مِثلَ قطٍ يخرجُ من المطر، ينفضُ أيامَه ويذهبُ إلى العمل. العملُ وحدَه هو ما يجعله يقوى على الزمن. مَنْ يفهمُ ألغازَهُ، وهو يرسمُ عتابَه الرهيفَ على الفصول التي تتوالى دون أنْ تكترثَ بما يقترح من أسماء على أحلام العمل؟ ثم مَنْ يكترثُ بعجوزٍ يتظاهرُ بالفتى وينْقضُ الرماد؟ تفنى المسافةُ بين المنزل وبين ضجيج الناس، ولا يفنى الضجيج. يظلُّ يرتّب أثاث الصباح كلَّ يوم لكي يليقَ بمغادرته الباب وصعوده سلّم المسافة.
هناك، في أعلى السلم، يلقي تحيته على الفراغ المطبق، ثم يتخذُ مقعدَهُ على كرسي من هواء، إلى أن يحينَ موعدُ العودة للبيت. غير أنَّ في القلب من الضجيج ما يخصب الناس وهم يضعون أعضاءَ حبهم في مَهبِّ العطاء.
البيت لا يأتي لأحد، علينا أن نذهب إليه.
جميعنا مأخوذونَ بفكرة مكان الحب .المنزل مجرد فكرة، الناس فقط يمنحونه معنى قيد التحقق. كنت لأعطي الباقي من عمري لقاءَ يوم حبٍ آمن في بيت.
اطرقي الباب.
داخت الزوايا وتسربَ العطبُ من الشقوق،
وذبلتْ مزهرياتُ الحشا، أبْوابا شتَّى.
الوهم أن تعميكَ الستارةُ وهي أختُ الجدار،
والعمى أن تخاف من الريح محتميا بالنافذة.
من سيطرق باب البيت، والستارة تتجسس على الجدار؟
من سيأمنُ للحب، والضجيجُ يتربصُ بالسرير؟
كان طفلا على السطح فطار، وكانت غيمةٌ في الحرف فصارتْ اسمَها. وحين التقيا عند منابتِ الوعد، رأينا الأشجار ترقصُ في ترنيمة خضراء، وبيوت أعشاش تتكاثر في ريشها، ثم قيل: الحرية جناحٌ في الهواء. وقال العقلاء: الحبُّ بيتٌ مجنون، ولم ينتبه الزمانُ لما دار في الدار، ولكن أطفالا خرجوا للسطح وطاروا مع الغيمة، فتغيّر يومَها مزاجُ الشمس، وسمع النائمونَ حلما حارقا، وما ذاقوه.
سيغرسُ البيتُ نصلَه في خاصرة الحب، وسيتكاثر النسل.
كجرحى حرب، ستصطفُّ البناتُ أمام مرآة المدخل، وسيستند البنين على أكتافهنّ، وسيخرجون كلَّ صباح إلى فطور السُّلالةِ، غير متباهين بأب.
ستُطلقُ مئذنة الحي نفيرها، ليتشتت الجمع إلى مجرى أيامهم.
هاتوا كتفا يسندُ هذا الكتف المكسور،
ضعوا لأطفالكم دليلاً واحداً يسعف الغيمَ الماثلَ في مناكبنا.
الحُبُّ هو هنا، يكمنُ في العظام الحميمة التي تعطي من النساء أكثر ممّا تأخذ.
نفقدُ بيوتنا المجنونة، لنحصلَ على جنونٍ خالص.
نحن سلالةٌ تقاوم انقراضَها بجسارة المفقودين.
لولا اليأس، لولاه،
ولولا الكتمان،
لدلقنا في الفيافي نثرَ أسرارنا،
وليغرقَ العاشقُ قبل أن ينطق.
رفيف الظل: البيت لا يأتي لأحد
رفيف الظل: البيت لا يأتي لأحد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة