«أبو طارق» يعبر بطبق الكشري إلى أوروبا

إذا أردت أن تعرف سر الإقبال على كشري أبو طارق، بوسط القاهرة، وكيف انتقل به إلى عواصم عربية، فعليك بالذهاب إلى أحد المطابخ التابعة للمحل، بضاحية معروف، هناك ربما ستكتشف السر.
بدخولك للمطبخ ستجد الأمر في ظاهره اعتيادياً للغاية، فالطهاة واقفون يحملون المكونات، كل بما كلف به، فهذا يقطع البصل إلى شرائح ويحمره في الزيت حتى يأخذ اللون الذهبي، ومع التقليب المستمر يصبح مقرمشاً، وآخر يسلق المكرونة، ثم يصفيها ويأخذ جزءاً من الزيت الذي تم تحمير البصل فيه ويقلب به المكرونة.
في الجهة المقابلة يشرف الشيف علي حسين، على سلق العدس، ويشير لأحدهم أن يقلبه بجزء من الزيت أيضاً، لافتاً إلى أهمية إضافة الملح والكمون في تلك المرحلة.
صنعة الكشري كما يطلقون عليها في مصر، لها أسلوبها عند طهاة «أبو طارق»، فالشيف مصطفى عبد العظيم، الذي لم يتجاوز الثلاثين عاماً، وأحد العاملين بالمحل، يؤكد أنه وزملاؤه الطهاة لا يأتون بجديد في العمل، فهم يعدون وجبة الكشري كما يعدها المنافسون، لكن كل ما يميزهم - بحسب تعبيره - الجودة في اختيار المكونات، وسر آخر علمهم إياه الحاج يوسف زكي، الشهير بـ«أبو طارق» نسبة إلى نجله الكبير، لن يستطيع أحد من العاملين الإفصاح عنها، وفق تصريحه لـ«الشرق الأوسط».
«حبنا لهذه المهنة يجعل من واجبنا الحفاظ على هويتها، والتأكيد على مصريتها الخالصة»، بتلك الكلمات استهل طارق، حديثه لـ«الشرق الأوسط»، وقال: «إن الانتقال لفكرة إعداد فروع للمحل في جدة ومكة بالسعودية، وكذلك دبي بالإمارات العربية المتحدة، لم تأتِ دون تفكير مسبق، إذ تم التخطيط لها في مصر أولاً، من خلال الشروع في إنشاء محل موازٍ للمقر الرئيسي بشارع معروف بوسط البلد، ويكون مقره بالتجمع الخامس»، منوّهاً بأن ذلك الفرع يُعد مدرسة للكشري، بحسب وصفه، فمن خلاله يتم تعليم الشباب على سر «الصنعة».
من داخل المطبخ، تشاهد الشاب الصغير زياد، يُحمر الشعرية في جزء من الزيت، ويضيف إليها الأرز الأبيض بعد غسله بالماء والملح والكمون، ومن خلفه يقف آخر يفرم الثوم مع الملح ويأخذ جزءاً منه ويضيف إليه عصير الطماطم والملح وثوم مفروم لم يستوِ بعد، ويتابع الصلصة حتى تصبح غليظة القوام.
ولا تخلو وجبة الكشري من الحمص، الذي يُعَد عن طريق وضعه في كمية وفيرة من الماء مع إضافة جزء من الثوم المفروم والملح والكمون، ثم ينتهي الأمر بـ«الدَقة»، التي تعد بطريقة أخذ جزء من ماء الحمص بعد سلقه ويضاف إليه مقدار من الثوم المفروم مع عصير ليمون، حينها تكون على موعد مع طبق كشري مصري النكهة، شعبي المذاق.
خروج «أبو طارق» من المحلية للشهرة الإقليمية برزت في يناير (كانون الثاني) من عام 2018، حين أقام احتفالية ضخمة في جدة، على إثر افتتاح فرعه هناك، ويشير حسن أحد أبناء «أبو طارق» لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن تلك الخطوة أتت نتيجة عقد توأمة استثمارية مع شركة «رغائب» السعودية، التي بدأت تلك الفكرة بمكة المكرمة، حين افتتحت أول فروع المحل الشهير بها مستهل عام 2017.
توسع «أبو طارق» لم يقتصر على المملكة فقط، بل افتتح فرعاً آخر في دبي، يقدم نفس المنتج بنفس الجودة، وفقاً لما أشار إليه طارق.
وبسؤاله عن المحل الذي يحمل اسمه في دولة الكويت، نفى حسن جملة وتفصيلاً أن يكون هذا الفرع يمت إليهم بأي صلة، معتبراً أن القائمين عليه فعلوا ذلك للتربح وجني الأموال باستغلال اسم «أبو طارق».
وعن إقبال الشعبين السعودي والإماراتي على كشري «أبو طارق»، أشار الابن الأكبر إلى أنه لا يقل بأي حال عن الوضع في مصر، لذلك يعتبر أن من واجبه رد الجميل لأبناء مكة وجدة، بأن جعلوا تناول الوجبات في المطعم بالمجان في اليوم الوطني السعودي، رداً للجميل والإقبال الشديد من جهة، ومن جهة أخرى إبراز أن الهدف من تلك الفروع في الدولتين العربيتين ليس من قبيل جني الأموال، وإنما لرفع اسم مصر في عمل تتخصص فيه، وفق ما قاله طارق.
ومتوسط الأسعار في الدولتين العربيتين السعودية والإمارات، هي 8 ريالات، وهو لا يختلف كثيراً عن الأسعار في مصر، وفق ما أشار إليه طارق، ولفت إلى أن والده يوسف زكي، ينوي خلال هذا العام إعداد مفاجأة لمحبيه بافتتاح فرعين جديدين في باريس ولندن، ليمثل على المستوى الأوروبي.
وكانت عالمية «أبو طارق» قد برزت من قبل من خلال تقرير أعدته «مونت كارلو الدولية» في أغسطس (آب) من عام 2018، أكدت خلاله أن الكشري الذي يقدمه أبو طارق كان سبباً في الجذب السياحي، خاصة بعد أن تحولت عربته الصغيرة لبيع الكشري في خمسينيات القرن الماضي إلى مقصد للسياح العرب والأجانب.
السعي نحو العالمية، بحسب زكي، ليس وليدة اللحظة، أي قبل إنشاء فروع عربياً ودولياً، عندما قرروا المنافسة للدخول في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بإعدادهم أكبر طبق كشري في العالم، وكان وزنه وقتها 8 آلاف كيلو غرام، وطوله 10 أمتار، في حين كان ارتفاعه 1.2 متر.