بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من قرار البريطانيين الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، يشهد اقتصاد المملكة المتحدة مفارقات، إذ على الرغم من انخفاض الاستثمارات وتراجع النمو تسجل البطالة مستوى منخفضاً تاريخياً. لكن يمكن ملاحظة اتجاهات اقتصادية واضحة، لا سيما هبوط الاستثمارات، فيما كان الأداء الاقتصادي في عام 2018 سيئاً بشكل ملحوظ. وتباطأ النمو كذلك، حيث انخفض من 1.8 في المائة في 2017 إلى 1.4 في المائة في 2018، بحسب المكتب الوطني للإحصاءات، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية. بالنسبة لعام 2019 يمكن أن يسجل هبوطا بالنمو إلى 1.3 في المائة، وهو أضعف معدل للنمو منذ عام 2009. بحسب تقديرات اقتصاديين جمعتها وزارة المالية. لكن الوضع ليس سيئاً بالكامل. فالمملكة المتحدة ليست البلد الوحيد الذي شهد تباطؤاً في النمو في هذه الفترة، خصوصاً في ظل سياق عالمي تهيمن عليه حالة من عدم اليقين وتوتر تجاري. وتتوقع المفوضية الأوروبية أن يسجل نمو منطقة اليورو أيضاً نسبة 1.1 في المائة في عام 2019. كذلك، تبدو السوق البريطانية بحالة جيدة جداً، مع بلوغ نسبة البطالة 3.8 في المائة، الأدنى منذ 45 عاماً، ونسبة توظيف لم يسبق لها مثيل، بلغت 76.3 في المائة خلال ثلاثة أشهر حتى أواخر نوفمبر (تشرين الثاني). تواصل الرواتب بدورها الارتفاع بشكل أسرع من ارتفاع الأسعار (ارتفعت بنسبة 3.2 في المائة خلال عام مع نسبة تضخم 1.5 في المائة)، رغم أنها لم تصل بعد إلى المستوى الذي سبق الأزمة المالية في عام 2008، وعلى الرغم من تفاوتات صارخة في الأجور. وقد يكون لفوز بوريس جونسون في الانتخابات التشريعية منتصف ديسمبر (كانون الأول) وحالة الاستقرار والوضوح التي جلبها معه بعد أشهر من عدم اليقين أثر إيجابي على الاقتصاد البريطاني، بحسب عدة مؤشرات.
ففي 24 يناير (كانون الثاني)، أشارت التقديرات الأولية لمؤشرات مديري المشتريات، التي تقيس نمو النشاط الاقتصادي، إلى ارتفاع مستويات سجلت آخر مرة في سبتمبر (أيلول) 2018، بعد خمسة أشهر من التراجع. بالإضافة إلى ذلك، أظهر تحقيق نشر الأسبوع نفسه لاتحاد الصناعة البريطانية، أبرز تجمع لأصحاب الأعمال في البلاد، ارتفاعاً واضحاً بمستوى تفاؤل المستثمرين في قطاع التصنيع.
وارتفعت ثقة المستثمرين إلى 23 في المائة (إيجابية) خلال فترة ثلاثة أشهر انتهت في يناير، وهو أعلى مستوى منذ عام 2014 فيما كانت (سلبية) جداً في تحقيق سابق إذ بلغت ناقص 44 في المائة. وهذا الارتفاع الكبير في مستوى ثقة المستثمرين في الفترة الممتدة بين تحقيقين لم يسبق له مثيل منذ بدء نشر هذه الدراسات عام 1958، مؤشر آخر لأثر الانتخابات على الاقتصاد: ارتفعت أسعار العقارات التي كانت في حالة ركود منذ أشهر، بشكل كبير خلال يناير، بحسب موقع إعلانات العقارات «رايت موف». وتعهد رئيس الوزراء أيضاً بإنهاء التقشف وأعلن رفعاً للحد الأدنى للأجور بنسبة 6.2 في المائة في أبريل (نيسان)، الأعلى منذ 25 سنة. ومن شأن هذا الإجراء أن يعزز الاستهلاك وبالتالي يدفع بالنمو قدماً.
تبقى أسئلة كثيرة معلقة مع دخول بريكست حيز التنفيذ مساء الجمعة، خصوصاً تلك المتعلقة بمستقبل العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والمفاوضات مع الولايات المتحدة حول اتفاق تبادل تجاري حر. ويفترض أن تستمر فترة عدم اليقين لبضعة أشهر، ما قد ينتج عنه آثار سلبية على الاقتصاد. وقد يستمر النمو في التباطؤ. وقدّره المصرف المركزي البريطاني عند نسبة 1.2 في المائة في 2020. ومن المقرر أن يكشف المصرف المركزي عن تقديراته الجديدة الخميس، وعن قراره بشأن معدلات الفائدة، الذي قد يقرر تخفيضها من أجل تحفيز النشاط الاقتصادي. ويتوقع صندوق النقد الدولي من جهته نمواً بنسبة 1.4 في المائة لبريطانيا هذا العام، مقابل 1.3 في المائة لمنطقة اليورو.
مفارقات الاقتصاد البريطاني في ظلال {بريكست}
مفارقات الاقتصاد البريطاني في ظلال {بريكست}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة