10 تقاطعات سورية ـ ليبية في مؤتمري فيينا وبرلين

روسيا تعزز موقعها وأميركا تتراجع

دوريتان أميركية وروسية شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
دوريتان أميركية وروسية شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
TT

10 تقاطعات سورية ـ ليبية في مؤتمري فيينا وبرلين

دوريتان أميركية وروسية شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)
دوريتان أميركية وروسية شمال شرقي سوريا أمس (أ.ف.ب)

تتقاطع إلى حد التطابق مخرجات قمة برلين حول ليبيا، البيان الختامي و«السلال» التنفيذية، مع نتائج مؤتمر فيينا حول سوريا قبل أربع سنوات وخصوصاً في مسألتين: عودة الدور الروسي وتراجع الدور الأميركي بتغيير مرجعيات العملية السياسية. يضاف إليهما، أمر ثالث مفاده، شكوك في أن تؤدي هذه «العملية السياسية - العسكرية» إلى وقف النار، ما يعني تحولها إلى منصة لمزيد من المكاسب العسكرية لحليف موسكو في ليبيا، المشير خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني»، كما كانت الحال في سوريا مع الرئيس بشار الأسد، حليف الرئيس فلاديمير بوتين.
ولدى المقارنة بين المسار السياسي - العسكري في ليبيا وسوريا وبين عمليتي فيينا وبرلين، يمكن الحديث عن 10 تقاطعات:
1 - «بيان جنيف» السوري و«اتفاق الصخيرات» الليبي. شكل «بيان جنيف» مرجعية العملية السياسية في سوريا بعد إقرار من أميركا وروسيا ودول إقليمية برعاية أممية في جنيف في يونيو (حزيران) 2012، حيث تحدث عن «انتقال سياسي» وتشكيل «هيئة حكم انتقالية» من المعارضة والحكومة. حصل خلاف أميركي - روسي في تفسيره، لكنه بقي يمثل مرجعية العملية السياسية إلى حين موعد التدخل العسكري الروسي في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015.
«اتفاق الصخيرات» الذي تم توقيعه في مدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015، شمل أطراف الصراع في ليبيا برعاية منظمة الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الثانية التي اندلعت في 2014، كان أهم ما تضمنه الاتفاق: منح صلاحيات رئيس الحكومة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني الذي يترأسه رئيس الحكومة وبدء مرحلة انتقال تستمر 18 شهرا، ونص على تشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء المؤتمر الوطني العام الجديد والإبقاء على مجلس النواب الليبي المنتخب في يونيو 2014، رغم الاختلاف في التفسير، بقيت مرجعية العمل السياسي وبقي رئيس حكومة الوفاق فائز السراج الجهة المعترف بها دولياً.
2 - «مؤتمر فيينا» و«قمة برلين» بعد أسابيع على التدخل العسكري الروسي، بدأت موسكو بقيادة مسار مؤتمر وزاري في فيينا بشراكة مع واشنطن ومشاركة اللاعبين الدوليين والإقليميين في أكتوبر (تشرين الأول) الذي أنتج في ديسمبر من العام نفسه «بيان فيينا» ثم القرار 2254، منذ ذاك بات القرار 2254 مرجعية العملية السياسية بالتركيز على «عملية سياسية» تتضمن إصلاحات دستورية وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة خلال 18 شهراً، وتراجع الحديث عن «الانتقال السياسي» و«هيئة الحكم». أما بالنسبة إلى «قمة برلين»، فإن المبعوث الأممي غسان سلامة لجأ إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل أشهر، كي يحثها على لعب دور بتوفير مظلة توافقات دولية - إقليمية لحماية تفاهمات الليبيين ودعم وقف النار وإطلاق مسارات سياسية وعسكرية واقتصادية. وباتت مخرجات قمة برلين المرجعية السياسية، كما هي الحال مع مؤتمر فيينا. هدف العمليتين، تشكيل حكومة وحدة وطنية.
3 - قرار في مجلس الأمن. بعد صدور «بيان جنيف» في منتصف 2012، أرادت موسكو إصداره بقرار من مجلس الأمن، لكن الخلاف بين واشنطن وموسكو حول تفسير البيان دفع واشنطن إلى معارضة ذلك بحيث إن الوثيقة الأممية الوحيدة التي أشارت إلى «بيان جنيف» كان القرار 2118 الذي تناول نزع السلاح الكيماوي نهاية 2013. وتوافق الطرفان - الشريكان بسرعة على إصدار وثيقة فيينا في القرار 2254. أما في برلين، فإن روسيا تستعجل إصدار مخرجات القمة الدولية بقرار دولي يدعم تفاهمات الليبيين أنفسهم.
4 - «مجموعة الدعم الدولية» و«مجموعة المتابعة الدولية» تشكلت الأولى من 22 دولة شاركت في مؤتمر فيينا، حيث بات ممثلوها يعقدون اجتماعات دورية في جنيف لمتابعة الملف الإنساني. كما واصل ممثلو الجانبين الأميركي والروسي متابعة تنفيذ وقف النار عبر تبادل معلومات بين مسؤولين عسكريين. أما بالنسبة إلى «مجموعة المتابعة الدولية»، فإنها ستجتمع مرة في الشهر برئاسة البعثة الأممية لمتابعة تنفيذ «قمة برلين» الليبية.
5 - الشرعية والاعتراف الدولي: تحظى الحكومة السورية باعتراف الأمم المتحدة رغم نزع دول غربية ذلك عنها، لكنها لم تشارك في صوغ «بيان جنيف» و«بيان فيينا». أما بالنسبة إلى ليبيا، فإن حكومة الوفاق برئاسة السراج، هي المعترف بها دوليا، لكن الدعم الروسي يختلف في الحالتين. لا شك أن نصوص «مسار فيينا» والقرار 2254 باتت تتحدث عن «حكومة الجمهورية العربية السورية» بعدما كان الحديث عن «النظام السوري». يعتقد أن اتجاه قمة برلين، سيكون تعزيز شرعية المشير حفتر، حليف بوتين وتخفيف شرعية السراج حليف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عبر توليد جسم سياسي جديد.
6 - مسار أممي: فتحت قمة برلين الباب أمام تشكيل لجنة عسكرية من ممثلي حكومة الوفاق والجيش الوطني، خمسة لكل منهما، لتعقد اجتماعات في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة لتعزيز الهدنة، ثم إطلاق مفاوضات 5 + 5 تمهد لوقف دائم للنار. في التجربة السورية، فإن الفجوة أوسع بين السوريين، ذلك أن أميركا وحلفاءها وروسيا وحلفاءها تكفلوا بذلك. عقد الاجتماعات الليبية في جنيف يتماشى مع التجربة السورية.
7 - مسار إقليمي: إضافة إلى المسار الدولي في جنيف، فإن روسيا أطلقت مسارا آخر في آستانة بين الضامنين الثلاثة، روسيا وإيران وتركيا، تناول أمور وقف النار والعملية السياسية. وفي قمة برلين، جرى الاتفاق على مسار سياسي آخر. وبناء على الاتفاق السياسي الليبي «اتفاق الصخيرات»، أطلقت بعثة الأمم المتحدة عملية لتأسيس منتدى للحوار السياسي الليبي على أن ينعقد خارج ليبيا بحلول نهاية الشهر الجاري ربما في دولة إقليمية.
8 - ثلاث قوائم: تضمنت قمة برلين في مسارها السياسي، تشكيل قائمة ممثلين للحوار السياسي تضم 40 ممثلاً سيتم اختيارهم بناء على مشاورات مع أطراف ليبية أساسية. حسب المعلومات أن القائمة ستضم 13 من مجلس النواب (شرق) و13 من مجلس الرئاسة (غرب - حكومة الوفاق) و14 يسميهم المبعوث الأممي. في التجربة السورية، تكفل المبعوث الأممي غير بيدرسن تسهيل تشكيل لجنة دستورية: 50 من الحكومة و50 من المعارضة و50 يسميهم المبعوث الأممي. مبادئ المثالثة والتسهيل الأممي والمحاصصة موجودة في التجربتين.
9 - «السلال» السورية والليبية: أسفرت العملية السياسية السورية عن بيع روسيا مسار «السلال الأربع» إلى الأمم المتحدة، بحيث تتضمن بحث ممثلي الحكومة والمعارضة ملفات: مكافحة الإرهاب، إصلاح الدستور، الانتخابات، والانتقال السياسي. في ملاحق بيان قمة برلين، جاء أيضا اقتراح تشكيل «سلال ست»، شملت مسارات سياسية واقتصادية ومالية وأمنية وإنسانية وحظر السلاح. الخلاف في التجربة السورية، كان حول أولويات البحث وتزامنه، ولن يخرج المسار الليبي عن ذلك.
10 - «ملكية ليبية» و«ملكية سورية»: صحيح أن اجتماعي «بيان جنيف» ومؤتمر فيينا الخاصين بسوريا عقدا من دون مشاركة السوريين. وصحيح أن قمة برلين التأمت من دون مشاركة مباشرة للمشير حفتر والسراج، فإن المسارين يشددان على أن العملية السياسية هي «ملكية وبقيادة سورية... وليبية». أي أن اللاعبين الدوليين تدخلوا لوقف التدخل.
عليه، كما قارب دبلوماسيون غربيون مسارات سوريا، في جنيف وفيينا وآستانة بكثير من التشكيك، فإنهم يسقطون الشكوك ذاتها على مسارات ليبيا. قال أحدهم: «أغلب الظن، فإن مسار برلين سيستعمل لتعزيز المكاسب العسكرية للمشير حفتر بدعم روسي كما حصل مع الأسد بدعم روسي مع خلافات في حدود وجداول ذلك».



تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)
عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)
TT

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)
عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تراجعت أنشطة بنوك يمنية بشكل حاد، ويشتكي مودعون من حالة تذمر إزاء عدم قدرتهم على سحب أموالهم، وسط إجراءات وقرارات حوثية.

تلك البنوك تقع بمناطق سيطرة الحوثيين، ويشتكي السكان من إجراءات الجماعة المدعومة من إيران، من عجزها عن تقديم خدمات بنكية.

ودفعت المعاناة البنوك إلى مزاولة أنشطة خارج اختصاصاتها، والاعتماد على فروعها بالمناطق اليمنية المحررة، وتحت سيطرة الحكومة لتغطية خسائرها، في حين تطالبها الجماعة بجبايات عن أنشطة تلك الفروع.

في الأثناء، اشتبك عدد من المودعين مع أفراد أمن أحد البنوك، على خلفية مطالبتهم بمبالغ من ودائعهم في صنعاء قبل أيام، وفقاً لمصادر قالت لـ«الشرق الأوسط» إن بعض الموظفين أيضاً يخشون خسارة مصدر دخلهم بسبب موجة تقليص وظيفي لمواجهة تراجع الإيرادات وهواجس الإفلاس الذي يهددها.

بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

وأوضحت المصادر أن المودعين اعتصموا داخل مقر البنك بعد رفض إدارته منحهم مبالغ من ودائعهم، ما دفعهم للاحتجاج بالاعتصام، قبل أن ينشب عراك بينهم وبين رجال الأمن، وتطورت الأحداث بقدوم مسلحين من أقارب بعض المودعين، حاولوا اقتحام البنك بالقوة، وتبادلوا إطلاق النار لبعض الوقت، قبل أن تتدخل قوة من شرطة الجماعة الحوثية، وتوقف الاشتباكات. لجأ البنك إلى تخفيض رواتب الموظفين العاملين في إدارته وفروعه، بنسبة 20 في المائة، بسبب أزمة السيولة النقدية التي يواجهها منذ أشهر، بعدما حجزت الجماعة أمواله في البنك المركزي الحوثي بصنعاء، ما اضطر عدداً من الموظفين إلى التوقف عن العمل احتجاجاً على خفض رواتبهم، أو للبحث عن فرص عمل أخرى. ويواجه سكان مناطق سيطرة الحوثيين أوضاعاً معيشية معقدة بسبب الحرب وسيطرة الجماعة على مؤسسات الدولة ووقف رواتب الموظفين العموميين.

أزمة نقدية

تُمْنَى البنوك اليمنية وفروعها الموجودة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بخسائر كبيرة، وتواجه أزمات نقدية حادة، وباتت غالبيتها غير قادرة على دفع مرتبات موظفيها أو تغطية مصاريفها الشهرية.

بسبب الإجراءات الحوثية تحوّلت غالبية البنوك إلى أنشطة غير مصرفية (غيتي)

يرى الباحث الاقتصادي رشيد الآنسي، أن مصير البنوك والقطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بشكل عام أصبح في مهب الريح، بعد الدخول في مرحلة شبه إفلاس منذ أصدرت الجماعة قانوناً يمنع الفائدة، ما أجهز تماماً على ما تبقى من إمكانية تحقيق إيرادات للبنوك في ظل الكساد الاقتصادي الذي تعاني منه تلك المناطق. ويبين الآنسي لـ«الشرق الأوسط» أنه، إضافة الى لجوء الناس، وخاصة رجال الأعمال والتجار، إلى الاعتماد على شركات الصرافة، فإن البنوك أضحت خاوية من العملاء تقريباً، باستثناء تلك البنوك التي تحولت إلى ما يشبه محلات صرافة لتسليم المعونات الإغاثية أو مرتبات شركات القطاع الخاص. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، فرضت الجماعة الحوثية على البنوك جبايات جديدة تحت مسمى دعم وإسناد قطاع غزة، وطالبتها بمبالغ ما بين 75 ألفاً، و131 ألف دولار (ما بين 40 مليوناً و70 مليون ريال يمني، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار في مناطق سيطرتها بـ534 ريالاً).

وطبقاً لمصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين لجأت إلى مزاولة أنشطة وأعمال تجارية ليست من اختصاصها لمواجهة حالة الركود وشبح الإفلاس اللذين يحيطان بها، ومن ذلك الوساطة بين المستهلكين والشركات التجارية والمحلات التجارية ومحال البقالة للحصول على عمولات يتحملها المستهلكون.

البنوك اليمنية تعرضت لاستحواذ الجماعة الحوثية على سيولتها النقدية المتوفرة لصالح المجهود الحربي (إكس)

ويتهم البنك المركزي اليمني الجماعة الحوثية بالاستحواذ على جزء كبير من المبالغ النقدية للبنوك التجارية في مناطق سيطرتها، وإجبارها على سحب السيولة النقدية المتوافرة في خزائن فروعها، ونقلها إلى مراكزها الرئيسية، ثم توريدها لحسابات الجماعة واستخدامها لدعم مجهودها الحربي، متسببة بعجز البنوك عن الوفاء بالتزاماتها، وفقدان ثقة العملاء بالقطاع المصرفي.

الاتكال على الفروع

يواجه عدد من البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين الأزمات النقدية ببيع بطاقات الشراء من الإنترنت وبطاقات ركوب الحافلات وبيع الذهب، بعدما فقدت، بسبب الإجراءات والقرارات الحوثية، القدرة على ممارسة مهامها الأساسية وتقديم التمويلات الضخمة والمنتجات المصرفية. ووفقاً للآنسي، لجأت هذه البنوك إلى الاعتماد على فروعها في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية التي تحقق أرباحاً كبيرة نتيجة دخولها في الدين العام وتحصيل فوائد تصل إلى 23 في المائة، إضافة إلى الحركة الاقتصادية في هذه المناطق، وتوجه رجال الأعمال والشركات التجارية للتعامل مع البنوك لسهولة الحركة بعيداً عن رقابة الجماعة الحوثية.

بنك في صنعاء تعرض للحجز التحفظي على أرصدة ملاكه قبل أعوام بأوامر من الحوثيين (إكس)

وتشترك فروع البنوك في مناطق سيطرة الحكومة في مزادات البنك المركزي، ما يحقق لها عائداً جيداً من خلال بيع العملات الأجنبية للتجار، أو من خلال فتح الاعتمادات الخاصة بالمزادات، وهو ما يتيح للبنوك في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التنفس برئة هذه الفروع. وينتقد الآنسي ما وصفه بتقاعس الحكومة اليمنية عن تحصيل ضرائب من إيرادات فروع البنوك في مناطق سيطرتها، بينما تضغط الجماعة الحوثية على إدارات البنوك في مناطق سيطرتها لإجبارها على دفع ضرائب على أرباح تلك الفروع، ما يمثل دعماً مالياً إضافياً للجماعة. وطالب الباحث اليمني البنك المركزي في عدن بعزل فروع البنوك في مناطق سيطرة الحكومة عن فروعها ومراكزها الرئيسية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، تجنباً لتحول هذه الفروع إلى ممول للجماعة.