إعلان «القوة القاهرة» للنفط الليبي... والبعثة الأممية تحذر من «عواقب»

مخاوف من انقلاب قوات «الوفاق» عليها في حال تمرير موقف دولي بنزع أسلحتها

أعيان قبائل أمام محطة «الزويتينة» للنفط احتجاجاً على توظيف حكومة «الوفاق» عائداتها لجلب مقاتلين أجانب (رويترز)
أعيان قبائل أمام محطة «الزويتينة» للنفط احتجاجاً على توظيف حكومة «الوفاق» عائداتها لجلب مقاتلين أجانب (رويترز)
TT

إعلان «القوة القاهرة» للنفط الليبي... والبعثة الأممية تحذر من «عواقب»

أعيان قبائل أمام محطة «الزويتينة» للنفط احتجاجاً على توظيف حكومة «الوفاق» عائداتها لجلب مقاتلين أجانب (رويترز)
أعيان قبائل أمام محطة «الزويتينة» للنفط احتجاجاً على توظيف حكومة «الوفاق» عائداتها لجلب مقاتلين أجانب (رويترز)

في تلويح مباشر بالنفط كورقة ضغط قوية قبل انطلاق أعمال مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية، تم تقليص إنتاجه إلى قرابة النصف، بعدما أُوقف تصديره من موانئ في شرق ليبيا، في خطوة أيدها «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، ونددت بها مؤسسة النفط، الموالية لحكومة «الوفاق»، التي يرأسها فائز السراج في العاصمة طرابلس.
وقبل ساعات من افتتاح مؤتمر برلين، الذي يمثل إغلاق الموانئ انتكاسة قوية له، بحسب بعض المراقبين، أعلنت مؤسسة النفط «حالة القوة القاهرة» على إثر إيقاف الصادرات من قبل القيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، في إشارة إلى المشير حفتر، من موانئ البريقة ورأس لانوف، والحريقة والزويتينة والسدرة، وجاء ذلك بعد دخول عدد من «شيوخ القبائل» في شرق ليبيا إلى غرف التحكم داخل الموانئ، التي تقوم بشحن النفط إلى الخارج، وطالبوا المشغلين بإيقاف عملها، كما نصب المئات من رجال القبائل خياما داخل تلك الموانئ.
واتهمت المؤسسة في بيان لها، أمس، «القيادة العامة وجهاز حرس المنشآت النفطية في المناطق الوسطى والشرقية بإصدار تعليمات إلى إدارات كلّ النفط، التابعة للمؤسسة، بإيقاف صادرات النفط من هذه الموانئ»، مشيرة إلى أن «التعليمات بالإغلاق جاءت من قبل رئيس جهاز حرس المنشآت النفطية، اللواء ناجي المغربي، والعقيد علي الجيلاني من غرفة عمليات سرت». وحذرت من أن ذلك سيؤدي إلى خسائر في إنتاج النفط الخام بمقدار 800 ألف برميل يوميا، بالإضافة إلى خسائر مالية يومية تقدّر بنحو 55 مليون دولار في اليوم. ويأتي هذا التصعيد بعد أن اتهم شيوخ القبائل، المؤيدين للجيش، حكومة السراج باستخدام إيرادات النفط لدفع أجور لمقاتلين أجانب، في إشارة إلى قرار تركيا إرسال جنود ومقاتلين من الحرب الأهلية السورية إلى غرب ليبيا لمساعدة حكومة طرابلس في التصدي لحملة «الجيش الوطني».
ووصف الجيش الوطني على لسان المتحدث باسمه، اللواء أحمد المسماري، إغلاق الموانئ النفطية بأنها «خطوة جبارة قام بها الشعب». وقال المسماري في مؤتمر صحافي عقده في بنغازي، مساء أول من أمس، إن «الجماهير الغاضبة خرجت منذ إقرار البرلمان التركي إرسال قواته إلى ليبيا، وشاهدنا مظاهرات مستمرة (...) تندد بالقرار، الذي يسعى لإعادة احتلال ليبيا من قبل الأتراك».
كما منع محتجون أمس ناقلة نفط تابعة لشركة الخليج العربي للنفط من الرسو في ميناء حريقة بمدينة طبرق، وفقا لما صرح به لوكالة الأنباء الألمانية صلاح سكنديل، الموظف في شركة الخليج العربي، الذي أكد أن الشركة طلبت خفض الإنتاج في حقولها النفطية، ردا على ذلك.
وأضاف سكنديل موضحا: «الحراك المدني بالزنتان لإيقاف ضخ وتصدير النفط والغاز يعبر عن غضب الشعب، واستنكاره لعبث حكومة السراج بمقدرات وثروات ليبيا النفطية»، متهما الحكومة بتمويل مسلحيها والمرتزقة السوريين، المدعومين من قطر وتركيا، من عائدات البلاد النفطية.
بدوره، كرر مجلس مشايخ ترهونة هذه اللهجة في بيان، ندد فيه بجلب حكومة السراج للمرتزقة، وبيع سيادة الوطن بأموال الشعب الليبي، مؤكدا تأييده لإغلاق القبائل في المنطقة الشرقية لأنابيب حقول الهلال النفطي.
ومن جانبها، أعربت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن قلقها العميق إزاء ما يجري من تعطيل، أو وقف لإنتاج النفط في ليبيا، وحذرت من أن هذه الخطوة ستكون لها «عواقب وخيمة أولاً وقبل كل شيء على الشعب الليبي، الذي يعتمد كلياً على التدفق الدائم للنفط. كما ستكون لها أيضاً تداعياتها الهائلة، التي ستنعكس على الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور أصلاً في البلاد».
وحثت البعثة في بيان لها أمس جميع الليبيين على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، بينما تستمر المفاوضات الدولية في التوسط لإنهاء الأزمة الليبية التي طال أمدها، بما في ذلك التوصية باتخاذ تدابير لضمان الشفافية في تخصيص موارد الدولة، وجددت تأكيدها على أهمية الحفاظ على سلامة وحيادية مؤسسة النفط.
وتزامنت هذه التطورات مع اتهام الناطق باسم الجيش الوطني لتركيا باستغلال وقف إطلاق النار في طرابلس لنقل شحنات عسكرية إلى العاصمة طرابلس، إذ قال المسماري إن «تركيا استغلت وقف إطلاق النار لتدخل شحنات عسكرية جوا وبحرا، وتحت نظر عين قواتنا المسلحة، حيث نرصد كل ما يحدث في طرابلس».
وأضاف المسماري موضحا: «رصدنا تركيب تركيا منظومة دفاع جوي أميركية المنشأ في مطار معيتيقة، وتم إنزال آليات عسكرية في ميناء طرابلس البحري، إلى جانب إنزال المئات، بل الآلاف من السوريين والأتراك في العاصمة». مؤكدا أن قوات الجيش تنفذ تعليمات قائده العام المشير حفتر للرد على أي هدف... وهناك استعداد كامل للتعامل مع هذه «الخروقات».
في غضون ذلك، تسود حالة من الترقب في صفوف القوات الموالية لحكومة «الوفاق» حيال نتائج مؤتمر برلين، وسط مخاوف من انقلاب بعضهم على الحكومة في حالة تمرير أي موقف دولي بنزع أسلحتها، وإجبارها على الخروج من العاصمة طرابلس.
وقال شهود عيان وسكان محليون في طرابلس إن هناك حذرا يسود مقرات هذه الميليشيات، التي تم تعزيزها أمنيا، وحولت أيضا إلى مقرات للمرتزقة الموالين لتركيا، وسط تداول لمقاطع مصورة تؤكد وجودهم داخل العاصمة.
وما زال وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من يوم الأحد الماضي، صامدا بشكل عام مع اقترابه من إكمال أسبوعه الأول، حيث لم تشهد مناطق جنوب طرابلس اشتباكات فعلية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.