المغرب استغرب عدم دعوته لـ«برلين»

السودان احتج على إقصاء «غالبية الجوار الليبي»

TT

المغرب استغرب عدم دعوته لـ«برلين»

عبّر المغرب عن استغرابه لدعم دعوته إلى «مؤتمر برلين» حول ليبيا، وذلك تزامناً مع احتجاج سوداني مماثل على إقصاء «غالبية دول الجوار الليبي. وأوضح بيان صادر عن وزارة الخارجية المغربية، مساء أول من أمس، أن «المملكة المغربية كانت دائماً في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية، واضطلعت بدور حاسم في إبرام اتفاقات الصخيرات، والتي تشكل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد - الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين - من أجل تسوية الأزمة في هذا البلد المغاربي الشقيق»، مضيفاً أنه «لا يمكن للبلد المضيف لهذا المؤتمر، البعيد عن المنطقة وعن تشعبات الأزمة الليبية، تحويله إلى أداة للدفع بمصالحه الوطنية». وأكد البيان أن «المغرب سيواصل من جهته انخراطه إلى جانب الأشقاء الليبيين والبلدان المعنية والمهتمة بصدق، من أجل المساهمة في إيجاد حل للأزمة الليبية».
في غضون ذلك، أعلن الديوان الملكي المغربي أن الملك محمد السادس تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، مساء أول من أمس، والذي تباحث معه على الخصوص حول الأزمة الليبية عشية اجتماع برلين. وأضاف البيان أن الرئيس الفرنسي شدد بهذه المناسبة «على الدور المهم الذي تضطلع به المملكة المغربية وعلى ما تبذله من جهود مشهود بها، منذ عدة سنوات، لحل الأزمة في هذا البلد المغاربي»، مذكراً بأن «هذه الجهود أسفرت على الخصوص عن اتفاق الصخيرات، الذي أقره مجلس الأمن، ويحظى بدعم المجتمع الدولي».
وتساءل ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، في تصريح صحافي، عن المعايير والمرجعيات والخلفيات التي كانت وراء استدعاء بعض الدول للمشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا، وإقصاء دول أخرى وتوجيه الدعوات لآخرين في آخر لحظة. وأشار بوريطة إلى أن المفترض في المجهود المبذول من أجل حل الأزمة الليبية أن يكون مجهوداً للمجموعة الدولية و«ليس أصلاً تجارياً دبلوماسياً لبلد معين»، مضيفاً أن ملف الأزمة الليبية هو قبل أي شيء قضية معاناة الشعب الليبي ومسألة مصيرية بالنسبة لأمن واستقرار المنطقة المغاربية، وليس ملفاً للتباهي والاستغلال. وأضاف بوريطة أن المغرب الذي انخرط في الملف الليبي منذ البداية، انطلاقاً من انتمائه المغاربي ودوره في الحفاظ على استقرار وأمن المنطقة، مؤكداً أن انخراط المغرب في هذا الملف مستمر. وقال بوريطة: «إن المغرب لا يركض خلف الاجتماعات والمؤتمرات وأخذ الصور»، مضيفاً أن مشاركة المغرب دائماً تكون لها قيمة مضافة، وقيمة مشاركته في الملف الليبي، التي تتجلى في اتفاق الصخيرات، معروفة لدى الليبيين قبل غيرهم.
وأوضح بوريطة أن اتفاق الصخيرات المبرم في ديسمبر (كانون الأول) 2015 حتى الآن الاتفاق السياسي الوحيد الموجود إلى اليوم والمتفق عليه من قبل جميع أطراف الأزمة الليبية، كما أنه يعد المرجع الوحيد لقرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بالأزمة الليبية. وأضاف بوريطة أن عدة مؤسسات ليبية مشاركة في اجتماع برلين، كحكومة الوفاق الوطني وبرلمان طبرق، تعتبر نابعة من مقتضيات اتفاقية الصخيرات.
في غضون ذلك، أبدى السودان احتجاجا على إقصاء «غالبية دول الجوار الليبي» من المشاركة في «مؤتمر برلين» الذي عقد أمس لبحث الأزمة الليبية. وعبرت الخارجية السودانية في بيان أمس عن عدم رضا الخرطوم لتغييب غالبية دول الجوار الليبي من المشهد، ووصفت الدعوة للمؤتمر بالانتقائية والتي لم تعد على أسس واضحة. وأضاف البيان أن السودان يتابع بحرص بالغ التطورات على الصعيدين العسكري والسياسي في ليبيا.
وأعلن ترحيبه بالجهود الدولية الرامية للتوصل لحل سلمي للأزمة. واعتذرت تونس عن المشاركة في المؤتمر لتلقيها الدعوة متأخرة.
وقال بيان الخارجية السودانية إن الحرص على إنجاح مؤتمر برلين كان يقتضي مشاركة دول الجوار التي ظلت تلعب أدوارا أساسية في المساعدة لتوصل سلمي للأزمة لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا.
وأعرب السودان عن أمله أن يخرج مؤتمر برلين بما يساعد في تقدم التسوية السياسية في ليبيا. وأشار البيان إلى أن دول الجوار الليبي والسودان تتأثر كثيراً بما يجري في ليبيا، وهي الأقدر على المساهمة في تحويل ما يخرج به المؤتمر إلى واقع ملموس.
وأكد السودان قدرته على المساهمة الإيجابية في المساعي الدولية لمساعدة الأشقاء الليبيين من أجل الوصول لحل سياسي يعزز الأمن والاستقرار في الإقليم. وأشار البيان إلى إسهامات السودان في معالجة الأزمة الليبية، عبر حل سياسي تشارك فيه أطراف النزاع. وتابع: «الأزمة سياسية ولا يمكن حلها عسكريا، وإن الأطراف في ليبيا قادرة على معالجة خلافاتهم بأنفسهم، إذا توقفت التدخلات الأجنبية».
وأعلن السودان تأييده لما يتوافق عليه الأشقاء في ليبيا، ودعمه لكل المبادرات الدولية والإقليمية الساعية للوصول إلى تسوية سلمية لوقف الاقتتال في ليبيا وتجنيب الأشقاء ويلات الحرب والدمار والتدخل الخارجي. ورحب السودان بوقف إطلاق النار الذي أعلنه طرفا النزاع في ليبيا، ويأمل أن يكون وقفاً مستداماً، لأنه من دون وقف للعمليات القتالية لن يكون هناك معنى للحديث عن الحل السلمي. وشدد على ضرورة الالتزام بحظر السلاح الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على ليبيا، ليساعد على إطلاق عملية سياسية تفضي إلى توافق وطني يحقق الاستقرار في ليبيا.
واستضاف السودان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 مؤتمر دول جوار ليبيا، بمشاركة تونس والجزائر ومصر وتشاد، بحضور الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليبيا، لدفع جهود التسوية السياسية في ليبيا.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.