متاحف مصرية تتبنى دمج ذوي الاحتياجات الخاصة ثقافياً

عبر جولات ميدانية وورش تعلّم حرف يدوية

جانب من مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في ورشة تدوير الملابس
جانب من مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في ورشة تدوير الملابس
TT

متاحف مصرية تتبنى دمج ذوي الاحتياجات الخاصة ثقافياً

جانب من مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في ورشة تدوير الملابس
جانب من مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في ورشة تدوير الملابس

في تطور لافت، يُعزز جهود سنوات تحوّلت خلالها المتاحف المصرية إلى منابر ثقافية وفنية، وتوسعت في دورها المجتمعي، متجاوزة بذلك الدور التقليدي القديم الذي يقتصر على عرض مُقتنياتها، استحدثت وزارة السياحة والآثار إدارة جديدة تحت اسم «الإدارة العامة للتربية المتحفية لذوي الاحتياجات الخاصة» التي تتبع قطاع المتاحف بهدف الدمج الثقافي والفني لذوي الاحتياجات الخاصة، وربطهم بالمتاحف والآثار، وشهدت منطقة آثار جنوب القاهرة أول الأنشطة الميدانية التي شارك فيها عدد من المكفوفين من محافظة الإسماعيلية (شرق القاهرة) لإحياء ذكرى ميلاد لويس برايل مخترع طريقة الكتابة على الأحرف البارزة (برايل) للمكفوفين.
ووضعت الإدارة العامة للتربية المتحفية لذوي الاحتياجات الخاصة خطة عمل بدأتها بتدشين إدارة فرعية في كل متحف لضمان وصول الأنشطة إلى الأشخاص المستهدفين في المحافظات كافة؛ إذ سيشارك أعضاء الإدارات الفرعية الجديدة في دورات تدريبية لتأهيلهم على التعامل مع قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة وفهم احتياجاتهم وتطلعاتهم.
ويأتي تخصيص إدارة لذوي الاحتياجات الخاصة تماشياً مع التوجهات الرسمية لمؤسسات الدولة التي أولت اهتماماً كبيراً بالقضية خلال السنوات الماضية، فضلاً عن الزخم الاجتماعي الذي وضع الكثير من الفئات المهمشة في دائرة اهتمام الرأي العام.
وتُركز خطة العمل على الوصول إلى فئات ذوي الاحتياجات الخاصة كافة في جميع المحافظات، خصوصاً القرى والمناطق النائية باعتبارهم الأكثر احتياجاً، بجانب الاهتمام بفئات أخرى متنوعة لا تندرج ضمن فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، منها الأطفال بلا مأوى، والتلاميذ المتسربون من التعليم، وأصحاب الأمراض المزمنة.
ويبلغ عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر أكثر من 10 ملايين شخص، وفقاً للإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في عام 2018 يمثلون نحو 10.6 في المائة من إجمالي عدد السكان.
وتُعد الجولات الميدانية في المناطق الأثرية والمعالم التاريخية إحدى أهم ركائز الأنشطة المتنوعة التي يعوّل عليها التوجه الجديد، باعتبار أن زيارة المتاحف والآثار هي الخطوة الأولى للانخراط في الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة، التي تتضمن حفلات ترفيهية وجولات لزيارة المعالم الأثرية المختلفة، ومحاضرات ثقافية، وورشاً فنية لأنواع الفنون كافة، منها التصوير والفنون التشكيلية، والحرف اليدوية التراثية، وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة.
أحمد ناجي، مدير الإدارة العامة للتربية المتحفية لذوي الاحتياجات الخاصة، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «تدشين إدارة للتربية المتحفية خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة يأتي تماشياً مع تطور الدور الثقافي والفني للمتاحف، التي لم تعد مجرد مكان لعرض مقتنياتها، وأصبح دورها المجتمعي جزءاً لا يتجزأ من وجودها».
ويضيف ناجي: «إلى جانب الانتهاء من وضع خطة أنشطة متكاملة للمرحلة المقبلة، نقوم بجولات في الوقت الراهن بمحافظات مصر كافة لتأسيس إدارة فرعية في كل متحف، وعقد لقاءات مع الجمعيات الأهلية لإشراكها في برامجنا، حيث نسعى للوصول إلى ذوي الاحتياجات الخاصة بغض النظر عن مكان تواجدهم؛ لذلك نركز على المحافظات الإقليمية والقرى والمناطق النائية».
وشهدت منطقة آثار جنوب القاهرة أخيراً، أول الأنشطة الميدانية من خلال مبادرة «أمل الغد» التي أطلقتها الإدارة العامة للتربية المتحفية لذوي الاحتياجات الخاصة بالتعاون مع إدارة الوعي الأثري والتواصل المجتمعي في القاهرة التاريخية، التي تضمنت احتفالية لإحياء ذكرى ميلاد لويس برايل مخترع الكتابة بطريقة الأحرف البارزة (برايل) الذي ولد في 4 يناير (كانون الثاني) عام 1809، أُقيمت الاحتفالية في متحف جاير أندرسون، وشارك فيها عدد من المكفوفين من محافظة الإسماعيلية بالتنسيق مع جمعية المستقبل للرعاية المتكاملة للمكفوفين بالمحافظة.
وتضمنت الاحتفالية جولات ميدانية لزيارة قاعات متحف جاير أندرسون، ومسجد أحمد بن طولون، وورشة فنية لتدريب المكفوفين المشاركين على فن إعادة تدوير الملابس، وورشة «حكي» عن شخصية أحمد بن طولون ضمن فقرة «شخصية اليوم»، حيث يتم خلال الجولات الميدانية اختيار شخصية تاريخية لتكون موضوع ورشة «الحكي».
بدورها، تقول الدكتورة هبة عبد العزيز، مفتشة آثار بإدارة الوعي الأثري والتواصل المجتمعي بالقاهرة التاريخية لـ«الشرق الأوسط»، إن «المبادرة تسعى إلى التعبير عن تطلعات ذوي الاحتياجات الخاصة، وتتبع أدوات جديدة تقوم على الاستماع إليهم ومعرفة رغباتهم، فهم سيختارون الحِرف التي يريدون تعلمها، وسيساهمون في تحديد الأنشطة التي تناسبهم، وبالفعل طلب بعضهم تعلم حِرف يمكنها أن تتحول لمهن تحقق لهم دخلاً مادياً، كما نسعى إلى جعلهم جزءاً لا يتجزأ من عالم المتاحف والآثار بما يساهم في زيادة وعيهم وثقافتهم ومعارفهم».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».