعلى توافق ممكن في الآراء، وأرسل رسالة بصوت عالٍ إلى جميع الأطراف بأن الحفاظ على السلامة الإقليمية شرط أساسي... إنني أتطلع إلى مجتمع يشفي جراح الماضي، ويتطلع إلى المستقبل بتفاؤل، وسأبذل قصارى جهدي لأداء دوري الدستوري».
وفي استطلاع للرأي فيما يتعلق باختيار ساكيلاروبولو رئيسة للجمهورية، أجاب 58 في المائة من المستفتين بأنهم يعتبرون الخيار إيجابياً إلى حد ما، مقابل31 في المائة اعتبروه سلبياً إلى حد ما، وامتنع 11 في المائة عن التأييد أو الرفض. أما على الصعيد الحزبي، فقد نال اختيارها نسبة تأييد بلغت 73 في المائة من ناخبي حزب الديمقراطية الجديدة (محافظ)، و53 في المائة من ناخبي «سيريزا» (يسار)، و66 في المائة من ناخبي حركة التغيير.
وأخيراً، فانتخاب كاترينا ساكيلاروبولو رئيسة للجمهورية اليونانية سيجعل منها واحدة ضمن مجموعة صغيرة من النساء اللواتي يشغلن أرفع المناصب السياسية في الاتحاد الأوروبي، ومن هؤلاء النساء أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا التي تتولي هذا المنصب منذ عام 2005، وصوفي ويلمز (44 سنة) البلجيكية الليبرالية التي عينت رئيس وزراء مؤقتاً في أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي، وشارل ميشيل التي أصبحت أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في بلجيكا.
جدير بالذكر أن الرئيسة الجديدة ستمثل اليونان في الاحتفال الكبير الذي يجري العمل عليه منذ فترة طويلة، وهو الاحتفال بمرور قرنين على الثورة اليونانية التي انطلقت عام 1821.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

 زارا فاغنكنيشت (رويترز)
زارا فاغنكنيشت (رويترز)
TT

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

 زارا فاغنكنيشت (رويترز)
زارا فاغنكنيشت (رويترز)

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في المائة مقابل 33 في المائة للديمقراطيين المسيحيين، و15 في المائة للاشتراكيين، و11 في المائة لحزب «الخضر».

لكن اللافت أن الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي لا يحظى حتى الآن بنسبة كافية لدخوله البرلمان الفيدرالي، فتأييده يقف عند 4 في المائة فقط، علماً بأن القانون يشترط الـ5 في المائة حداً أدنى لدخول البرلمان. كذلك سقط حزب «دي لينكا» اليساري المتشدد دون عتبة الـ5 في المائة، إذ يسجل حالياً نسبة تأييد لا تزيد على 3 في المائة بعد انقسامه، وتأسيس زارا فاغنكنيشت حزبها الشعبوي الخاص، الذي لا يبدو أيضاً -حسب الاستطلاعات- أنه سيحصل على نسبة أعلى من 4 في المائة. بالتالي، إذا صدقت هذه الاستطلاعات، فإن أربعة أحزاب فقط ستدخل البرلمان المقبل من أصل سبعة ممثَّلة فيه اليوم. وسيقلص هذا الاحتمال الخليط المحتمل للمشاركة في الحكومة الائتلافية القادمة، بسبب رفض كل الأحزاب التحالف مع حزب «البديل لألمانيا» رغم النسبة المرتفعة من الأصوات التي يحظى بها. وعليه، قد يُضطر الديمقراطيون المسيحيون إلى الدخول في ائتلاف مع الاشتراكيين و«الخضر» مع أنهم يفضلون أصلاً التحالف مع الليبراليين الأقرب إليهم آيديولوجياً.