لا يتوقف الليبيون عن ترديد اتهامات للرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأنه أول من تخلى عن رئيسهم الراحل معمر القذافي، عقب «انتفاضة» 17 فبراير (شباط) لينضم إلى المعسكر الآخر، رغم ثنائه الدائم عليه، وحصوله على جائزة القذافي لحقوق الإنسان في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2010، أي قبل عام فقط من اندلاع المظاهرات التي أسقطته.
والعلاقة بين تركيا وليبيا قديمة، فعندما غزت أنقرة جزيرة قبرص عام 1974 وجدت نفسها من دون معدات عسكرية كافية، فلجأت إلى العقيد معمر القذافي، الذي أمر بإرسال 4 طائرات بعد تحميلها بالصواريخ والأسلحة الأميركية الصنع من المخازن الليبية، ورفض الحصول على ثمن هذه الأسلحة.
الآن وبعد عشر سنوات من حصول إردوغان على جائزة القذافي لحقوق الإنسان في حفل بالعاصمة طرابلس، يود العودة إلى ليبيا، لكن هذه المرة لتحقيق حلم البحث عن «إرث قديم»، ومد قدمه في البحر المتوسط، عبر نفق دعم الإسلاميين في غرب البلاد، متمثلاً في حكومة «الوفاق».
وفي مقابلة مع صحيفة «حرييت التركية»، وفقا لوكالة الأنباء الألمانية، أعاد الدبلوماسي التركي المتقاعد تانير بايتوك في واقعة الطائرات الأربع، بقوله: «لا يمكن أن أنسى مطلقا الصداقة التي أظهرها القذافي في هذا الوقت العصيب، وقد وصفها بأنها دين لا يمكن رده».
وبحسب عدد من المحللين فإن تعهد الرئيس إردوغان بإرسال قوات تركية إلى ليبيا لمساعدة حكومة فائز السراج، يهدد التوازن الدقيق للقوى في منطقة شرق البحر المتوسط، في الوقت الذي تتنازع فيه دول المنطقة على الثروات الغازية والبترولية الضخمة في المياه المحيطة بجزيرة قبرص، المقسمة بين القبارصة اليونانيين وحكومتهم المعترف بها عالميا، والقبارصة الأتراك في شمال الجزيرة، وحكومتهم التي لا تعترف بها سوى تركيا.
وقد جعلت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، التي وقعتها حكومة «الوفاق» في طرابلس مع تركيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تركيا تدعي أن لها حقوقا في أجزاء من مياه البحر المتوسط، التي تقول اليونان إنها تابعة لها وفقا للقانون الدولي. وفي الأسبوع الماضي أكد إردوغان أنه سيبدأ منح تراخيص للتنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط في المياه، التي تدعي تركيا حقها فيها، وفقا للاتفاقية الموقعة مع حكومة السراج، وهو ما يدفع بالتوترات في منطقة شرق البحر المتوسط إلى مستويات جديدة، ويهدد باتساع نطاق التصعيد في منطقة تتدخل فيها تاريخيا الولايات المتحدة وروسيا، ثم دولة الصين مؤخرا.
لكن إردوغان يرد على ذلك بالقول إن تركيا تسعى إلى التحول لمركز عالمي للطاقة، «ولا تسعى أبدا إلى التوتر الإقليمي». غير أن الغضب الإقليمي من الممارسات التركية ما يزال يتصاعد بغض النظر عن هذه التصريحات. وكمثال على ذلك فقد سبق أن حذرت مصر، التي تمتلك أكبر احتياطيات غاز مكتشفة في شرق البحر المتوسط، من «تداعيات» أي إجراءات تنتهك الحقوق السيادية لقبرص على مواردها، أو تهدد «الأمن والاستقرار» في المنطقة. أما قبرص التي انقسمت في 1974 إلى شطر شمالي، يسكنه القبارصة الأتراك ولا تعترف به سوى تركيا، وشطر جنوبي تعترف به دول العالم كله تقريبا، فقالت عبر وزارة خارجيتها إن «تركيا تحولت إلى دولة تمارس القرصنة في شرق المتوسط».
وأمام هذا التصعيد التركي المتصاعد، أعلنت فرنسا التي استعرضت عضلاتها العسكرية البحرية في شرق المتوسط، أنها تعتزم إرسال حاملة الطائرات شارل ديغول إلى المنطقة خلال الأيام المقبلة في استعراض للقوة، بحسب المسؤول القبرصي. وقد جاء هذا التصريح بعد أن قال إردوغان مؤخرا إنه يجب أن يكون لليبيا وتركيا رأي في أي أنشطة للتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، أو مشروعات خطوط أنابيب الغاز فيها.
وبحسب المسؤول القبرصي فإن الصراع على النفوذ في منطقة شرق المتوسط حاليا، جاء نتيجة حالة الفراغ الناجم عن انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تحاول كل الأطراف الإقليمية ملء هذا الفراغ. وتأتي تحركات تركيا الأخيرة في منطقة تربط بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، في وقت يشهد فيه العالم تحولات في مواقف القوى العالمية، حيث تقلص واشنطن وجودها عبر البحار، في حين تعزز روسيا وجودها في المنطقة. وهذا التحول أتاح لإردوغان نافذة لاستعادة النفوذ التركي السابق في شرق المتوسط مع حليف قوي جديد هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يقول جريجوري لوكيانوف، خبير شؤون ليبيا في المجلس الروسي للشؤون الدولية، الذي أنشأته الحكومة الروسية، وفقا لوكالة الأنباء الألمانية: «إردوغان يريد دعم روسيا لاتفاق ترسيم الحدود مع ليبيا، ولذلك يريد المساعدة من بوتين لإنقاذ حكومة طرابلس من الهزيمة... وروسيا لن تخسر شيئا إذا حققت تركيا مصالحها... في حين أن أي عقوبات ستتعرض لها تركيا بسبب تحركاتها في المنطقة ستدفع ببساطة إردوغان إلى المزيد من التقارب مع موسكو، فالأمر إذن مفيد لروسيا في كل الأحوال».
أحلام إردوغان في ليبيا تحوّل «المتوسط» إلى بحر من الاضطرابات
محللون يرون أن إرسال قوات إلى ليبيا يهدد التوازن الدقيق للقوى في المنطقة
أحلام إردوغان في ليبيا تحوّل «المتوسط» إلى بحر من الاضطرابات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة