ورش «المناظرات» بين الشباب الفلسطيني لتجاوز الانقسام السياسي

شباب من غزة والضفة يجتمعون لأجل المناظرات (الشرق الأوسط)
شباب من غزة والضفة يجتمعون لأجل المناظرات (الشرق الأوسط)
TT

ورش «المناظرات» بين الشباب الفلسطيني لتجاوز الانقسام السياسي

شباب من غزة والضفة يجتمعون لأجل المناظرات (الشرق الأوسط)
شباب من غزة والضفة يجتمعون لأجل المناظرات (الشرق الأوسط)

قبل عدّة سنوات لم يكن لدى الشاب إيهاب المغربي، الذي ينتمي سياسياً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قدرة تمكنه من الوقوف على منصة لمواجهة جمهور في حديثٍ سياسي أو مجتمعي، ربما لا يتوافق مع مرجعيته الفكرية، ولا سيما في ظلّ حالة التجاذب الفئوي التي يعيشها الشعب الفلسطيني بفعل الانقسام. لكنّه اليوم وبعد خوضه تجربة المناظرات التي عكفت بعض المؤسسات الأهلية على تنفيذها، صار قادراً بفضل ما اكتسبه من مهارات وخبرات، على فعل ذلك بصورة جيدة.
والمناظرات المُنظمة، هي عبارة عن جولة حوار فكري، تجري بين فريقين، أحدهما مؤيد، والآخر معارض لمقولة جدلية محددة مسبقاً، يحضرها جمهور متنوع، إضافة إلى لجنة تحكيم، تتولى مهمة تقييم مجرى المناظرة وإعطاء النتائج والملاحظات. وخلال الفترة الماضية تنامى التعامل بهذا الأسلوب الحوارى الديمقراطي بين الفئات الشابة في فلسطين بشكل عام.
يتحدث المغربي (21 عاماً) عن السمات التي اكتسبها في تجربة المناظرات، فيقول: «صرت أعي جيداً معنى الحوار العقلاني، وأفهم أنّ هناك وجهات نظر أخرى غير التي أفكر فيها. وكذلك تعزز لدي مفهوم التسامح وتقبّل الآخر بغض النظر عن الخلفيات السياسية والانتماءات»، مبيّناً أنّ الحالة الفلسطينية والانقسام المفروض عليها منذ منتصف عام 2007 لم تمنح للجيل الشاب فرصة الحوار أو معرفة معاني الديمقراطية والتعددية الفكرية، لكنّ المناظرات منحتهم ذلك.
ويتقاطع ما ذكره المغربي مع ما أدلت به الشابّة رفيف إسليم التي التحقت ببرامج المناظرات عام 2019. إذ ترى أنّ تجربة المناظرات العلنية والحوارات الفكرية التي لا يقيدها أي حد حزبي، غنية جداً، وكل ما ينتج عنها هو إيجابي بصورة شبه مطلقة، موضحة أنّهم يناقشون في المناظرات القضايا المحلية السياسية والاجتماعية والشبابية والاقتصادية، ويتطرقون كذلك للحديث حول بعض الأحداث ذات العلاقة بالمنطقة العربية والعالم، لدراسة تأثيرها على الساحة الفلسطينية.
وتروي إسليم (23 عاماً)، أنّ المناظرات بشكلٍ أساسي تقوم على البحث وجمع مختلف المعلومات حول المقولة التي يتم تحديدها مسبقاً من قِبل الجهة المنظمة، بالتوافق مع الفريقين المتناظرين، وذلك يساعد كثيراً في صقل مهارات الشباب البحثية، ويدفعهم للتدقيق أكثر في المصادر، كونهم يعلمون مسبقاً أنّ أي خطأ سيحسب لصالح الفريق المقابل، مشيرة إلى أنّ التجربة أعطتهم كذلك قدرات في مجال الخطابة ومواجهة الجمهور، ودفعتهم للغوص في أساليب الإقناع.
وفي ذات السياق، يقول عمر زين الدين، وهو من ضمن مدربي المناظرات في قطاع غزة لـ«الشرق الأوسط»: «برامج المناظرات التي ينفذها عدد من المؤسسات الفلسطينية، تعزز لدى الشباب بشكلٍ عام المعرفة في كيفية محاججة الآخر، من خلال الأدلة والبراهين العلمية الموثقة. وتعميمها على مختلف الفئات المجتمعية أمر ضروري».
ويوضح أنّ تدريب فن، كهذا، في البيئة الفلسطينية التي تعج بالخلافات والانقسامات، أمر ليس بالسهل، ويتطلب قدراً كافياً من الوعي، حتّى يتمكنون من إدارة عملية الحوار وتبادل المعلومات بصورة منظمة، لافتاً إلى أنّ التدريب يمر بعدة مراحل، أولها تهيئة الشباب من خلال العصف الذهني، وبعدها دمجهم في مجموعات لتقريب وجهات النظر بينهم، ثم الانطلاق نحو أصول المناظرة وما يتبعها.
ومن بين المؤسسات التي عملت على تعميم ثقافة المناظرات، كأداة للحوار في فلسطين، كانت مؤسسة «فلسطينيات» بفرعيها بالضفة الغربية وقطاع غزة؛ حيث سعت خلال السنوات السبع السابقة للعمل مع أكثر من 15 جامعة وكلية، لأجل تعزيز هذا الفن بين الشباب، وتؤكّد منسقة المؤسسة في غزة منى خضر، أنّ الطلبة يحصلون بمجرد التحاقهم ببرنامج المناظرات على تدريبات متنوعة تؤهلهم للخوض في الدوري التنافسي الذي يجمعهم على عدّة مراحل، وتكون نهايته تتويج فائز واحد باللقب.
وبحسب قولها، فإنّ المناظرات تركز على الفئة الشابّة، كونها الأكثر ضررا من الواقع السياسي والانقسام الداخلي، الذي جاءت آثاره على مختلف القطاعات الحياتية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.