كبير اقتصاديي الأمم المتحدة: الإصلاحات دعمت قفزة في مشاركة السعوديات بسوق العمل

هاريس حذر في حديث لـ«الشرق الأوسط» من تأثير الحروب التجارية على النمو العالمي

إليوت هاريس كبير اقتصاديي الأمم المتحدة ومساعد الأمين العام للتنمية الاقتصادية
إليوت هاريس كبير اقتصاديي الأمم المتحدة ومساعد الأمين العام للتنمية الاقتصادية
TT

كبير اقتصاديي الأمم المتحدة: الإصلاحات دعمت قفزة في مشاركة السعوديات بسوق العمل

إليوت هاريس كبير اقتصاديي الأمم المتحدة ومساعد الأمين العام للتنمية الاقتصادية
إليوت هاريس كبير اقتصاديي الأمم المتحدة ومساعد الأمين العام للتنمية الاقتصادية

عشية انطلاق أعمال الدورة الخمسين للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، دعا كبير اقتصاديي الأمم المتحدة مساعد الأمين العام أنطونيو غوتيريش للتنمية الاقتصادية، إليوت هاريس، قادة العام إلى العودة إلى التعاون الدولي متعدد الأطراف، والوفاء بالتزاماتهم الدولية، خاصة في مجالي التجارة الدولية ومكافحة تغير المناخ. وحذّر هاريس من تراجع النمو العالمي، في ظل استمرار السياسات الانكفائية، وارتفاع الحركات الاحتجاجية عبر العالم، في غياب توزيع عادل لعائدات النمو، وفشل الحكومات في رفع مستويات المعيشة.
ومن جهة أخرى، أشاد هاريس، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني، بالإصلاحات الاقتصادية التي تشهدها السعودية في إطار «رؤية 2030»، وقال إنها مهمة بالنسبة للمملكة ولغرب آسيا، كون المملكة أكبر اقتصاد في المنطقة. وسلّط هاريس الضوء على «القفزة» التي حققتها مستويات مشاركة النساء السعوديات في سوق العمل، مدعومة بالإصلاحات الاقتصادية.
إلى ذلك، وفي إطار تعليقه على التقرير الأممي حول «الوضع الاقتصادي وتوقعات عام 2020»، شدد هاريس على ضرورة التعاون الدولي لتحقيق انتقال طاقي تستفيد منه اقتصادات العالم، ويكافح تداعيات التغير المناخي بفعالية.
وفيما يلي نص الحوار:
> يحذّر كل من التقرير الأممي وتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي من الاستقطاب الداخلي، وتراجع التعاون الدولي... كيف يمكن أن تؤثر هذه التوجهات على الاقتصاد العالمي؟
- في السنوات الأخيرة، يبدو أن كثيراً من الدول بدأت في التراجع عن التعاون متعدد الأطراف، وخاصة في مجالات التجارة الدولية ومكافحة تغير المناخ. وفي الجانب التجاري، نتج عن ذلك ارتفاع في التعريفات، وزيادة حالة عدم اليقين، مما أدى إلى تباطؤ حاد في النشاط التجاري العالمي، وضعف في الاستثمار. أما على الصعيد البيئي، فقد كانت الاستجابة العالمية لأزمة المناخ المستمرة بطيئة غير كافية.
ومن المرجح أن تستمر الكوارث ذات الصلة بالمناخ في الارتفاع، من حيث الوتيرة والحدّة، في حال فشلت الدول في الوفاء بالتزاماتها العالمية، بما في ذلك تلك المتعلقة باتفاق باريس. ولن يؤدي استمرار التوجه نحو سياسات انكفائية إلى إضعاف النمو العالمي هذا العام فحسب، بل إنه يهدد أيضاً بإعاقة التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة.
> وقعت الولايات المتحدة والصين الجزء الأول من اتفاقية تجارية، مما يشير إلى نهاية محتملة للحرب التجارية الحالية... هل أنت متفائل بشأن نتيجة هذا الاتفاق؟ وهل تتوقع مزيداً من الحروب التجارية، بين الولايات المتحدة وأوروبا مثلاً؟
- خلال العام الماضي، اندلعت توترات تجارية بين دول مختلفة، ليس فقط بين الولايات المتحدة والصين، بل كذلك بين الولايات المتحدة وأوروبا، وبين اليابان وكوريا الجنوبية. ولا يفترض السيناريو المبدئي لدينا أي تصعيد إضافي للتوترات التجارية الحالية، لكن المخاطر المحدّقة بهذه التوقعات لا تزال كبيرة.
وتعد المرحلة الأولى من اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والصين بمثابة خبر إيجابي، وقد رفعت بعضاً من حالة عدم اليقين بالنسبة للشركات والمستثمرين. ومع ذلك، لا يزال يتعين حل كثير من القضايا الأساسية، على سبيل المثال تلك المتعلقة بنقل التكنولوجيا. علاوة على ذلك، ما يقلقنا هو أن هذه المفاوضات (التجارية بين الصين والولايات المتحدة) جرت خارج النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على القواعد الدولية، الذي يواجه ضغوطاً متزايدة. ومن شأن إضعاف النظام التجاري متعدد الأطراف أن يضر بآفاق النمو العالمي، عبر زيادة التكاليف وخفض الكفاءة وخلق حالة من عدم اليقين.
> مصدر آخر لعدم الاستقرار في العام الماضي كان الشكوك المحيطة بـ«بريكست»... الآن بعدما حُسم خروج بريطانيا، ماذا تتوقع أن يكون تأثير ذلك على أوروبا والعالم؟
- جوانب محورية من خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي لا تزال معلّقة. وفي حين أن توقعات الأمم المتحدة تفترض خروجاً منظماً خلال الفترة الانتقالية، فإن سيناريو «بريكست فوضوي» يفتح المجال أمام مجموعة من التداعيات السلبية على الاقتصاد الحقيقي والأسواق المالية. فقد أصبحت قرارات استثمار الشركات خاضعة لحالة من عدم اليقين السياسي، في ظل غياب الوضوح بشأن تدابير الخروج، وطبيعة وهيكلة العلاقات القانونية والاقتصادية للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي وبقية العالم بعد الفترة الانتقالية. فالشركات في المملكة المتحدة لا تعرف السوق التي ستعمل فيها (بعد بريكست)، إذ هناك احتمال لتعطيل سلاسل التوريد. فالعضوية في الاتحاد الأوروبي تتيح المرور المجاني عبر الحدود لعناصر الإنتاج، والمنتجات نصف المصنعة، قبل أن تصبح منتجات نهائية. وغياب الوضوح حول كيفية عمل هذه الآليات سيواصل تعقيد قرارات الاستثمار في المستقبل. وبالتالي، فإن «بريكست فوضوي» يشكل خطراً سلبياً كبيراً على المملكة المتحدة أولاً وقبل كل شيء، ثم على أوروبا ككل.
> تشهد السعودية إصلاحات اقتصادية مهمة، وفقاً لـ«رؤية 2030»... كيف تقيمون تأثير هذه الإصلاحات على المملكة والمنطقة؟
- نعتقد أن الإصلاحات الاقتصادية الجارية في المملكة العربية السعودية مهمة بالنسبة للمملكة ولغرب آسيا، نظراً لتأثير المملكة كأكبر اقتصاد في المنطقة.
لقد رأينا عدة علامات إيجابية لنتائج الإصلاحات. فقد وفّرت الإصلاحات المزيد من فرص العمل للسعوديين. ورغم الضعف النسبي للنمو الاقتصادي (يقدر بنسبة 0.3 في المائة لعام 2019)، انخفض معدل البطالة بين المواطنين السعوديين. ففي الربع الثالث من عام 2019، كان عند 12.0 في المائة، بانخفاض عن 12.8 في المائة في العام السابق. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الانخفاض في معدل البطالة قد حدث على خلفية زيادة المشاركة في سوق العمل، حيث دعمت الإصلاحات قفزة في معدلات مشاركة النساء. وبالتالي، يبدو أن النمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية يمر بمرحلة انتقالية نحو نمط أكثر شمولاً، مما يشكل تقدماً نحو أهداف التنمية المستدامة.
> كيف يمكن للدول تحقيق توازن بين مكافحة أزمة المناخ وتحقيق نمو اقتصادي مستقر مطّرد؟
- مكافحة أزمة المناخ ودعم نمو اقتصادي مستقر هدفان لا يحتاجان بالضرورة إلى إجراء مقايضات. في كثير من الدول، لن يجلب الانتقال نحو الطاقة النظيفة فوائد بيئية وصحية فحسب، بل سيوفر أيضاً فرصاً اقتصادية. على سبيل المثال، فإن الدول التي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري المستورد ستستفيد من تطوير مصادر الطاقة المتجددة المحلية، سواء في إطار تحسين أمن الطاقة أو تحسين ميزان المدفوعات. ويعيش 4 من كل 5 أشخاص حول العالم في دول تستورد الوقود الأحفوري، فيما ستشهد دول أخرى زيادة في الطلب على الموارد المعدنية المستخدمة في التكنولوجيا منخفضة الكربون، مثل النحاس والكوبالت والليثيوم.
ومن ناحية أخرى، فإن الدول التي كانت تعتمد على صادرات الوقود الأحفوري لتمويل الإنفاق الحكومي أو الواردات الأساسية قد تواجه خسائر في الإيرادات، ومخاطر تعثر الأصول وفقدان الوظائف.
وفي غياب سياسات مناسبة، فإن الكلفة والفائدة ستنتشر بشكل غير متساو بين الدول والأفراد. ومن الضروري اتخاذ تدابير لتعويض أولئك الذين يتأثرون سلباً، لحماية المستضعفين، وحماية الجدوى السياسية من إجراءات صعبة لكن جوهرية (يتعين على الدول اتّخاذها). وهذا يبرز الحاجة إلى سياسات دولية مبنية على التعاون والتنسيق لإحراز تقدم في عملية الانتقال الطاقي.
> في عام 2019، شهدنا حركات احتجاجية في جميع أنحاء العالم يغذيها استياء من تردي الأوضاع الاقتصادية... هل تتوقع استمرار ذلك على المدى القصير والمتوسط؟ وما الذي يمكن للدول القيام به لتحسين المساواة الاقتصادية؟
- كانت الحركات الاحتجاجية والاستياء الاجتماعي من السمات الرئيسية للاقتصاد العالمي في عام 2019. ويرتبط هذا الاستياء المتزايد بكثير من الأسباب المختلفة، بما في ذلك التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، والتمييز، والمطالب السياسية، والفساد، والتمييز على أساس الجنس، وقضايا تغير المناخ.
واندلعت احتجاجات ضخمة، وفي بعض الحالات عنيفة، في كثير من الدول عبر العالم، بما في ذلك -على سبيل المثال- لبنان وهونغ كونغ وتشيلي وفرنسا وبوليفيا وغيرها. وبينما اندلعت في بعض الدول احتجاجات على خلفية أسباب شائعة، مثل غياب المساواة الاجتماعية والاقتصادية، كانت هناك دوافع أخرى محددة (خاصة بالدولة المعنية) في أماكن أخرى.
ومن الصعب التنبؤ بما إذا كانت الحركات الاحتجاجية ستشهد ارتفاعاً، لكن المهم هو إدراك أن هذا الاستياء الاجتماعي يعكس مشكلات جوهرية تحتاج المجتمعات إلى معالجتها. وفي الواقع، قد تستمر الاضطرابات الاجتماعية والمدنية في الارتفاع، إذا ظلت عائدات النمو مركزة لدى شرائح ضيقة من السكان، وإذا كان النظام الاقتصادي لا يزال يواجه صعوبات كبيرة في توفير وظائف لائقة للجميع، ورفع مستويات المعيشة للجميع.
ونتيجة لذلك، فإن الدول بحاجة إلى بذل جهود ملموسة حاسمة، مع تغييرات سياسية واضحة، من أجل تشجيع نمو اقتصادي شامل، يكون مستداماً بيئياً ومنصفاً اجتماعياً. وحتى الآن، اعتمدت كثير من الحكومات في الغالب على السياسات النقدية التيسيرية لتشجيع النمو، ولكن بالنظر إلى أوجه عدم اليقين في البيئة السياسية، فإن هناك حاجة إلى مزيج أكثر توازناً لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الاقتصاد العالمي.
على سبيل المثال، مع معدلات فائدة عند أدنى مستوياتها التاريخية، ينبغي على الحكومات أن تستفيد من شروط التمويل المواتية لتلبية احتياجات الاستثمار العام الملحة. كما ينبغي دمج التحولات الهيكلية في سنّ السياسة المالية بعناية مع مبادرات سوق العمل، والقواعد التنظيمية التجارية والمالية، وإدخال وتوسيع نظم الحماية الاجتماعية الفعالة والحوافز الاستثمارية. والأهم هو دعم السياسات الوطنية بتعاون دولي أكثر فعالية من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، لا سيما في مجالات تغير المناخ والتجارة الدولية والمالية.


مقالات ذات صلة

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة تجمع المسؤولين السعوديين واليابانيين خلال إطلاق صندوق مؤشرات متداولة وإدراجه في بورصة طوكيو (الشرق الأوسط)

«الاستثمارات العامة السعودي» يستثمر بأكبر صندوق في بورصة طوكيو

أعلنت مجموعة «ميزوهو» المالية، الخميس، إطلاق صندوق مؤشرات متداولة، وإدراجه في بورصة طوكيو.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.