«شحّاذون ونبلاء»... مشاهدات حياتية لبسطاء المصريين

كانت مصر مسرحاً لروايات الروائي المصري الفرنسي ألبير قصيري (1913 - 2008)، الذي بدأ في أدبه في الأربعينات ثم هاجر إلى فرنسا، حيث اختار أن يبرز بسطاء القاهرة معبراً عن الروح الشعبية بتفاصيلها الصغيرة، ومن أكثر رواياته شهرة «شحاذون ونبلاء» الصادرة عام (1955)، التي نقل فيها هذه الرؤية، وهي الرواية التي نالت شهرة خاصة مع تحويلها إلى فيلم سينمائي مصري بعنوان الرواية نفسه عام 1991.
وهو العنوان ذاته الذي اختاره الفنان المصري رضا خليل، ليكون اسماً لمعرضه التشكيلي المقام في «أرت كورنر غاليري» بالقاهرة، حتى نهاية الشهر الحالي، الذي يهديه لروح قصيري، امتناناً لأدبه وفلسفته التي احتل بها مكانة عالية في الأدب العالمي.
بين أعمال المعرض؛ نرى مشاهد تحدث بشكل متكرر في شوارع مصر وميادينها، إلا أنّها استوقفت الفنان، لينظر إليها من زاوية فنية، ويترجمها في لوحاته، حيث يبرز انحيازه التام مثل قصيري، للفقراء والمُشردين والهامشيين والاستغلالين والأوغاد والكادحين والمكافحين والغارقين في صراعهم اليومي مع الحياة.
يقول الفنان رضا خليل لـ«الشرق الأوسط»، «مسرح لوحاتي هو مصر، بما تحمله من مفردات متعددة، واخترت عنوان (شحاذون ونبلاء) أولاً لتأثري بألبير قصيري، وثانياً لما أراه من كثرة الشحاذين والنبلاء في حياتنا، كما يأتي هذا المعرض بعد 35 سنة من عملي بالفن، لذا أعبر عما شكل وجداني وتفكيري، وأعرض رؤيتي في الدعوة لبساطة الحياة، فأقدم نصيحة عبر اللوحات بالكيفية التي نواجه بها الحياة، التي أراها أسهل وأكبر ممن يسببون لنا المنغصات ويضعون العراقيل أمامنا، وبالتالي أنا مع الفن البنّاء والفن التفاعلي، لذا أجتهد أن يكون وراء كل لوحة فكرة».
من بين اللوحات، نجد مشاهدات حياتية معتادة، مثل من يتسابق ليلحق القطار، والساعين للقمة العيش في الصباح مثل المزارعين وبائع الألبان والباعة الجائلين، وغيرهم من سكان القاهرة، حيث تبرز اللوحات ملامحهم في مشاهد شتى. ويقول صاحب المعرض: «هذه الفئة جزء من حياتي، فأنا أحب الناس البسطاء، وأعرف كيف أسمعهم، فاخترت ألا أهّمشهم، فأنا أعرفهم جيداً، حيث ولدت في حي شعبي، وجلست معهم وأعرف مشكلاتهم وشاهد عليها، بحكم ترددي على كثير من المناطق العشوائية، لذا أقدم هؤلاء من خلال لوحاتي بصورة جميلة، حتى أبيّن رحلتهم اليومية مع لقمة العيش، والبحث عن الراحة، رغم كل المشكلات والعراقيل التي تواجههم».
ولأن خليل ولد في حي الباطنية القريب من الجامع الأزهر، فإن الآثار الإسلامية ومشاهد الحارة المصرية حاضرة بقوة في أعماله، موضحاً: «أحاول دائماً نقل الأثر الإسلامي والحارة إلى المتلقي، لكي يراها بشكل مختلف، كما أن هناك جانباً أهدف إليه، وهو تواصل الثقافات، فالقاهرة بوتقة كبيرة تصهر كل الجنسيات، وفي نشأتي تقابلت مع كثير من الوافدين، خصوصاً من جنوب شرقي آسيا الدارسين في الأزهر الشريف، لذا أحاول أن أنقل للمتلقي الأجنبي صورة جميلة عن مصر تعلق في ذاكرته ووجدانه، وأن يشاهدوا الإنسان المصري ويحترموه».
يجمع المعرض كذلك مزيجاً من القراءات والمشاهدات تعكس نبض الفنان ورؤيته، حيث يستلهم أفكاره من منابع متعددة، فإذا كانت لوحات المشاهدات الحياتية تتعلق بالواقع، فإن هناك جانباً آخر يتعلق بالحلم، حيث تنقل لوحات بالمعرض ما عاشه في طفولته من أحلام، كما تعبر رسمات أخرى عن انتقاده لحالة معينة، مثل هدم التراث المعماري في مناطق وسط القاهرة.
كما يعتمد خليل، في بعض لوحاته، على الرمزية، مقدماً بها بعض أفكاره ورؤاه الفنية، يقول: «لا أفضل اللوحة السهلة، لذا ألجأ إلى الرمز ليكون وسيلة أوصل بها الفكرة التي في خيالي وتصل للمتلقي، حيث تذهب الدلالة الرمزية في لوحة (الجاموسة) إلى فكرة الخصب والعطاء والتضحية بألبانها ولحمها لأجل الغير، و(المومياوات) ترمز للشخص المطحون الذي يعيش، على الرغم من كل المعوقات في الحياة، أو ذلك الشخص المهدور حقه حتى أصبح شبه إنسان، و(صخور أسوان) رمز للإنسان الضئيل بجوار الطبيعة وعظمة الخالق».