معرض في القاهرة يستعين بدلالات من الحياة البدائية

رؤية تشكيلية تبرز العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا

جعفري مهموم ومتأثر بنصوص الأديب الروسي فلاديمير نباكوف
جعفري مهموم ومتأثر بنصوص الأديب الروسي فلاديمير نباكوف
TT

معرض في القاهرة يستعين بدلالات من الحياة البدائية

جعفري مهموم ومتأثر بنصوص الأديب الروسي فلاديمير نباكوف
جعفري مهموم ومتأثر بنصوص الأديب الروسي فلاديمير نباكوف

لم يعد هناك مجالٌ للعيش في عزلة بعد أن أصبحت التكنولوجيا الرقمية في متناول غالبية الأفراد، أينما كانوا، لكن هل يعني ذلك بالضرورة وجود تواصل كافٍ بين البشر، أم أن الأمر لا يعدو مجرد كسر لقيود الوقت والمسافة بدون تفاعل إنساني مستمر ودافئ، يطرح الفنان التشكيلي المصري أحمد جعفري، هذه القضية الشائكة عبر أحدث أعماله الفنية التي يضمها معرضه الذي يستمر حتى بداية شهر فبراير (شباط) المقبل، تحت عنوان «No Signal» أو «لا توجد إشارة» في قاعة «الباب» بمتحف «الفن الحديث».
لبساطتها المفرطة، وتلقائيتها الواضحة، وخطوطها المختزلة، وتوهج ألوانها، تقترب لوحات جعفري، للوهلة الأولى، من رسوم الأطفال، لكن حين نتفحصها نكتشف أنها رؤية فلسفية لزيف الاتصال الرقمي و«الشكلي»، رغم ازدحام صفحاتنا الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي بإشاراته وكتاباته ورسائله، وسرعة وصولها إلى الشخص أو الشخوص المستهدفين.
يقول جعفري لـ«الشرق الأوسط»، «نعم كانت في الماضي البعيد طرق مختلفة للاتصال ما بين النقوش والعلامات والرموز، بينما نحن الآن نستخدم وسيلة واحدة أساسية هي اللغة المنطوقة للتواصل، لكننا للأسف نعاني من بعد المسافات، وتراكم الحواجز التي تحول دون التحاور والتفاعل مع الآخر»، متسائلاً: «أين يكمن الخطأ أو العائق الذي يحول دون تواصلنا، على الرغم من هذا الزخم الاتصالي، إن جاز التعبير، وما هي ماهية ذلك الحاجز وتلك المسافات».
ربما تكون في النظرات المحايدة والخطوط المتعرجة والأشكال الهندسية الحادة، التي جاءت في الأعمال، بعض الإجابات، فهذه المفردات التي استخدمها جعفري قد حملت لنا جفاء المشاعر وسطوة الإشارات الزائفة، أو على حد تعبير الفنان: «أصبح الكثيرون يقعون ضحية فريسة لأطراف مخادعة في ظل ثورة الاتصالات، وقد يلتقي البعض الآخر بأطراف صادقة، لكن هل يتوقف الأمر على صدق أو كذب أطراف التواصل فقط، أم أن هناك مؤثرات أخرى تحول دون دفء المشاعر واستمرارها».
ويبدو أن الفنان لا يزال مهموماً ومتأثراً بنصوص الأديب الروسي فلاديمير نباكوف «في الدلالات والرموز»، وهو ما سبق أن ألهمه مجموعة أعماله التي ضمها معرضه عام 2016، وكنا قد التقينا على سطحها بشخوص يتحركون ويتفاعلون عبر مساحات لونية وخطوط شديدة «مكودة» ومشفرة حاملة لنا رسائل للتواصل من نوع ما، لكن ما يميز معرضه الجديد أن أعماله جاءت لتمثل للمتلقي هذه المرة مسطحات بصرية أكثر تشويقاً وقدرة على إثارة مخيلته، وجذبه إلى الأفكار التي تدور داخله.
درس أحمد جعفري التصوير والنحت بالقسم الحر بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان، في الفترة من 2003 حتى 2005، وشارك في أكثر من 90 معرضاً جماعياً ما بين الدولي والمحلي، منها صالون الشباب من 2008 حتى 2015، ومعرض «نورد أرت» بألمانيا 2015، وبينالي «تي ريو» بمدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل 2017، وبينالي الشباب بمدينة ساو باولو البرازيل، ومعرض مفردات البيئة المصرية بأكاديمية الفنون المصرية بروما 2018، ونظم 7 معارض فردية، منها معرض «صنع في مصر» بمركز سعد زغلول الثقافي 2012، و«معرض دلالات نباكوف» بقصر الفنون 2016.



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».