خلافات الطاقة الروسية ـ البيلاروسية اختبار مبكر للاتحاد الاقتصادي الأوراسي

بيلاروسيا تتجه نحو النفط الكازاخي

TT

خلافات الطاقة الروسية ـ البيلاروسية اختبار مبكر للاتحاد الاقتصادي الأوراسي

تواصل بيلاروسيا توجهها نحو التقليل من الاعتماد على النفط الروسي وتوفير بدائل له. وفي ظل غياب أي مؤشرات تدعو للتفاؤل بإمكانية تجاوز الخلافات المستمرة منذ العام الماضي مع روسيا حول شروط اتفاقية الإمدادات النفطية الروسية للسوق البيلاروسية عام 2020، حصلت بيلاروسيا على أول كمية من «النفط البديل» من النرويج، وتتجه نحو اتفاق نفطي مع كازاخستان، تفرض الجغرافيا روسيا طرفاً مؤثراً فيه.
ورغم إصرار الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو على وصف روسيا بـ«الأخ الأكبر» وتأكيده أنها «الحليف الأهم» لبلاده، فإن وجه لها أخيراً انتقادات لاذعة، وحملها المسؤولية عن تعثر مفاوضات اتفاقية النفط للعام الحالي. وبينما تبقى الخلافات بين الحليفين الروسي والبيلاروسي محصورة في «الإطار الثنائي»، يحذر مراقبون من تداعياتها على العلاقات، لا سيما التكامل بين دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يمثل واحداً من أهم «أطر» النفوذ الروسي في الفضاء السوفياتي سابقاً.
إلى ذلك، وفي خطوة ستساهم في تعزيز مكانة الروبل بصفته عملة في التبادل التجاري والمدفوعات داخل أسواق الاتحاد، كشفت وزارة المالية الروسية عن خطة لاعتماد الروبل في الإقراض الخارجي، وبصورة خاصة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوراسي.
وبعد تسريبات لم تكن مؤكدة حول محادثات تجريها بيلاروسيا مع كازاخستان للحصول منها على النفط الخام، للتعويض عن جزء من الصادرات النفطية الروسية لأسواقها، أكدت الحكومة الكازاخية، أمس، تلك المحادثات. وقال مراد جوربيكوف، النائب الأول لوزير الطاقة الكازاخي، في حديث للصحافيين إن الطرفين يبحثان حالياً إمكانية تصدير النفط الكازاخي إلى بيلاروسيا إما عبر السكك الحديدية، أو عبر شبكة أنابيب «أتيراو - سمارا»، دون أن يستبعد الاستفادة لهذا الغرض من شبكة أنابيب «دروجبا». ويتم عبر الشبكة الأولى نقل النفط من حقل «أوزين» جنوب غربي كازاخستان، حتى مقاطعة سمارا الروسية. وتمتلك شركة «كازترانس أويل» الكازاخية الأجزاء من شبكة الأنابيب الممتدة داخل كازاخستان، حتى الحدود مع روسيا، بينما تمتلك شركة «ترانس نفط غاز» الجزء الذي داخل الأراضي الروسية، وتربطه في سمارا بأنابيب شبكة «دروجبا» التي يتم عبرها نقل النفط بما في ذلك إلى بيلاروسيا، وبعض دول شرق أوروبا.
هذا «الواقع الجغرافي» لمسارات شبكات الأنابيب، يفرض روسيا طرفاً ثالثاً مؤثراً، على المحادثات بين حليفتيها؛ بيلاروسيا وكازاخستان، لأن النفط الكازاخي يجب أن يمر حتماً عبر الأراضي الروسية لدخول بيلاروسيا. وكان الرئيس لوكاشينكو اتهم روسيا، التي وصفها بأنها «حليف» في وقت سابق، بأنها «لا تعطي الموافقة على إمدادات النفط من حليفنا الآخر». وفي تصريحاته أمس بهذا الصدد، قال نائب وزير الطاقة الكازاخي إن بلاده لا تبحث مسألة ترانزيت النفط لبيلاروسيا عبر الأراضي الروسية، لافتاً إلى أن استخدام شبكة أنابيب «دروجبا» لتصدير الغاز من كازاخستان إلى بيلاروسيا، مبادرة بيلاروسية، وبالتالي يجب على الجانب البيلاروسي أن يجري محادثات مع روسيا للحصول على موافقتها. ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت موسكو منحت تلك الموافقة أم لا، ولا معلومات كذلك حول محادثات روسية - بيلاروسية بهذا الصدد.
وفي وقت سابق قال الرئيس البيلاروسي إن بلاده لا تسعى إلى التخلي عن النفط الروسي نهائياً، لكنه شدد على ضرورة العمل لتنويع مصادر النفط للسوق البيلاروسية، والاعتماد على روسيا في توفير ما بين 30 و40 في المائة فقط من احتياجات بلاده النفطية، و30 في المائة عبر البلطيق، ومثلها عبر أوكرانيا، من منتجين خارجيين. وأعلنت مينسك منذ أيام عن اتفاق للحصول على النفط من النرويج عبر موانئ جمهوريات البلطيق. وتسلمت مصفاة نفط في بيلاروسيا أول من أمس الكمية الأولى من النفط النرويجي.
في غضون ذلك، واصل الرئيس لوكاشينكو انتقاداته اللاذعة لروسيا، وبعد تأكيده على أن «روسيا حقيقة تبقى الحليف الرئيسي لنا»، قال خلال زيارة إلى مصنع يوم 24 يناير (كانون الثاني) الحالي، إن ما يريده «أن تكون الشروط متساوية» للبلدين، واتهم روسيا بأنها «أغلقت أسواقها بوقاحة ودون أسباب أمام المنتجات البيلاروسية»، وحمل حكومة ميدفيديف التي استقالت مؤخراً المسؤولية عن الخلافات حول الصادرات النفطية، وقال إن «عدم التوصل لاتفاق، وبقاء الخلافات سببه أن روسيا طلبت منا أسعاراً للنفط أعلى من العالمية»، موضحاً في الوقت ذاته بالنسبة لصادرات الغاز الروسي إلى بلاده أنه لم يطلب أسعاراً مخفضة، لكنه طالب بسعر موحد للغاز في السوقين الروسية والبيلاروسية، حتى تتوفر شروط متساوية لعمل شركات البلدين، وفق ما تنص عليه اتفاقية تأسيس الدولة الاتحادية الروسية - البيلاروسية، وكذلك اتفاقيات الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، حول التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
ومع أن الخلافات حول ملفات الطاقة بين الحليفتين روسيا وبيلاروسيا لم تخرج بعد عن «الإطار الثنائي»، فإن مراقبين يحذرون من تداعياتها على الخطوات التكاملية ومجمل التعاون بين دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي تقوده روسيا بوصفها أكبر قوة اقتصادية فيه. وفي خطوة رأى البعض أنها ستعزز نفوذ روسيا في اقتصاد دول الاتحاد الأوراسي، وفي الجمهوريات السوفياتية السابقة بشكل عام، كشف آندريه بوكاريف، مدير قسم العلاقات المالية الدولية في وزارة المالية الروسية، عن خطة لاعتماد الروبل في إقراض المؤسسات والحكومات الأجنبية، وقال في حديث لصحيفة «إزفستيا»، إن «نقاشات نشطة تجرى حالياً حول هذه الموضوع، بما في ذلك مع المقترضين المحتملين»، وأكد أن «وزارة المالية مستعدة لإصدار واسترداد الديون بالروبل الروسي»، لافتاً إلى أن «هذه الخطوة سيجري اختبارها بداية في منح قروض للدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ودول الجوار».
ويضم الاتحاد إلى جانب روسيا، كلاً من: بيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزيا. وتمنح روسيا من حين لآخر قروضاً لبعض تلك الدول، وتعفيها أحياناً من ديون قديمة. على سبيل المثال لا الحصر؛ قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شتاء عام 2019 إعفاء قرغيزيا من ديون قيمتها 240 مليون دولار. وفي ربيع العام الماضي قدمت الحكومة الروسية 30 مليون دولار هبةً، لمساعدة الحكومة القرغيزية بناء على طلبها. كما منحت قروضاً لبيلاروسيا، إلا إن خلافات بينهما حول استخدامات القرض الأخير بقيمة 500 مليون دولار، دفعت بيلاروسيا للتوجه نحو الصين والحصول منها على قرض بالقيمة ذاتها.



مسح «بنك إنجلترا»: الشركات البريطانية تتوقع زيادة الأسعار وتقليص العمالة

نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)
نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)
TT

مسح «بنك إنجلترا»: الشركات البريطانية تتوقع زيادة الأسعار وتقليص العمالة

نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)
نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)

أظهر مسحٌ أجراه «بنك إنجلترا»، يوم الخميس، على أكثر من ألفَي شركة، أن الشركات البريطانية تتوقَّع رفعَ الأسعار وتقليص أعداد الموظفين رداً على زيادة مساهمات أصحاب العمل في الضمان الاجتماعي التي ستدخل حيز التنفيذ في أبريل (نيسان) المقبل.

وأشارت النتائج إلى أن 61 في المائة من الشركات تتوقَّع انخفاضاً في الأرباح، و54 في المائة تخطِّط لزيادة الأسعار، و53 في المائة تتوقَّع تقليص العمالة، في حين تعتزم 39 في المائة منها تقليص زيادات الأجور؛ نتيجة لزيادة التأمين الوطني، التي تم إعلانها في موازنة 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقد أظهرت استطلاعات أخرى انخفاضاً في معنويات الأعمال وتراجعاً في نوايا التوظيف والاستثمار، منذ إعلان وزيرة المالية، راشيل ريفز، زيادة قدرها 25 مليار جنيه إسترليني (31 مليار دولار) في ضرائب الرواتب. وقد أسهم تباطؤ الاقتصاد في إثارة القلق في الأسواق المالية بشأن مستويات الدين العام في المملكة المتحدة، مما دفع تكاليف الاقتراض إلى الارتفاع بشكل حاد هذا الأسبوع. كما أظهرت أرقام منفصلة، يوم الخميس، من «جمعية وكالات التوظيف» انخفاضاً في الطلب على الموظفين الجدد، وهو الانخفاض الأكبر منذ أغسطس (آب) 2020.

ومن جانبه، يراقب «بنك إنجلترا» - الذي يدرس احتمالية خفض أسعار الفائدة مجدداً - تأثير تكاليف التوظيف المرتفعة على التضخم من خلال زيادة الأسعار أو تقليص الوظائف، وانخفاض الاستثمار، ونمو الأجور، مما قد يبطئ من النشاط الاقتصادي.

وعلق روب وود، كبير خبراء الاقتصاد في المملكة المتحدة في «بانثيون ماكرو إيكونوميكس»، قائلاً إن مسح بنك إنجلترا يشير إلى أن الزيادات الضريبية تؤدي إلى دفع الأسعار للأعلى بشكل أكبر، بينما التأثير في التباطؤ أقل مما أظهرته استطلاعات مؤشر مديري المشتريات.

وأضاف: «لا تزال الأسئلة الأساسية للمسح تشير إلى تضخم مستمر وزيادة في الأجور، مع ضعف أقل حدة في سوق العمل مقارنة بالمسوحات النوعية، وهو ما يستدعي أن تتبنى لجنة السياسة النقدية خفض أسعار الفائدة بشكل تدريجي فقط».

وارتفع تضخم أسعار المستهلكين البريطاني إلى أعلى مستوى له في 8 أشهر ليصل إلى 2.6 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني)، مع توقعات من «بنك إنجلترا» بأن التضخم سيواصل الارتفاع في 2025، ولن يعود إلى هدفه البالغ 2 في المائة حتى عام 2027، مما يحد من احتمالية خفض أسعار الفائدة عن مستواها الحالي، البالغ 4.75 في المائة.

وأظهر مسح «بنك إنجلترا»، الذي أُجري بين 6 و20 ديسمبر (كانون الأول)، أن الشركات تخطط لرفع الأسعار بنسبة 3.8 في المائة على مدار الأشهر الـ12 المقبلة، بزيادة قدرها 0.1 نقطة مئوية عن التوقعات في الأشهر الثلاثة حتى نوفمبر. وظل نمو الأجور المتوقع للعام المقبل ثابتاً عند 4 في المائة على أساس المتوسط المتحرك لثلاثة أشهر في ديسمبر.

على صعيد آخر، هبطت أسهم شركة «ماركس آند سبنسر» البريطانية وبعض شركات التجزئة الأخرى يوم الخميس، حيث فقد القطاع مليارَي جنيه إسترليني (2.45 مليار دولار) من قيمته، مع تأثر التجارة الجيدة خلال موسم عيد الميلاد بتراجع ثقة المستهلك والضعف الاقتصادي.

ويستعد تجار التجزئة، الذين يواجهون أصلاً ضعفاً في معنويات المستهلكين، لتكاليف أعلى اعتباراً من أبريل المقبل، حيث من المتوقع أن ترتفع ضرائب أرباب العمل والحد الأدنى للأجور. كما ألقت قفزة في تكاليف اقتراض الحكومة البريطانية في الأيام الأخيرة بظلال من القلق على التوقعات الاقتصادية، مما ضاعف الضغوط على المالية العامة، ودفع المحللين إلى التحذير من احتمال الحاجة إلى زيادات ضريبية إضافية. ومع التوقعات بارتفاع التضخم، يتوقَّع تجار التجزئة عاماً صعباً.

وقال ستيوارت ماشين، الرئيس التنفيذي لشركة «ماركس آند سبنسر»، للصحافيين بعد إعلان تحقيق الشركة أعلى مبيعات للأغذية خلال موسم عيد الميلاد: «هناك ثقة حذرة من جانب العملاء». وعلى الرغم من النمو الأعلى من المتوقع بنسبة 8.9 في المائة في مبيعات المواد الغذائية و1.9 في المائة في مبيعات الملابس والمستلزمات المنزلية، فإن أسهم الشركة تراجعت بنسبة 6.5 في المائة. في المقابل، سجَّلت «تيسكو»، أكبر مجموعة سوبر ماركت في البلاد، زيادة في مبيعاتها بنسبة 4.1 في المائة، لكن أسهمها انخفضت بنسبة 1.3 في المائة.

وقال مات بريتزمان، محلل الأسهم في «هارغريفز لانسداون»: «لن يكون العام المقبل سلساً تماماً لشركات التجزئة الكبرى، حيث يستعد القطاع لمواجهة الزيادات الضريبية الوشيكة».

وبينما ساعدت مبيعات المواد الغذائية المزدهرة على دعم أداء «ماركس آند سبنسر» و«تيسكو»، إلا أن فئات أخرى شهدت تراجعاً. فقد تباطأ نمو شركة «غريغز» المتخصصة في الأطعمة السريعة في الأشهر الأخيرة من عام 2024، بينما سجَّلت شركة «بي آند إم» للتخفيضات انخفاضاً في المبيعات بنسبة 2.8 في المائة؛ مما أدى إلى انخفاض أسهمها بنسبتَي 10 في المائة و12 في المائة على التوالي.

وفي الوقت الذي شهدت فيه شركات التجزئة تراجعاً، ارتفع مؤشر الأسهم القيادية البريطانية الذي يركز على الأسواق العالمية بنسبة 0.5 في المائة.

وتستمر التحديات، إذ تقول الرئيسة التنفيذية لشركة «غريغز»، رويسين كوري، إن المستهلكين أصبحوا أكثر حذراً بشأن الإنفاق. وأضافت أن «النصف الثاني من عام 2024 كان مليئاً بالتحديات، وأعتقد أننا يجب أن نفترض أن هذا الأمر سيستمر حتى عام 2025».

وعلى الرغم من أن شركة «غريغز» قد حققت أداءً جيداً في السنوات الأخيرة، فإن نمو مبيعاتها الأساسي انخفض إلى 2.5 في المائة في الرُّبع الأخير من عام 2024، مقارنة بـ5 في المائة في الفترة السابقة.

من جانبها، حذَّرت أكبر شركة لتجارة الملابس في المملكة المتحدة من حيث القيمة السوقية، يوم الثلاثاء، من أن نمو المبيعات سيتباطأ في عام 205 - 2026؛ نتيجة لتأثير زيادة الضرائب الحكومية على مستويات التوظيف ورفع الأسعار.

وفيما يخص «تيسكو»، أظهر كين مورفي، رئيس الشركة، تفاؤلاً ملحوظاً. وأوضح أنه على الرغم من أن المستهلكين الذين «احتفلوا فعلاً بعيد الميلاد» سيكونون أكثر حرصاً على القيمة في يناير (كانون الثاني)، فإن هذه الظاهرة تُعدّ سمة تقليدية دائماً في بداية العام.