الاحتجاجات تقسم اللبنانيين حول حاكم مصرف لبنان

مؤيدوه يعدّونه حامياً للاستقرار المالي... ومعارضوه يحمّلونه مسؤولية التدهور

TT

الاحتجاجات تقسم اللبنانيين حول حاكم مصرف لبنان

منذ تعيين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (69 عاماً) على رأس المصرف المركزي في عام 1993، لم تتخطّ الانتقادات لأدائه المستوى الخجول، وبقيت صورته كحامٍ للاستقرار النقدي والعملة المحلية، إلى أن انطلقت الاحتجاجات الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، حيث ارتفعت الأصوات ضده من قوى سياسية مختلفة.
ترافق تعيين سلامة حاكماً لمصرف لبنان مع تولي الرئيس الراحل رفيق الحريري، رئاسة الحكومة. وتمّ التمديد له ثلاث مرات في 1999 و2005 و2011.
تنامى انقسام الآراء أخيراً حول سلامة، بين من يعده متسبباً بالأزمة في لبنان، لأنه «فتح باب الاستدانة الداخلية والخارجية ووضع الهندسات المالية التي صبّت في صالح القطاع المصرفي والسلطة السياسية التي تملك أسهماً في عدد كبير من المصارف المحلية»، وبين من يقول إنّه رمز إعادة بناء الاقتصاد بعد الحرب الأهلية، الذي قام في أبرز جوانبه على ازدهار القطاع المصرفي.
ويرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت جاد شعبان، أنّ «الوضع الراهن يتحمل مسؤوليته جميع أركان السلطة بمن فيهم حاكم مصرف لبنان، لا سيّما أنّه يتمتع باستقلالية، وسلطة المصرف المركزي مستقلة عن السلطات الأخرى».
ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ «الحاكم يبرر جميع سياساته بأنّها كانت من أجل تثبيت سعر صرف الليرة، «لأنّه لم يكن لدينا بديل عن ذلك، إذ إنّ حجم الاستيراد كبير، وغالبية الرواتب تدفع بالعملة الوطنية للحفاظ على القدرة الشرائية، ولكن يؤخذ عليه عدم تثبيت الأسعار ومكافحة التضخم، وهو دور طبيعي تمارسه المصارف المركزية في كل اقتصادات العالم، إلّا أنّ سلامة مارس نوعاً من الاستغناء عن هذا الدور لصالح تثبيت سعر الصرف».
ويضيف شعبان: «طوال الفترة السابقة، موّل المصرف المركزي الدين العام بمبالغ كبيرة جداً، بحجة حماية الاقتصاد والموظفين والدولة. وفي كل مرة كان تبريره أنّ الحق على من في السلطة السياسية، وبرأيي هذه الحجة غير مقنعة، إذ كان يمكن للحاكم عدم الانخراط إلى هذا الحد في عملية تمويل الدين العام منذ أكثر من عقدين، وهذا الأمر لم يحصل للأسف».
ويلفت شعبان إلى التساؤلات الكثيرة التي طرحها الناس مؤخراً، حول «كلفة العمليات المالية والاستدانة من المصارف بفوائد عالية والهندسات المالية، والأرباح الكبيرة التي حققها البعض خصوصاً أصحاب المصارف، وكان يفترض بسلامة ألا يتخلى عن دوره الرقابي للجم وضبط القطاع المصرفي». وهناك إشكالية أخرى «تتعلق باللجنة المركزية لمصرف لبنان والمعطلة منذ مارس (آذار) الماضي، بسبب عدم تعيين نواب الحاكم، وبالتالي مصرف لبنان هو الّذي يأخذ القرارات منفرداً من دون الرجوع إليها. كما أنّ حسابات المركزي وميزانيته لا تخضع منذ عامين إلى تدقيق دوري من مراقب الحكومة لدى مصرف لبنان، إذ لم يتم تعيينه والشخص الموكل إليه هذه المهام هو أحد مديري مصرف لبنان».
لكنّ آخرين يرون أن هناك «حملة ممنهجة لتحميل المركزي وحاكمه مسؤولية كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقدية التي وصل لها لبنان، من أجل هروب الطبقة السياسية من مسؤوليتها، وبالتحديد الأحزاب الحاكمة»، حسبما يقول الخبير الاقتصادي نسيب غبريل لـ«الشرق الأوسط».
ويشير إلى أن «مصرف لبنان وبالتعاون مع المصارف التجارية، أو الجهاز المصرفي ككل، تحمل منفرداً طوال 25 عاماً مسؤولية الاستقرار النقدي والمالية العامة وبالتالي الاستقرار الاجتماعي، مقابل عدم تحمل السلطة التنفيذية جزءاً من المسؤولية».
ويضيف: «أمعنت الحكومات المتعاقبة بزيادة النفقات العامة ولم تطبق الإصلاحات التي تعهدت بها، إنّ كان بعد مؤتمر باريس 2 في 2002 ومؤتمر باريس 3 في عام 2007، أو حين كانت نسبة النمو 9% سنوياً بين 2008 و2010، أو حين عُقد مؤتمر (سيدر)، وبالتالي هناك فرص ضائعة متراكمة بسبب إهمال الحكومات المتعاقبة للإصلاح الجدي، وتماديها بالتوظيف العشوائي، وعدم مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية وتطبيق القوانين بشكل كامل».
وينوه غبريل بالسياسات التي يعتمدها مصرف لبنان، إذ ملأ القطاع المصرفي الفراغ نتيجة شلل المؤسسات عند استحقاقات كثيرة، من خلال السلات التحفيزية التي أصدرها منذ 2013 والتي بلغ معدلها مليار دولار سنوياً، ومن خلال دعم القروض السنوية أو قروض الصناعة والزراعة والسياحة والمشاريع الصديقة للبيئة والتكنولوجيا، وتحمل مسؤولية تغطية العجز في الموازنة، مما أدى إلى توفير فوائد أعلى على خدمة الدين، في مقابل ابتعاد السلطة السياسية عن إقرار أي إجراء لتحفيز الاقتصاد اللبناني رغم تباطئه منذ 2011 حتى 2018، حيث بلغ الانكماش الاقتصادي 2%، حسب الإحصاءات الوطنية.
ويلفت غبريل إلى أن الحل ممكن رغم صعوبته في حال أرادت السلطة السياسية «ويبدأ بتشكيل حكومة لديها مصداقية تضع برنامجاً إصلاحياً يؤدي إلى صدمة إيجابية في الأسواق المالية والتجارية ولدى القطاع الخاص اللبناني ويرفع ثقة المستهلك والمغترب اللبناني والمجتمع الدولي».



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.