النظام يستنفر لمنع خروج المظاهرات من الجوامع وطوابير الغاز

دمشق... الموت برداً وجوعاً في السنة التاسعة للحرب

صورة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي لطوابير الغاز في دمشق وريفها
صورة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي لطوابير الغاز في دمشق وريفها
TT

النظام يستنفر لمنع خروج المظاهرات من الجوامع وطوابير الغاز

صورة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي لطوابير الغاز في دمشق وريفها
صورة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي لطوابير الغاز في دمشق وريفها

«اليوم في بنايتنا توفي طفل من البرد». جملة رماها أبو محمد في أذن جاره همساً، وهو يحاول تشتيت انتباه ابنه الصغير الذي يرافقه، ثم تابع: «لا أريد لابني أن يخاف إذا علم أن رفيقه مات بسبب البرد».
مضى أبو محمد بوجه أقفلت ملامحه على الرعب من الأعظم المجهول الآتي على عجل إلى حياة السوريين البائسة بعدما تلقى رد جاره: «الله يجيرنا من الأعظم»، في وقت كانت تمر فيه إحدى دوريات ميليشيا الدفاع الوطني في البلدة الصغيرة بريف دمشق، فالنظام في حالة تأهب أمني بدأت منذ أيام عدة في محيط الجوامع ومراكز توزيع الغاز والجمعيات الاستهلاكية والأفران، حيث تصطف طوابير السكان للحصول على المواد الأساسية، لمنع تحولها إلى مظاهرات، في ظل حالة من الغليان والقهر تستعر في الصدور.
مصادر أهلية في ريف دمشق قالت لـ«الشرق الأوسط» إن تعليمات صدرت إلى ميليشيات الدفاع الوطني لتسيير دوريات ترابض في محيط التجمعات وبالأخص الجوامع؛ إذ من المتوقع امتداد المظاهرات الغاضبة احتجاجاً على الوضع المعيشي السيئ، من السويداء إلى ريف دمشق ودمشق. وتابعت المصادر: «حالة من الغضب والقهر تفاقمت عند غالبية الناس خلال الأيام القليلة الماضية وتكاد تصل إلى حد الانفجار، مع انخفاض درجات الحرارة لتلامس الصفر في ظل انعدام وسائل التدفئة؛ إذ لا توجد كهرباء ولا مازوت ولا غاز، وارتفاع أسعار جنوني. الناس بردانة وجوعانة»، مع التأكيد أن «شتاء هذا العام هو الأصعب على السوريين بين سنوات الحرب التسع».
في أحد فروع الجمعيات الاستهلاكية في حي القصاع وقف رجل خمسيني يفتش جيوبه بحثاً عن دفتر العائلة ليتمكن من شراء كيلو سكر بالسعر المدعوم 350 ليرة، لكنه اكتشف نسيانه الدفتر في البيت. اقترحت عليه الموظفة شراء سكر بالسعر الحر، الكيلو بألف ليرة. لكنه رفض لأن في جيبه 500 ليرة فقط؛ أي نصف دولار أميركي، وإذا اشترى نصف كيلو سكر حرّ فلن يتمكن من شراء الخبز... وهكذا انسحب من الطابور خالي الوفاض بعد ساعة من الانتظار.
رئيس مجلس الوزراء بدمشق عماد خميس أقر بعجز حكومته عن ضبط الأسعار. وقال أمام مجلس الشعب في جلسته قبل الأخيرة التي حضرها الفريق الحكومي: «لا نستطيع حالياً تخفيض الأسعار، لأن هناك مواد مستوردة مرتبطة بالدولار الذي ارتفع من 500 إلى ألف ليرة؛ أي 100 في المائة». ورد ذلك إلى الحرب الاقتصادية على سوريا في عام 2019 قائلاً: «من الطبيعي ألا يكون هناك استقرار في سعر صرف الليرة في ظل الفاتورة الضخمة التي تدفعها الحكومة لتأمين الموارد». متعهداً باتخاذ «قرارات نوعية لاستقرار الليرة». وكشف عن دراسة المصرف المركزي حالياً مجموعة إجراءات حول متغيرات سعر صرف الليرة السورية.
كلام رئيس الحكومة جاء عقب إصدار مرسومين تشريعيين؛ الأول يمنع التعامل بغير الليرة السورية وسيلةً للمدفوعات، والثاني يقضي بتشديد عقوبة كل من ينشر معلومات كاذبة أو وهمية بإحدى الوسائل الإعلانية لإحداث التدني أو عدم الاستقرار في أوراق النقد الوطنية، أو أسعار صرفها المحددة بالنشرات الرسمية.
ولدى مناقشة المرسومين في مجلس الشعب، أكد خميس أنه «لن يكون هناك عبث ولو مثقال ذرة في أي وزارة لتطبيق المرسومين ‏الخاصين بتشديد العقوبة على المتعاملين بغير الليرة السورية». ‏
وتتعرض حكومة عماد خميس لحملات انتقاد واسعة في أوساط الموالين للنظام، وتتهم بالفساد مع تحميلها كامل المسؤولية عما آلت إليه أوضاع السوريين من تردٍ غير مسبوق. وشنّ ابن عم الرئيس، دريد الأسد ابن رفعت الأسد هجوماً لاذعاً على الحكومة بدمشق واتهمها بالخيانة لأنها حققت ما لم يستطع أعداء سوريا تحقيقه في «تركيع وإذلال السوريين»، بحسب منشور له على حسابه في «فيسبوك».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.