فرنسا تعزز قواتها المنتشرة في بلدان الساحل

رئيس أركانها: حضورنا العسكري سيكون «طويل المدى»

وزيرة الدفاع الفرنسية تتوسط نظيريها البرتغالي والسويدي في باماكو (مالي) أول من أمس (رويترز)
وزيرة الدفاع الفرنسية تتوسط نظيريها البرتغالي والسويدي في باماكو (مالي) أول من أمس (رويترز)
TT

فرنسا تعزز قواتها المنتشرة في بلدان الساحل

وزيرة الدفاع الفرنسية تتوسط نظيريها البرتغالي والسويدي في باماكو (مالي) أول من أمس (رويترز)
وزيرة الدفاع الفرنسية تتوسط نظيريها البرتغالي والسويدي في باماكو (مالي) أول من أمس (رويترز)

تتميز المرحلة ما بعد قمة مدينة «بو»، الفرنسية - الأفريقية، التي عقدت في 13 يناير (كانون الثاني) الحالي بحضور الرئيس ماكرون وقادة بلدان الساحل الخمسة (موريتانيا، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد)، برغبة فرنسية في الإسراع بتنفيذ المقررات التي تم التوافق عليها. وأبرز هذه المقررات تركيز الجهد العسكري الجماعي على منطقة «الحدود الثلاثية» (أي مالي والنيجر وبوركينا فاسو)، و«إطلاق التحالف» الدولي لمحاربة «الجهاديين والإرهاب»، وثني الولايات المتحدة الأميركية عن تنفيذ مخططاتها بخفض حضورها العسكري في أفريقيا بما يشمل بلدان الساحل، وأخيراً تحفيز الدول الأوروبية على زيادة مساهماتها في الجهد العسكري. أما لجهة الوعود، فكان أولها إعلان الرئيس ماكرون عن تعزيز «قوة برخان» بإرسال 220 عسكرياً إضافياً ينضمون إلى الـ4500 جندي الذين تتشكل منهم القوة الفرنسية العاملة في المنطقة منذ عام 2014.
من أجل هذا الغرض، تتحرك باريس في كل اتجاه. فقبل أن يجف حبر البيان الختامي للقمة، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد طلب من وزارة الدفاع ورئاسة الأركان نقل وحدات من الجيش الفرنسي من ساحل العاج إلى منطقة «الحدود الثلاثية»، فيما أعلنت رئاسة الأركان عن بدء تشغيل طائرات مسيرة من طراز «ريبر» أميركية الصنع مسلحة بصواريخ «هيلفاير»، مما يوفر لـ«قوة برخانّ» قدرات استخباراتية إضافية وقوة نار يمكن استخدامها عن بعد وضرب أهداف بعيدة المدى من غير تعريض وحداتها أو قوتها الجوية للخطر.
وفي سياق موازٍ، قامت فلورانس بارلي، وزيرة الدفاع الفرنسية، برفقة نظرائها من إستونيا والسويد والبرتغال، بجولة أفريقية شملت تشاد ومالي «من أجل التأكيد على (البعد الأوروبي) في محاربة الجهاديين والإرهابيين في بلدان الساحل». وأعلنت بارلي بعد لقاء جماعي، يوم الاثنين الماضي، مع رئيس مالي إبراهيم بوبكر كيتا، أن «عمليات جديدة سيتم القيام بها في منطقة الحدود المثلثة في الأسابيع المقبلة» ولكن من غير توفير مزيد من التفاصيل. وما يدل على الحاجة الملحة لتركيز العمليات العسكرية على المنطقة المشار إليها، ازدياد أنشطة تنظيم «الخلافة الإسلامية في منطقة الصحراء» وآخر ما قام به الهجوم الذي وقع ليل الأربعاء - الخميس وذهب ضحيته 6 جنود ماليين في موقع قريب من حدود بوركينا فاسو. ولم تعد تحصى العمليات الجريئة التي يقوم بها التنظيم المذكور أو فرع «القاعدة» هناك، والتي تصيب العسكريين والمدنيين على حد سواء.
لم يقف الجهد الفرنسي عند هذا الحد؛ إذ إن رئيس الأركان الجنرال فرنسوا لوكوانتر كشف، أول من أمس، في لقاء مع الصحافة الدفاعية عن أن «قوة برخان» سوف «تتعزز بوسائل عسكرية إضافية، وسأقوم بعرض تفاصيلها على رئيس الجمهورية في الأيام المقبلة». وعلم أن المقصود بذلك وسائل لوجيستية وقدرات استخباراتية. وبحسب رئيس الأركان الفرنسي، فإن قدرات بلاده العسكرية المخصصة لمحاربة الإرهابيين في منطقة «الحدود الثلاثية» «غير كافية لتكون القوة فاعلة بشكل دائم بسبب اتساعها من جهة، وبسبب نقص الكثير من جهة أخرى، خصوصا أن من بين الـ2400 عسكري، هناك ما لا يقل عن 500 مخصصين للمهام اللوجيستية أو الدعم، مما يعني أن (قوة برخان) المقاتلة لا تزيد على ألفي رجل في أفضل الأحوال».
انطلاقاً من هذا التشخيص المتشائم، تسعى باريس لدفع شركائها الأوروبيين لمزيد من الانخراط في الأعمال القتالية؛ الأمر الذي يبين أهمية الزيارة الجماعية الفرنسية - الأوروبية إلى بلدين من بلدان الساحل. وتشكو فرنسا من بطء تحرك شركائها في أوروبا وهي تعدّ أنها تقوم مقامهم في محاربة الإرهاب في أفريقيا. ولا شك في أن باريس محقة في شكواها؛ إذ إن ما تحصل عليه من دعم أوروبي ضعيف للغاية (لوجيستي وتدريبي)، وما تسعى إليه وجود وحدات أوروبية قتالية إلى جانبها. من هنا؛ أهمية رهانها على تشكيل قوة كوماندوز أوروبية من 500 رجل تحت اسم «تابوكا (أي السيف)» تعمل جاهدة لإطلاقها. وسبق لعشرة بلدان أوروبية أن أعربت عن استعدادها للمشاركة فيها. بيد أن الأمور تتقدم ببطء شديد. وبحسب الجنرال لوكوانتر، فإن هذه القوة التي سيتم البدء بنشرها في الصيف المقبل «لن تكون فاعلة تماماً إلا بدءاً من الخريف الذي يليه». وفي أي حال، فإن لوكوانتر ينبه إلى أن الانخراط العسكري الفرنسي في المنطقة سيكون «طويل المدى» مما يعني عملياً أن الوحدات الفرنسية ستبقى في أفريقيا إلى أمد غير معروف. وفي مسعاها لاختصار المدة وتخفيف الأعباء عن كاهلها تدفع باريس باتجاه الإسراع بتهيئة وتعزيز «القوة الأفريقية المشتركة» التي تريدها جزءاً أساسياً من «التحالف» ضد الإرهاب، والتي ما زالت في خطواتها الأولى وينقصها التدريب والتمويل الكافيان.
يبقى أن الجناح العسكري وحده غير كاف. من هنا أهمية المواكبة الدبلوماسية، ولهذا الغرض قام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في 21 يناير (كانون الثاني) الحالي، بزيارة إلى الجزائر هي الأولى من نوعها لمسؤول فرنسي منذ عام؛ أي منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في هذا البلد. وبحسب الوزير الفرنسي، فإن الغرض من الزيارة «تقويم الوضع في منطقة الساحل، والتذكير بأهدافنا المشتركة لتوفير الأمن ومحاربة الإرهاب»، ولذا، فإن «مشاوراتنا بالغة الأهمية». كذلك، فإن وزيرة الدفاع سوف تقوم بزيارة (قبل نهاية الشهر الحالي) إلى واشنطن للتشاور مع المسؤولين الأميركيين والتركيز على أهمية بقاء الانخراط العسكري الأميركي، والتبعات المترتبة على انسحاب متسرع من منطقة بالغة الحساسية وتأثير ذلك على محاربة الإرهاب.


مقالات ذات صلة

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا سيارات همفي تابعة لـ«طالبان» متوقفة أثناء مراسم جنازة خليل الرحمن حقاني جنوب كابل 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

تشييع وزير اللاجئين الأفغاني غداة مقتله في هجوم انتحاري

شارك آلاف الأفغان، الخميس، في تشييع وزير اللاجئين خليل الرحمن حقاني، غداة مقتله في هجوم انتحاري استهدفه في كابل وتبنّاه تنظيم «داعش».

«الشرق الأوسط» (شرنة (أفغانستان))
شؤون إقليمية عناصر من قوات مكافحة الإرهاب التركية أثناء عملية استهدفت «داعش» (إعلام تركي)

تركيا: القبض على 47 من عناصر «داعش»

ألقت قوات مكافحة الإرهاب بتركيا القبض على 47 من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، في حملة شملت 5 ولايات؛ بينها أنقرة وإسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا الجيش الموريتاني خلال مناورات على الحدود مع مالي مايو الماضي (أرشيف الجيش الموريتاني)

الجيش الموريتاني: لن نسمح بأي انتهاك لحوزتنا الترابية

أفرجت السلطات في دولة مالي عن 6 مواطنين موريتانيين، كانت قد اعتقلتهم وحدة من مقاتلي مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مسيّرات تركية قصفت مستودع أسلحة يعود لقوات النظام السابق بمحيط مطار القامشلي (المرصد السوري)

مصادر لـ«الشرق الأوسط»: تركيا ستطالب أميركا بموقف حاسم من «الوحدات» الكردية

أكدت تركيا استمرار الفصائل الموالية لها في التقدم بمناطق «قسد»، وقالت مصادر إنها ستطلب من وزير الخارجية أنتوني بلينكن موقفاً أميركياً ضد «الوحدات» الكردية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
TT

أستراليا تعتزم فرض ضريبة على المنصات الرقمية التي لا تدفع مقابل نشر الأخبار

شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» الأميركية (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة الأسترالية اعتزامها فرض ضريبة كبيرة على المنصات ومحركات البحث التي ترفض تقاسم إيراداتها من المؤسسات الإعلامية الأسترالية مقابل نشر محتوى هذه المؤسسات.

وقال ستيفن جونز، مساعد وزير الخزانة، وميشيل رولاند وزيرة الاتصالات، إنه سيتم فرض الضريبة اعتباراً من أول يناير (كانون الثاني)، على الشركات التي تحقق إيرادات تزيد على 250 مليون دولار أسترالي (160 مليون دولار أميركي) سنوياً من السوق الأسترالية.

وتضم قائمة الشركات المستهدفة بالضريبة الجديدة «ميتا» مالكة منصات «فيسبوك»، و«واتساب» و«إنستغرام»، و«ألفابيت» مالكة شركة «غوغل»، وبايت دانس مالكة منصة «تيك توك». وستعوض هذه الضريبة الأموال التي لن تدفعها المنصات إلى وسائل الإعلام الأسترالية، في حين لم يتضح حتى الآن معدل الضريبة المنتظَرة، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

وقال جونز للصحافيين إن «الهدف الحقيقي ليس جمع الأموال... نتمنى ألا نحصل عائدات. الهدف الحقيقي هو التشجيع على عقد اتفاقيات بين المنصات ومؤسسات الإعلام في أستراليا».

جاءت هذه الخطوة بعد إعلان «ميتا» عدم تجديد الاتفاقات التي عقدتها لمدة3 سنوات مع المؤسسات الإعلامية الأسترالية لدفع مقابل المحتوى الخاص بهذه المؤسسات.

كانت الحكومة الأسترالية السابقة قد أصدرت قانوناً في عام 2021 باسم «قانون تفاوض وسائل الإعلام الجديدة» يجبر شركات التكنولوجيا العملاقة على عقد اتفاقيات تقاسم الإيرادات مع شركات الإعلام الأسترالية وإلا تواجه غرامة تبلغ 10 في المائة من إجمالي إيراداتها في أستراليا.