أميركيون محاصرون في ووهان يروون كيف تخلت واشنطن عنهم

أفراد من قسم مكافحة الأمراض يرتدون بذلات واقية ويقومون بتطهير منطقة سكنية في ووهان (رويترز)
أفراد من قسم مكافحة الأمراض يرتدون بذلات واقية ويقومون بتطهير منطقة سكنية في ووهان (رويترز)
TT

أميركيون محاصرون في ووهان يروون كيف تخلت واشنطن عنهم

أفراد من قسم مكافحة الأمراض يرتدون بذلات واقية ويقومون بتطهير منطقة سكنية في ووهان (رويترز)
أفراد من قسم مكافحة الأمراض يرتدون بذلات واقية ويقومون بتطهير منطقة سكنية في ووهان (رويترز)

عندما يغامر جاستن ستييس ويخرج من شقته في مدينة ووهان الصينية، فإن مصدر قلقه الأساسي ليس أن يمرض بالفيروس المميت «كورونا»، لكنه أكثر قلقاً من أن يجلب الفيروس الشبيه بالالتهاب الرئوي إلى المنزل في وجود زوجته وطفله حديث الولادة. ولكن مع انخفاض إمدادات حليب الأطفال، فإن ستييس ليس لديه الكثير من الخيارات.
ويقول ستييس (26 عاماً) عن ابنه: «إنه طفل هادئ جدا... ولا يبكي كثيراً ما لم يكن جائعاً». ويضيف ستييس، المدرس الأميركي القادم من ولاية مينيسوتا للعمل في ووهان لمجلة «تايم» الأميركية: «خوفي الأكبر هو أن أخرج وأجلب المرض بطريق الخطأ إلى عائلتي».
ويوم (الأربعاء) الماضي، قامت طائرة أميركية بإجلاء حوالي 240 أميركياً من ووهان إلى كاليفورنيا، بعد انتشار فيروس كورونا المستجد الذي أصاب - حتى الآن - حوالى 6000 شخص وأودى بحياة 132 شخصاً. لكن حوالى 1000 أميركي ما زالوا محاصرين في أكبر حجر صحي في التاريخ الحديث (حوالي 50 مليون شخص في 17 مدينة صينية) مع استمرار ارتفاع معدلات الإصابة.

وأُعطيت الأولوية في رحلة (الأربعاء) للموظفين في القنصلية الأميركية وعائلاتهم. ويقول الأميركيون الذين يعيشون في ووهان إن المقاعد القليلة المتبقية كانت متاحة بتكاليف باهظة قدرها 1000 دولار، ما أثار غضبهم حيث شعروا بتخلي حكومتهم عنهم.
ويقول جورج جودوين، أستاذ علم الأحياء الذي عمل لدى مركز مكافحة الأمراض في أميركا قبل الانتقال إلى الصين: «بالنسبة للشخص العادي، فإن تذكرة الطائرة لم تكن متوفرة بالفعل... كثير من الناس كانوا محبطين للغاية لأن الإعلان (عن الرحلة) جعل الأمر يبدو وأنه سيكون إنقاذا لجميع الأميركيين في ووهان، إلا أنها ليست الحقيقة لأن معظمنا لا يستطيع الذهاب».
وبالنسبة إلى جاستن ستييس فإن الوضع مُعقد بسبب حقيقة أن زوجته مواطنة صينية وابنه يبلغ من العمر أقل من شهر واحد، ولم يتم تسجيله كمواطن أميركي. والأزواج الصينيون من أفراد أسر الأميركيين لم يكونوا مرغوبين في رحلة (الأربعاء).
ويقول ستييس، الذي خدم قبل 5 سنوات مع الحرس الوطني الأميركي (قوة تابعة للجيش): «لقد كنت في الحقيقة منزعج من معاملة الفقراء... لماذا يتعين على المواطنين الأميركيين دفع 1000 دولار وليس مسموحاً أن تأتي عائلاتنا معنا؟ هذا هراء».
الوضع مشابه بالنسبة لبنيامين ويلسون (38 عاماً) صاحب مطعم في ووهان من لوس أنجليس. فعلى الرغم من أن ابنة ويلسون بالغة من العمر 7 سنوات وتحمل جواز سفر أميركيا، فإن زوجته مواطنة صيني، وحتى لو كانت هناك مساحة في رحلة (الأربعاء)، فلم يستطع ويلسون أخذ قرار تقسيم أسرته في هذا الوقت العصيب. ويقول: «إنه لأمر محزن عندما تعرض حكومات أخرى الإخلاء للزوجات والأطفال الصينيين أيضاً... سمعنا عن طائرة قادمة، ولكن لم يكن هناك مساحة كافية للجميع».
وأخبر الكثير من الأميركيين المحاصرين في ووهان مجلة «التايم» أنهم أجروا مكالمات متكررة مع السفارة الأميركية في بكين لكنهم تلقوا فقط رسائل مسجلة تتحدث عن منشورات قديمة على شبكة الإنترنت.
وحتى الآن، لا توجد أخبار عن رحلة أخرى لإخراج الأميركيين من ووهان؛ حيث تشير تقارير غير مؤكدة إلى أن المدينة قد تظل مغلقة حتى أبريل (نيسان). وأولئك العالقون في منازلهم لا يعرفون كيف سيكونون قادرين على جلب اللوازم الأساسية للحياة مع إغلاق أماكن العمل وعدم وجود وسيلة لكسب المال.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى «التايم» قال متحدث باسم سفارة الولايات المتحدة في بكين: «إن صحة وسلامة المواطنين الأميركيين، بمن فيهم موظفو القنصلية الأميركية العامة في ووهان، هي على رأس أولوياتنا».


مقالات ذات صلة

نظام غذائي يحسّن الذاكرة ويقلل خطر الإصابة بالخرف

صحتك امرأة تشتري الخضراوات في إحدى الأسواق في هانوي بفيتنام (إ.ب.أ)

نظام غذائي يحسّن الذاكرة ويقلل خطر الإصابة بالخرف

أصبحت فوائد اتباع النظام الغذائي المتوسطي معروفة جيداً، وتضيف دراسة جديدة أدلة أساسية على أن تناول الطعام الطازج وزيت الزيتون يدعم صحة الدماغ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تظهر الخلايا المناعية في الدماغ أو الخلايا الدبقية الصغيرة (الأزرق الفاتح/الأرجواني) وهي تتفاعل مع لويحات الأميلويد (الأحمر) - وهي كتل بروتينية ضارة مرتبطة بمرض ألزهايمر ويسلط الرسم التوضيحي الضوء على دور الخلايا الدبقية الصغيرة في مراقبة صحة الدماغ (جامعة ولاية أريزونا)

فيروس شائع قد يكون سبباً لمرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص

اكتشف الباحثون وجود صلة بين عدوى الأمعاء المزمنة الناجمة عن فيروس شائع وتطور مرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كم عدد الزيارات السنوية للطبيب حول العالم؟

كم عدد الزيارات السنوية للطبيب حول العالم؟

وفق تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

صحتك أكواب من الحليب النباتي بجانب المكسرات (أرشيفية - إ.ب.أ)

دراسة: النباتيون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب

تشير دراسة إلى أن النباتيين قد يكونون أكثر عرضة للاكتئاب؛ لأنهم يشربون الحليب النباتي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟