الجمهوريون يسعون لتوحيد صفوفهم بعد «تسريبات بولتون»

فريق الدفاع ينهي مرافعاته في محاكمة ترمب

زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ  قبل انطلاق جلسات المحاكمة أمس (رويترز)
زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ قبل انطلاق جلسات المحاكمة أمس (رويترز)
TT

الجمهوريون يسعون لتوحيد صفوفهم بعد «تسريبات بولتون»

زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ  قبل انطلاق جلسات المحاكمة أمس (رويترز)
زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ قبل انطلاق جلسات المحاكمة أمس (رويترز)

أنهى فريق الدفاع عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرافعاته في محاكمة العزل في مجلس الشيوخ. وركّز محامو ترمب هجومهم على الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ونائبه جو بايدن واتهموهما بالفساد، وذلك في محاولة منهم لتشتيت الانتباه عن الاتهامات التي تواجه ترمب وتبرير تجميد المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وتطرق المحامون بشكل سريع إلى التسريبات الناجمة عن كتاب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون. وقال آلان دورشويتز، أحد المحامين في فريق الدفاع، إنه حتى في حال صحت التسريبات، فإن هذه الاتهامات لا تقع في خانة خلع الرئيس الأميركي من منصبه: «ليس هناك أي جزء من تسريبات بولتون، حتى لو كانت صحيحة، يثبت أن الرئيس استغل منصبه ويجب خلعه، هذا واضح في التاريخ وفي الدستور».
يأتي هذا في وقت يشهد فيه الكونغرس أجواء مشحونة وارتباكاً في صفوف الحزب الجمهوري جراء تسريبات بولتون، التي أكد فيها أن ترمب ربط المساعدات العسكرية لأوكرانيا بالتحقيق مع بايدن، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».
وقد أكدت القيادات الجمهورية أن التسريبات باغتتها، وأن الإدارة الأميركية لم تبلغهم بأي تفاصيل متعلقة بكتاب بولتون، الذي سلمه للبيت الأبيض في أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) لمراجعته. وقال السيناتور الجمهوري جون ثون: «انطباعي هو أن هذه الأنباء باغتت الجميع... لا لم نعلم مسبقاً بالتسريبات».
وهذا ما قاله السيناتور ليندسي غراهام وهو من المقربين من ترمب: «لا أعلم كيف حصل هذا. لا أعلم مصدر التسريبات».
وفي تغيير بارز عن تصريحاته السابقة، تحدث غراهام عن احتمال استدعاء شهود: «إذا كان مجلس الشيوخ يرغب في استدعاء شهود من الجانب الديمقراطي، يجب على المجلس السماح لترمب باستدعاء شهود كذلك».
تصريح أظهر زعزعة في ثقة الجمهوريين السابقة بوجوب عدم استدعاء شهود، وبدا كأن بعضاً منهم غير مساره وانضم إلى الصف الديمقراطي في دعمه لاستدعاء بولتون.
أمر يحاول زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل تجنبه، وقد سعى جاهداً طوال يوم الاثنين إلى رأب الصدع وإقناع الجمهوريين بوجوب الانتظار إلى نهاية الجلسات الأولية وطرح أسئلتهم قبل التوصل إلى قرار بشأن استدعاء شهود.
لكن مكونيل لم يخفِ استياءه من التسريبات، وقد أكد المتحدث باسمه أن البيت الأبيض لم يحذره مسبقاً من صدورها، بل إن مكونيل لم يعلم حتى أن البيت الأبيض لديه نسخة من كتاب بولتون. وهذا يضع زعيم الأغلبية في موقف حرج، فهو غالباً ما تباهى بالتنسيق التام مع البيت الأبيض في ملف العزل. لكن مكونيل المحنك سياسياً لم يتذمر علناً بل اجتمع بالجمهوريين في جلسة مغلقة يوم الاثنين لتوحيد صفوفهم. وحث مكونيل الجمهوريين على عدم الإجابة عن أسئلة الصحافيين المتكررة حول استدعاء شهود حتى نهاية المرحلة الأولى من المحاكمة. وقال السيناتور الجمهوري كيفين كرامر إن مكونيل ذكرهم بأن التصويت على شهود سيحصل بعد عرض الطرفين للأدلة وطرح الأسئلة. وقال السيناتور الجمهوري جون باراسو: «خذوا نفساً عميقاً، سوف نصوت على مسألة استدعاء شهود لاحقاً».
ويتخوف مكونيل، الذي كان يأمل بعقد محاكمة سريعة تنتهي قبل خطاب حال الاتحاد في 4 فبراير (شباط)، من أن تؤدي هذه التسريبات إلى نجاح الديمقراطيين باستدعاء شهود، وإطالة وقت المحاكمة إلى أجل غير مسمى. فقد هدد البيت الأبيض في أكثر من مناسبة باستعمال صلاحيات الرئيس التنفيذية وصد محاولات استدعاء بولتون وكبير موظفي البيت الأبيض ميك مولفاني في حال صوت مجلس الشيوخ لاستدعائهما. ما يعني أن هذه المسألة ستتحول إلى المحاكم للبت فيها وسوف يفقد مكونيل السيطرة على محاكمة مجلس الشيوخ.
وهذا ما يحاول زعيم الأغلبية تجنبه، لكن مهمته باتت أصعب بكثير مع تسريبات بولتون، خصوصاً بعد أن أعلن بعض الجمهوريين أمثال ميت رومني وسوزان كولينز عن دعمهم للاستماع إلى شهود.
هذا ولا يزال أمام الديمقراطيين نحو 16 ساعة لإقناع مزيد من الجمهوريين بالانضمام إلى صفوفهم والتصويت لصالح استدعاء شهود. فضمن القوانين التي مررها مجلس الشيوخ، يتمتع أعضاء المجلس بـ16 ساعة لطرح أسئلتهم على فريقي الدفاع والادعاء. الأسئلة ستكون مكتوبة، وتسلم باليد إلى رئيس المحكمة العليا جون روبرتس الذي هو بدوره يطرحها على فريقي الادعاء والدفاع. ومما لا شك فيه أن الديمقراطيين سوف يستعملون الوقت المخصص لأسئلتهم للتركيز على تسريبات بولتون. وقد قال زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر: «ما يجري يشابه فضيحة ووترغيت إلى حد كبير، كل يوم هناك تسريبات جديدة، والقضية تصبح أقوى مع مرور الأيام».
وقد رجح عدد من أعضاء المجلس أن يتم التصويت على موضوع استدعاء شهود يوم الجمعة.
وفي حال وافق المجلس على استدعاء شهود، فلن يتوقف الأمر عند استدعاء بولتون ومولفاني، بل قد يتم استدعاء بايدن ونجله هانتر، كما تحدث البعض عن نيتهم استدعاء آدم شيف ليجلس في مقعد الشاهد. في حين تحدث البعض الآخر عن استدعاء المبلغ الذي كشف عن قضية أوكرانيا.
ولا تزال التسريبات المتعلقة بكتاب بولتون مستمرة، وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن بولتون يذكر كذلك في كتابه أنه تحدث مع وزير العدل الأميركي ويليام بار عن قلقه من احتمال تقديم ترمب لخدمات شخصية لزعماء بلدان كالصين وتركيا. كما ينقل بولتون في الكتاب عن وزير الخارجية مايك بومبيو قوله إن الاتهامات التي وجهها محامي ترمب الخاص رودي جولياني للسفيرة الأميركية السابقة لدى أوكرانيا ماري يوفونوفيتش لا أساس لها من الصحة. وكان ترمب دعا إلى استبدال يوفونوفيتش بسبب انتقادات جولياني لها.
ومن المقرر أن يتم نشر الكتاب المعنون «الغرفة حيث حصل كل شيء» في منتصف شهر مارس (آذار).



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟