سركون بولص بين المغامرة التجريبية والكتابة بالشرايين

سركون بولص
سركون بولص
TT

سركون بولص بين المغامرة التجريبية والكتابة بالشرايين

سركون بولص
سركون بولص

لا ينتمي الشاعر العراقي سركون بولص، وهو المولود في منتصف أربعينات القرن الفائت، إلى الجيل المؤسس للحداثة الذي مثله السياب ونازك والبياتي وأدونيس وعبد الصبور وغيرهم. إلا أن ما دفعني للكتابة عنه هو رغبتي الملحة في الوقوف على العناصر الفنية والجمالية لهذه التجربة التي احتفى بها شعراء الحداثة ونقادها أيما احتفاء. فمعظم الذين كتبوا عن سركون، في حياته وبعد رحيله، يُجمعون على كونه واحداً من أهم رموز قصيدة النثر العربية وأحد آبائها المؤسسين. وهو أمر لا يمكن أن يؤخذ على محمل الحقيقة البديهية، بل يحتاج إلى تدقيق وتمحيص وقراءة نقدية متأنية، خاصة أن الجمال الشعري والفني بوجه عام هو أمر نسبي وحمّال أوجه، وأن نقاداً وقراء آخرين لا يجدون في نتاج صاحب «الحياة قرب الأكروبول» ما يتوافق مع ذائقتهم ومفهومهم للشعر. وقد يكون دافعي الآخر إلى الكتابة متصلاً بحياة الشاعر الحافلة بالمشقات وروح المغامرة والإخلاص للكتابة، بحيث بدت هذه الحياة كما لو أنها قصيدة سركون الموازية، ونصه الأبلغ والأصدق.
منذ مطالع صباه في كركوك بدا بولص متعلقاً بالشعر ومقتنعاً تماماً بأنه حبل خلاصه الشخصي وسط شعور ممض بالغربة والانسلاخ عن محيطه الاجتماعي والسياسي المثخن بالعنف والفوضى العارمة والصراع الدامي بين الإثنيات والعصبيات القومية والآيديولوجية. ولكن قتامة الواقع العراقي آنذاك لم تجد ترجمتها في شعره عبر اللجوء إلى الصخب الخطابي والكتابة السياسية المباشرة التي اعتمدها الكثير من شعراء تلك المرحلة، بل ذهب منذ بواكيره الأولى إلى خيارات أكثر تعقيداً ومقاربات للعالم يتقاطع فيها الرفض الرومانسي مع التعريفات المقتضبة للكائنات والأشياء والحالات التي يكابدها. ولم يواجه بولص بمفرده محنة الانفصال عن واقع بلاده البائس، بل وجد نفسه وسط مجموعة من الشعراء الشبان الذين يشاطرونه المحنة ذاتها ويخوضون إلى جانبه مغامرة الحداثة والانحياز إلى النص الجديد، من أمثال صلاح فائق وجان دمو والأب يوسف سعيد، وكثيرين غيرهم ممن أطلقت عليهم تسمية «جماعة كركوك»، وعُرفوا بنزوعهم الوجودي العدمي وسعيهم الدؤوب لتقويض اللغة السائدة، ورؤيتهم إلى الشعر لا بوصفه غناءً وسيولة إنشائية، بل بما هو تقصّ معرفي وعراك مع اللغة وسفَر في عوالم الداخل.
ولعل قرار سركون في أوج شبابه بمغادرة العراق وقدومه إلى بيروت، التي قصدها سيراً على الأقدام قبل أن يغادرها لاحقاً إلى الغرب الأميركي، هو الذي وفر له سبل الانخراط فيما يمكن تسميته بمشروع الحداثة الثانية، التي حمل لواءها يوسف الخال عبر مجلة «شعر»، والتي شهدت انطلاقة قصيدة النثر على يد أنسي الحاج وأدونيس وشوقي أبي شقرا والماغوط وآخرين. وقد وجد الشاعر في ذلك المناخ الإبداعي المنفتح على الثقافة الغربية، فرصته الملائمة للتجاوز والتجريب الأسلوبي والبحث عن آفاق مغايرة للكتابة، ناشرا نصوصه في «شعر» و«النهار» و«تحولات»، وصولاً إلى «مواقف». ومع ذلك فإن الشاعر المسكون بالقلق والمفتقر إلى الطمأنينة، لم يصدر عمله الشعري الأول «الوصول إلى مدينة أين»، إلا بعد أن تجاوز الأربعين من عمره. كما أن ريبة سركون المرَضية إزاء الحقيقة الشعرية، جعلته يعيد النظر مرات عدة فيما يكتبه، الأمر الذي يفسر اقتصار الأعمال التي نشرت في حياته على الخمسة، وهي: «الوصول إلى مدينة أين» و«الحياة قرب الأكروبول» و«الأول والتالي» و«حامل الفانوس في ليل الذئاب»، و«إذا كنت نائماً في مركب نوح». أما الأعمال التي صدرت بعد رحيله، مثل «عظْمة أخرى لكلب القبيلة» و«سيرة ناقصة» و«رسالة إلى صديقة في مدينة محاصرة» فيعود الفضل في جمعها واستخراجها من بطون الصحف والمجلات، إلى صديق سركون الشاعر والناشر العراقي خالد المعالي. كما أن الحديث عن المنجز الإبداعي لصاحب «عاصمة آدم» لا يستقيم بأي حال دون الإشارة إلى ترجماته المميزة للشعر الأميركي وسواه، والتي لا يعود تميزها إلى إتقان الشاعر للغة الإنجليزية فحسب، بل إلى مواءمته الحاذقة بين دقة المعنى وجمالية التعبير عنه. وهو ما يظهر جلياً في ترجماته لأودن وجبران وألن غينسبرغ وتيد هيوز.
وإذا كان سركون بولص مديناً بشهرته الواسعة إلى أعماله التي تندرج في خانة قصيدة النثر، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل نصوصه الموزونة، والتي نُشر معظمها في ديوان «سيرة ناقصة» الذي صدر بعد رحيله. ومن يعود إلى بواكيره الأولى، لا يتأخر في الاستنتاج بأن الشاعر يمتلك كافة الأدوات التي تستلزمها قصيدة الوزن، إضافة إلى أن تجنبه للتقفية يبعد عنها شبهة الافتعال والتعسف. وإذا كان سركون يتجنب الإنشاد التطريبي في معظم المقطوعات فلأنه منذ بداياته يرى الشعر بوصفه حفراً معرفياً، وتعبيراً عن قلق النفس وتمزقاتها. وإذ تكشف بعض نصوصه عن حضور «فاقع» للأفكار، كقوله: «طول الليل ترنّ الحافة من ضجرٍ \ تدعو العقل إلى تفجير فقاعته الجلدية»، نعثر في نصوص أخرى على مواءمة ناجحة بين الإيقاع والمعنى، كما في قوله: «أصعقيني يا قصيدة \ أسْقطي وجهي وعرّيني، أفيقي \ في زمان ساحرٍ في مدنٍ لا أعرفها \ تسحر البحر كأعمى \ بنسيج الأبدية \ آه عرّيني اتركيني نائماً \ أسمع العالم يبكي في المفاتيح \ وأصغي لأنين الأبجدية \ اردمي عاصمتي فوق قناعي \ اردميها واقتليني يا قصيدة». وما يستوقفنا في هذا المقطع المميز هو الخلل الوزني الذي يظهر من خلال أداة النفي «لا» في السطر الثالث، دون أن نتثبت من كونه خطأ مطبعياً أو نقصاً في حساسية الشاعر الإيقاعية. وإذا كنا نعثر في القصائد الموزونة على الكثير من حالات الزحاف وعلى غير خلل عروضي، فإن من الإنصاف القول بأن سركون كان قادراً، بموهبته الفطرية ومعرفته الواسعة بالتراث، على خلق نموذج تفعيلي لا يقل تميزاً وجدة عن نماذجه النثرية.
في أعماله اللاحقة يحاول الشاعر استكشاف مناطق جديدة للكتابة، يستطيع من خلالها أن يوائم بين رغبته في العثور على نموذجه الحداثي المغاير، وبين الاحتفاظ بحرارة اللغة وحمايتها من وطأة التكلف والبرودة التعبيرية. وإذا كان الشاعر قد نجح أغلب الأحيان في تحقيق هذه المعادلة، فإن بعض نصوصه تفتقر إلى التلقائية وتشي بثقل الجهد المبذول لإنجازها.
ففي بعض قصائد مجموعته «إذا كنت نائماً في مركب نوح» تبدو النصوص أقرب إلى الحذلقات السردية المفتعلة، أو المعادلات الذهنية الشكلية، منها إلى التوهج الروحي واللغة النابضة بالحياة، كأن نقرأ مثلاً: «كأن كل شخص، منتصباً على قدميه المشرئبتين في زوج من الأحذية، هو مجهر كبير مغطى بالثياب. وهو مطلق فريد من أصوات هيارية وانبجاسات، مشيرة إلى مناطق التحرك». أما مجموعة «عظْمة أخرى لكلب القبيلة» التي يقارب عنوانها بسخرية ماكرة فكرة العظَمة الأميركية، فهي محاولة الذات المنفية، في الحياة واللغة، لتعقب ملامح الأماكن والحيوات الآفلة واللحظات المتقطعة، قبل انحلالها النهائي.
ومع أنني لا أميل إلى الاعتقاد بقدرة الشعراء على الاستشراف والتنبؤ بالمستقبل، فلقد لفتني إلى حد بعيد قول سركون «على أرضية الصمت \ أي نوتردام مشيّدة من الأخطاء \ تنهار على رؤوس عُباّدها بضربة من ناقوس الأيام الدخيلة؟». على أنني أميل إلى الاعتقاد بأن مجموعة الشاعر الأولى «الوصول إلى مدينة أين» هي من أكثر أعماله صدقاً والتصاقاً بروح الشعر، وتعبيراً عن معاناته القاسية في الوطن وخارجه. ورغم أن رحلة الشاعر المضنية بحثاً عن الخلاص، والتي لا ينجح الحب وحده في وضع حد أخير لمتاهاتها المحيرة، تذكّر برحلة قلقامش بحثاً عن عشبة الخلود وبرحلة عوليس الشاقة في أوديسة هوميروس، فإن البعدين الميثولوجي والفلسفي للمجموعة لم يفضيا إلى حجب ملموسية الحياة الحقيقية ولم يخففا من حرارة اللغة وتوهجها: «هذه الغيمة التي عدتُ بها من أسفاري المتقطعة \ وثني المسروق من غابة البرابرة \ شعركِ خيمة سأنام فيها ليلة \ أصغي على جدران وصولي إلى الأيام \ إلى أيام معينة \ بعضها بتردُّد يحتويني \ وحبنا الخاطف سيكون الشرارة». وفي «الحياة قرب الأكروبول» يبدو الشعر بوصفه محاولة يائسة للقبض على الزمن وتثبيت لحظاته الهاربة عبر تعقّب المرئيات والحيوات التي تتصارع مع مصائرها المحتومة. على أن البعد الديني في تجربة الشاعر، المنتمي إلى أقلية مسيحية في شمال العراق، يخلي مكانه في المجموعة إلى عالم ما قبل ديني، حيث بعيداً عن ثنائية الخير والشر، المقدس والمدنس، يستعيد الجسد ألقه القديم والحواس مشروعيتها التلقائية. إذ إن «أقصى ما يمكن أن يحدث هو الواقع \ لا معجزة تُجترح من الهواء \ لا اختراقات غير معقولة لحجاب المعروف \ في اللحم، في اللحم يا صديقي \ أنت بحاجة إلى الخطيئة».
وقد لا يكونون مجافين للحقيقة تماماً، أولئك الذين يرون أن سركون بولص هو شاعر الغربة والمنفى بامتياز. وفي اعتقادي أن الشاعر الذي حاول ما أمكنه التصالح مع واقعه الجديد، لم يستطع إحالة أماكنه الأولى إلى النسيان، بحيث بدت أعماله برمتها ثمرة ذلك التمزق بين العالمين.
وهو ما يجد تمثلاته الواضحة في مجموعته «الأول والتالي» حيث تتجاور بشكل لافت قصائد عن النابغة والسياب وكركوك وعمر بن أبي ربيعة، مع قصائد أخرى عن أثينا وسان فرنسيسكو والحي اللاتيني. وحيث تفتقر الروح إلى ظهير صلب أو نِصاب مكاني، تتحول الحياة إلى لحظات متناثرة ويتعقب الشعر نثار الأماكن والأرصفة والحانات ومحطات السفر. إذ ذاك يهتف سركون بمرارة «تمشي فتدفعك الريح من الوراء \ باردة كأنفاس مقبرة \ وتقرأ بعض العناوين عن أرضك البعيدة \ حيث الحرب لا تنام \ صيحات المسافرين ما زالت ترنّ فارغة بين الأنفاق \ لكن تحت دمائك عاصفة من صيحات أخرى \ لا تكفّ عن الانقصاف». إلا أن هذا الوضع الفصامي ما يلبث أن يتحول في «حامل الفانوس في ليل الذئاب» إلى نوع من الاستسلام القدري للواقع. فما دام العبث هو المحصلة النهائية للمصائر، وما دامت «كل وليمة أخرى ستكنسها الريح، وما دامت المدن الفاضلة مجرد حفنة من غبار في قبضة الوهم، والتاريخ سيتعب يوماً من النوم في المجاري»، فإن سركون ينسحب من المواجهة غير العادلة مع الوجود ليقيم على أرض السخرية والحياد واللامبالاة. وهو تبعاً لذلك يهتف بسلفه اللبناني جبران خليل جبران «هنا نعيش \ لكننا نحيا هناك \ أعطني الناي أو لا تعطني الناي \ سيان أن أغني أو لا أغني في هذا الهدير \ هنا نشتري المغني بدولار \ وهذه ليست أورفليس».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.