مذكرات عربي في الأمم المتحدة (الحلقة 2 والأخيرة): سمير صنبر لـ «الشرق الأوسط»: بين الصحافة والسياسة الدبلوماسية حاجز من ورق

قال إن تلاشي دور الأمم المتحدة انعكس على قضايا المنطقة العربية

سمير صنبر مع الأمين العام الأسبق د.بطرس غالي في عام 1997
سمير صنبر مع الأمين العام الأسبق د.بطرس غالي في عام 1997
TT

مذكرات عربي في الأمم المتحدة (الحلقة 2 والأخيرة): سمير صنبر لـ «الشرق الأوسط»: بين الصحافة والسياسة الدبلوماسية حاجز من ورق

سمير صنبر مع الأمين العام الأسبق د.بطرس غالي في عام 1997
سمير صنبر مع الأمين العام الأسبق د.بطرس غالي في عام 1997

ستة أشهر من العمل التجريبي وصلت إلى 44 سنة أمضاها سمير صنبر في مكتب الأمم المتحدة. شهد خلالها عدم رغبة الدّول الكبرى والنّافذة في إيجاد حلٍّ للنزاع العربي - الإسرائيلي، رغم جهود كورت فالدهايم، الذي رافقه عام 1980 إلى طهران لمحاولة إطلاق سراح الرهائن الأميركيين، ليرحل الأمين العام ويبقى هو وحده مستمراً بالمحاولة. ربطته علاقة صداقة مع كوفي أنان، وبقي إلى جانب بطرس غالي لآخر يوم في ولايته، بعد تخلي الكثيرين عنه بسبب تقرير رسمي طال الهجوم الإسرائيلي لمقر «اليونيفيل» في بلدة قانا اللبنانية الجنوبية. وكما لعبت الصدفة دوراً في بداية حياته المهنية، سؤال طرحه على نفسه جعله يتّخذ قرار الاستقالة: «هل سأمضي ما تبقى من العمر على هذه الحال؟ أم سأحاول أقله الاستمتاع بالحياة؟». ومع ساعات الصباح ذهب إلى المكتب ليلقي تحية الوداع. وفيما يلي نص حوار الحلقة الثانية والأخيرة:
> شهدت الأمم المتحدة في عهد كورت فالدهايم ملفات ملحة في منطقة الشرق الأوسط. أطلعنا على أبرز ذكرياتك وقتها...
- حاول فالدهايم لعب دور فعال لحل النزاع العربي - الإسرائيلي على أساس الشرعية الدُّولية والقرار 242 ابتداء من جمع الأطراف في جنيف، ولم يحصل على نتائج عملية لأنّ الدّول الكبرى لم تكن ترغب في إيجاد حل متوازن. ذهب إلى إيران بعد الثورة ولم يستطع البقاء أكثر من أيام، خصوصاً بعدما أحاط به الجموع وهو يحاول وضع إكليل من الزهور في «مقابر الشهداء» وحاصرت المظاهرات سيارته، وكان من الواضح أنّ هناك صراعاً داخلياً على السلطة لم تكن معالمه قد اكتملت بعد. غادر حينها وتركني أحاول إجراء اتصالات بالتعاون مع سفراء كندا والجزائر للبحث عن مخرج لائق. الحرب العراقية - الإيرانية استمرت حتى اتفاق وقف النار في أيام الأمين العام الذي تلاه.
> سافرت إلى طهران في أوج الثورة. ما ذكرياتك عن تلك المرحلة؟
- لم تكن مقاليد الحكم قد حسمت، فحاولت الوصول إلى صاحب القرار واكتشفت أنّها توزعت على أطراف عدّة والجميع تحت إشراف الخميني. علمت أنّ اللقاء معه يقتضي الجلوس على الأرض وعدم المبادرة بالحديث أو إثارة أي موضوع سياسي.
وسمعت أنّ المنافسة احتدمت بين اللاجئين إلى الخارج والثائرين في الداخل والأتباع القدامى للرئيس السابق مصدق وبعض جماعة اليسار والحركات الجديدة التي انطلقت مع الذين احتجزوا الرهائن بالسفارة الأميركية. حاولت عقد ندوات صحافية مع العدد المحدود من المراسلين الأجانب. واستفدت من تجربة سفراء الجزائر وكندا واستمر الاتصال بيننا حتى الإفراج عن الرهائن.
> ما الدور الذي لعبته في الإفراج عن الرهائن الأميركيين المحتجزين في السفارة؟
- رافقت فالدهايم إلى طهران خلال الوساطة لإطلاق الرهائن ووصلت صباح أوّل يوم من عام 1980. كنا نستمع لأحد الخطباء في طهران عندما همس لي الأمين العام، بأنّه يشعر أنّ أحد المسلحين قد وضع سراً رشاشاً قرب ظهره للتهديد المبطن. غادر بعد يومين وبقيت للاستمرار في المحاولة.
> ما أبرز التحديات التي واجهتك خلال عملك مع الأمين العام خافيير دي كويلار، خصوصاً في ملف الصحراء المغربية والبوليساريو؟
- ارتبط ملف الصحراء الغربية ودور البوليساريو بالخلاف بين السلطات في المغرب والجزائر. حاول كويلار جهده وعين زميلنا البريطاني - الدنماركي اريك جنسن مبعوثاً خاصاً للإقامة هناك ومتابعة الاتصالات. واستقبل زعماء البوليساريو في نيويورك بعد تنسيق مع حكومة المغرب. ولم تؤدِّ العناوين الصحافية عن مبادرات متجددة إلى نتيجة للتوافق. وكادت مدينة العيون تتحول إلى بعثة للتقاعد المؤقت لعدد من الدبلوماسيين الذين انتهت مهمتهم لتمثيل حكوماتهم بالأمم المتحدة.
> وماذا عن دوركم في مرحلة إدارة بطرس غالي للانتخابات المستقلة الأولى بإريتريا؟
- تسلم غالي الأمانة العامة مع ظهور ملامح إيجاد مخرج سلمي للثورة المسلحة التي ناضل خلالها الإريتريون ضد إثيوبيا من أجل الاستقلال. واتخذ مجلس الأمن القرار باستقصاء مطالب الشعب الإريتري حقوقاً مع تبديل نظام الحكم. كانت شؤون الدول الأفريقية المجاورة من المسائل المباشرة التي أشرف عليها عندما كان وزيراً للخارجية العربية. إثيوبيا تشارك في منابع النيل وإريتريا تطل على الجانب المقابل لدول الخليج وتشرف على باب المندب. هناك من اقترح إرسال «خوذ زرقاء»، أي جنود دوليين للإشراف على التنفيذ، واقترحت «القمصان البيض» بديلاً لإشعار الإريتريين باحتمال توفير حرية التعبير لهم مستقبلاً.
صدف أنّ أكثرية مجموعة الاتصال كانت من النساء، وفي يوم المرأة العالمي نزلن إلى الشارع لتقديم أنفسهن للإريتريات والاحتفاء باليوم المشترك. كنا نرتدي قمصاناً بيضاء كتب عليها بالأزرق «استفتاء حر وعادل لإريتريا». اكتسبنا قاعدة شعبية في يوم واحد. التقيت كل الأطراف السياسية وفي مقدمتها القائد الميداني والرئيس الحالي أسياس أفورقي. طفت القرى والمناطق قرب حدود السودان، وزرت بطريرك الأقباط وشيخ دار الفتوى. أنهينا المهمة. وأُعلنت النتيجة رسمياً من مقر الأمم المتحدة، فاقترحت على الرئيس أن يتقدم بطلب انضمام إلى عضوية الأمم لتأكيد الاستقلال. وعلمت أنّ إمارة موناكو تفكر أيضاً بالانضمام، فاقترحت تقديم الطلبين معاً بالجلسة نفسها ليبدو التوازن الدولي بين دولة نامية ودولة أوروبية.
> أخبرنا عن دورك في الملفات الملحة تحت إدارة بطرس بطرس غالي.
- عندما هاجم الجيش الإسرائيلي بلدة قانا، مقر القوة الفيجية لليونيفيل بجنوب لبنان، أُثيرت أزمة سياسية حول التقرير الرسمي. هل ينشر أم لا؟ لبنان طالب بالنشر وإسرائيل طالبت بحفظ الملف. كان الأمين العام في ألمانيا عندما عُقد اجتماع داخلي. تدخلت مادلين أولبرايت مندوبة الولايات المتحدة مطالبة بعدم النشر. سايرها كوفي أنان، الأمين العام المساعد لعمليات حفظ السلام. شرحت له أنّ التلفزيون البريطاني (بي بي سي) قد أشار إلى النقاط الرئيسية ومن الصعب لفلفة الموضوع. عاد غالي ووصل الرئيس اللبناني إلياس الهراوي لعرض القضية على الجمعية العامة. وخلال اجتماع في مكتب الأمين العام شرح الهراوي التفاصيل وهو يشير إلى «قانا الجليل». التقط غالي الإشارة واتخذ القرار بالنشر. اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز واقترح التأجيل بضعة أيام يرسل خلالها قائد الجيش الجنرال إيهود باراك للاطلاع عليه. تدخلت أولبرايت من جديد؛ لكن القرار حدد بالتنفيذ. بعدها بدأت أولبرايت حملة ضد التجديد لغالي، وحملتني مسؤولية خاصة عندما دافعت عنه عبر وسائل الإعلام، خصوصاً في «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» ومحطات التلفزيون الرئيسية. بل ازدادت حملتها علي بعد ترشيح أمين عام جديد. مع أنّ كوفي أنان كان زميلي وصديقي طوال الأعوام. شرحت أنّ هناك أميناً عاماً واحداً وأنّ ولائي الوحيد له، حتى نهاية ولايته في آخر السنة. وتوجهت إلى مكتبه بعد أن بدأ كثيرون التخلي عنه.
> تقاعدت من الأمم المتحدة تحت رئاسة كوفي أنان، في الفترة التي قررت الولايات المتحدة الأميركية اجتياح العراق رغم رفض الأمم المتحدة. ما كواليس هذه الأزمة؟ وكيف تتذكر آخر أيامك في المنظمة؟
- شعرت أنّني أرتاح في العمل الميداني أكثر من الإشراف الإداري. أشعر لدى مساهمتي بتوفير الغذاء للأطفال والتعليم المشترك، وتعزيز كرامة الإنسان في المجتمعات النّامية والمساهمة في حرية استقلال الشعوب كأنّني ولد بسيط.
اقترح كوفي أنان التّعاون المستمر كما كنّا طوال عقود، ورغم مسايرة الجميع والانقسام الدّائم، كنت أدرك مشاعره الدّاخلية من بعض الملامح. وبعد أيام من اجتياح القوات الأميركية للعراق من دون موافقة الأمم المتحدة، لاحظت خلال لقاء معه، بعد اجتماعه مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، أنّ أجفانه ترفّ بسرعة وصوته يبح خوفاً ونحن نشاهد طائرات الهليكوبتر العسكرية تطوف حول مبنى الأمانة العامة. عندما أشرت إليها كأنّها سترتطم بالمكتب مثل مركز التجارة العالمي، ضرب قبضته على يدي. فشرحت رأيي له أنّهم دخلوا العراق من دون إذن شرعي من المنظّمة، ولكنّهم لا بدّ سيحتاجون إلى قرارها بخروج اللائحة.
كنت أسكن على بعد دقائق من باب البيت إلى المكتب. وبعد يوم طويل من الاستماع إلى خطابات السفراء ومطالب الموظفين مررت على دكان قريب من منزلي لشراء بعض الأغذية وجدته قد أقفل وأنّ الساعة قد بلغت العاشرة والنصف مساءً. فتساءلت هل سأمضي ما تبقى من العمر على هذه الحال؟ أم سأحاول أقله الاستمتاع بالحياة؟ وفي اليوم التالي توجّهت إلى المكتب للوداع. كنت قد بدأت العمل في الأمم المتحدة عندما جئت من روما، على افتراض أن أبقى 6 أشهر فقط، وبقيت 44 سنة.
> ما نصيحتك للصحافيين الشباب؟
- أشجعهم على التطلع نحو الإعلام الدبلوماسي، وأقترح عليهم تحديد الهدف على قدر الموهبة المناسبة وتخطيط أسلوب للتنفيذ. والأهم أن يستمعوا قبل أن يتكلّموا، ويفكروا قبل أن يكتبوا. وألا يستجدوا بل يتقدموا بالموهبة الخلاقة والرأي الحر المستقل. فالمصداقية ثروة. والتّعرف على الآخرين بلا مكابرة ولا ادعاء. اكتشفت بالتجربة أنّ الاتصال بالآخرين يوفّر ثقافة حضارية واحترام كرامة الإنسان تبدأ بالنفس أولاً. وألّا يتخلوا عن جذورهم مهما كبرت الإغراءات.
> كيف كانت علاقتك مع الصحافيين ومراسلي الأمم المتحدة؟
- بين الصحافة والسياسة الدبلوماسية حاجز من ورق وجسر من الاهتمام المشترك، ساعدت خلفيتي الصحافية في تفهم احتياجات الصحافيين والمراسلين بمختلف المواقع والمهمات. كانت هناك 3 مراحل.
الأولى عند بدء عملي الصحافي في بيروت. كنت طالباً في الجامعة أطمح للعمل الصحافي، وأشاهد أكبر المراسلين الأجانب وألمعهم من على شرفة فندق السان جورج. فرحتي كانت كبيرة عندما حصلت على أوّل حديث صحافي من الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك داغ همرشولد.
المرحلة الثانية عندما تسلمت عملي بالأمم المتحدة في الجنوب «اليونيفيل» والاتصالات مع دول المنظمة العربية، وعندما انتقل تجمّع المراسلين إلى فندق «الكومودور» قرب منزل عائلتي في رأس بيروت، أصبحت أتردد على بهو الفندق أو أستقبلهم في مكتبي القريب بالمنارة. وقتها انطلق عدد من المراسلين للشهرة الإعلامية من بينهم توماس فريدمان، المعلّق الأسبوعي في «نيويورك تايمز» الذي بدأ في مكتب «أسوشييتد برس» في مبنى النهار شارع الحمرا؛ وروبرت فيسك وكان مراسلاً لـ«التايمز» اللندنية، ولورين جانكينز الذي فاز بجائزة «بوليتزر» الإعلامية لتغطيته أحداث بيروت عام 1982.
المرحلة الثالثة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، حيث يعمل المراسلون بمكاتب في المبنى نفسه. ومهمتي كانت تقديم رؤساء الدّول والحكومات في المؤتمرات الصحافية، أسهمت خلالها بنسج علاقات ودّية مع وبين الطرفين. بعض الرؤساء كان يحاذر اللقاء مع الصحافيين، كما أنّ بعض المراسلين كان يشكّ في فائدة الحوار المثمر مع عدد من الرؤساء، أفادتني التجربة بالوصول إلى توازن عملي بين اللياقات الرسمية والنتائج المهنية. اكتسبت أصدقاء العمل من خلال الممارسة اليومية مع المراسلين. وتأكدت بعد عمل دولي لثلاثة عقود أنّني في نهاية الأمر صحافي.
> كيف ترى الأمم المتحدة اليوم كمنظومة؟
- كانت المركز الرئيسي للعلاقات التفاوضية بين الدّول الأعضاء، لكنّ دورها تلاشى في العقدين الماضيين. وبعد أن حازت جائزة نوبل للسلام لوقفها إطلاق النار والمراقبة الفعالة للنزاعات المسلحة في القارات الخمس، باتت الصحافة تتحدّث اليوم، عن فضائح الاستغلال الجنسي لعدد من المراقبين في أفريقيا الوسطى والغابون وهايتي. إنّها بحاجة للدول الكبرى لتستمر والصغرى لتنجح.
نتذكّر مثلاً، كيف أوقف الأمين العام الأسبق داغ همرشولد احتمالية اندلاع حرب بين الولايات المتحدة والصين بسبب اختطاف طيّار في آسيا لوقف حرب السويس. وكيف قتل بعد تحطّم طائرته أثناء محاولته تدبير وقف القتال في الكونغو. ونجح يو ثانت بعده في ترتيب تسوية لتجنيب الحرب حول تشيكوسلوفاكيا، ومنع حرب عالمية ثالثة حول كوبا. وطرح أسس حل لمشاكل الشرق الأوسط على أساس الشرعية الدّولية. وكيف استطاع خافيير بيريز دي كويلار إنجاز مهمة وقف المعارك في سان سلفادور وغواتيمالا، ووقف إطلاق النار بين العراق وإيران. ولا ننسى الدور الأساس الذي لعبه الدكتور بطرس غالي في تفادي المعارك بين صربيا وكرواتيا والبوسنة.
تعكس الأمم المتحدة عادة حال العالم، الذي تبدّل مع الألفية الثالثة فاختفت وانقسمت دول أعضاء، وبرزت أخرى جديدة وتبدّلت أسماء بعضها، كما تبدّلت مفاهيم القيادة، ودور المؤسسات. عالم جديد غاضب وغامض لم تتضح معالمه بعد، يحتاج إلى تحوّل واقعي للإطار الدّولي الشّامل. أمّا بالنسبة للمنفعة العربية فانعكس تلاشي دور الأمم المتحدة على أصحاب قضايا المنطقة. وبات التمثيل العربي بحاجة لمراجعة واقعية. فليس من عربي واحد في مركز نافذ داخل الأمانة العامة، على عكس ما كان في السابق حين ترأس 3 من بينهم امرأة عربية، دوائر مهمة كالإعلام وإدارة الاجتماعات وصندوق التنمية السّكانية.



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».