لقاء دياب والمفتي ينتظر توفّر أجواء إيجابية

الحكومة بحاجة إلى استعادة ثقة اللبنانيين... وفريق «14 آذار» غير متفائل بقدرتها على معالجة الأزمات

TT

لقاء دياب والمفتي ينتظر توفّر أجواء إيجابية

تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة ورئيسها حسان دياب، تحديات كبيرة داخلية وخارجية، ستصعّب مهمتها، وتعمّق الأزمات المالية والاقتصادية وحتى السياسية التي تتخبّط بها البلاد، وأبرزها القدرة على تهدئة غضب الشارع الذي يواصل انتفاضته منذ ثلاثة أشهر ونيّف، ومعالجة الانهيار الاقتصادي والمالي، وإعادة بناء الثقة مع المجتمعين العربي والدولي.
وفيما تعترف قوى وأحزاب «8 آذار» بأنها شكّلت حكومة «اللون الواحد» على طريقة المحاصصة، تحاول قوى «14 آذار» منحها فرصة لمراقبة أدائها حيال الملفات المشتعلة، قبل تحديد طبيعة التعاطي معها.
وأولى العقبات الداخلية التي واجهها دياب ولا يزال، هي تلك المنطلقة من رفض الشارع السني له وموقف دار الفتوى في هذا الإطار في ظل ما يتردد من أن المفتي عبد اللطيف دريان يرفض استقباله.
وفي هذا الإطار، رأى رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام القاضي الشيخ خلدون عريمط، أن «عدم استعداد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، لاستقبال رئيس الحكومة الجديد حسان دياب، يعبر عن موقف ضمني بعدم رضا المفتي ودار الفتوى عن تسمية دياب لرئاسة الحكومة».
وأوضح عريمط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن دار الفتوى ومفتي الجمهورية «يجسدان دور لبنان الوطني والعربي والإسلامي، وهناك شعور لدى الرأي العام اللبناني وبخاصة أهل السنة بأن رئاسة الحكومة فُرضت عليهم من تحالف عون و(حزب الله)، ما أدى إلى إقصاء الحريري».
وقال عريمط القريب من أجواء المفتي دريان إن حسان دياب «سيكون أداة طيّعة للمحور الذي يمثله (حزب الله)، ومن هنا تأخذ دار الفتوى بعين الاعتبار مزاج الشارع اللبناني خصوصاً أهل السنة، الذين لم يتقبلوا حتى الآن ما أنتجه تحالف عون - (حزب الله)، ولهذا فإن صمت مفتي الجمهورية هو موقف بحد ذاته».
وعن الموعد المحتمل للقاء المفتي مع دياب، رأى الشيخ عريمط أنه «عندما تتهيأ أجواء إيجابية لدى الشارع السني عندها قد يحصل لقاء».
في موازاة ذلك، وعلى خط المهام المطلوبة من الحكومة، لا تبدي مصادر سياسية في فريق «14 آذار» تفاؤلاً بأي قدرة لحكومة حسّان دياب على معالجة الأزمات، رغم الوعود التي قطعها الوزراء الجدد بالعمل على تغيير الواقع القائم، وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن «النيّة شيء والإنجاز شيء آخر». وسألت: «هل تستطيع الحكومة لجم دور (حزب الله) التخريبي في المنطقة؟ ما موقفها من تفرّد الحزب بإعلانه الحرب على الأميركيين وحلفائهم في المنطقة بعد مقتل قاسم سليماني؟». وشددت على أن «الحكومة لا يمكنها أن تطلب مساعدة الدول الشقيقة والصديقة في ظلّ السياسة العدائية التي ينتهجها (حزب الله) تجاه دول الخليج العربي ولا سيما المملكة العربية السعودية، وضدّ الولايات المتحدة الأميركية».
وتتقاطع مواقف السياسيين وخبراء الاقتصاد عند المهمّة الشاقة التي تنتظر الحكومة وعجزها عن نقل البلد من حالة الانهيار إلى حالة الاستقرار، رغم الإقرار بأن معظم وزراء هذه الحكومة نظيفو الكفّ وغير ملوثين بالفساد. ورأى الوزير السابق رشيد درباس أن «الورود مهما كانت جيدة، إذا زرعتها على رمال الشاطئ، سرعان ما تأتي الأمواج وتجرفها، وبالتالي فإن الوزراء الجدد زرعوا في المكان الخطأ». ولفت درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «مهام كل الوزراء شاقة، لكنّ الأضواء مسلّطة على وزير الخارجية ناصيف حتّي، وترقب مدى قدرته على ترميم علاقات لبنان مع الدول العربية والمجتمع الدولي، وهل سيكون قادراً على إقناع العالم بالتزام لبنان سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة؟».
وسأل درباس: «هل يستطيع وزير المال (غازي وزنة)، إعادة هيكلة بنية الإنفاق الداخلي؟ وهل يتمكن من ربط لبنان بعلاقات مالية مع دول العالم ومع الدول العربية، حتى يعيد الثقة للاقتصاد اللبناني؟»، لافتاً إلى أهمية دور وزيرة الدفاع في المرحلة المقبلة. وقال درباس: «من الواضح أن وزارة الدفاع مرتبطة إلى حدٍّ كبير بشخصية قائد الجيش (العماد جوزيف عون)، الذي بنى علاقات جيدة مع الأميركيين، من أجل مساعدة الجيش في التسليح والتدريب والعتاد»، معتبراً أن «الوزراء الجدد ليس لديهم تاريخ بالفساد، لكن الكل يعترف أن الحكومة هي حكومة محاصصة داخل الفريق الواحد».
وينتظر أن تحدد الحكومة من خلال بيانها الوزاري، آليات عملها لوقف الانهيار، وإعادة بناء الثقة مع المواطنين، والأهم بناء جسور الثقة من الدول الشقيقة والصديقة. غير أن الخبير المالي والاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي بدا متشائماً، ولاحظ أن الحكومة الجديدة «ستثبت قريباً عجزها عن تنفيذ مطالب الحراك الشعبي وإنقاذ البلد». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المطلب الأساسي للشعب اللبناني هو تعيين وزراء اختصاصيين مستقلين في حكومة مستقلة، لأن توافر الاستقلالية للحكومة يؤمّن ثلاثة أمور أساسية: استعادة الأموال المنهوبة، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ومحاسبة النظام المصرفي من رأس الهرم حتى أسفله». وشدد يشوعي على أن «الخيبة الأولى أتت بتصريحات وزير المال (غازي وزنة) الذي أعلن عن حاجة لبنان إلى قروض سريعة بنحو خمسة مليارات دولار، لشراء الطحين والمحروقات والدواء».
وسأل: «هل يعقل أن نستدين هذه المليارات لتأمين الأكل والدواء؟»، مشيراً إلى أن لبنان «لديه قدرات ذاتية إذا أعاد النظر بطريقة إدارتها لمعالجة أزماتنا، وهي الخدمات العامة، والانصراف إلى استخراج الغاز والنفط، ومعالجة الهدر في الكهرباء والتهرّب الضريبي وغيرها».
ورغم محاولات لجم ارتفاع الدولار مقابل الليرة اللبنانية بالتزامن مع إعلان ولادة الحكومة، فإن العملة الوطنية تواصل خسارة قيمتها رغم وعود المعالجة، وعبّر يشوعي عن أسفه لأن الحكومة «لن تستطيع خلق جو من الثقة». وقال: «عندما يؤمن الناس على إيداع أموالهم بالمصارف بدل تخزينها في البيوت، عندها تبدأ المصارف بتمويل المنتج والمورّد والمستهلك والتاجر، وتعود الحركة الاقتصادية والمالية إلى الانتظام». ولاحظ أن «الحكومة بعيدة عن تطلعات الناس، ولا يمكن وصفها إلا بأنها حكومة إفلاس البلد وحماية الطبقة السياسية التي أنتجتها».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.