التوسع الإنفاقي الأوروبي محل جدل عميق وخلافات جوهرية

لا اتفاق حول الآليات المحفزة للنمو والتضخم

التوسع الإنفاقي الأوروبي محل جدل عميق وخلافات جوهرية
TT

التوسع الإنفاقي الأوروبي محل جدل عميق وخلافات جوهرية

التوسع الإنفاقي الأوروبي محل جدل عميق وخلافات جوهرية

تتوالى الدعوات الأوروبية الملحة إلى إطلاق سياسات إنفاق منسقة بين دول الاتحاد في منطقة اليورو، بهدف دفع النمو والتضخم قدماً. لكن دون ذلك صعوبات جمة؛ وفقاً للمصادر المطلعة بالمفوضية في بروكسل.
فالرسالة الأولى التي أطلقتها الرئيسة الجديدة للبنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد تمحورت حول «السياسات المالية المشتركة»، بهدف السعي المنسق لزيادة الإنفاق العام في إطار «ماكرو - اقتصادي»، وعبر توزيع الأدوار بين السياسات النقدية والمالية والضريبية لضمان توفير أرضية يمكن فيها للنمو الاقتصادي أن يصعد.
ويؤكد المحلل الفرنسي في «ليزيكو» غيوم بنوا، أن الأمر المطلوب يشبه إلى حد بعيد ما قام به رئيس وزراء اليابان شينزو آبي لإخراج بلاده من براثن الانكماش. ومخطط كهذا يرتكز على 3 محاور: إجراءات نقدية استثنائية، وإصلاحات هيكلية واسعة النطاق، وتعبئة موارد مالية على صعيد الإنفاق العام.
يذكر أن ما هو ثابت مشترك في أوروبا منذ 2015 يرتكز حصراً على ما يقوم به البنك المركزي الأوروبي. فالبنك تحت قيادة ماريو دراغي كثف «تدخلاته» وبمئات المليارات من اليوروات بهدف تعزيز النمو والتضخم معاً... ولكن!، تضيف المصادر عينها: «صحيح أن تلك السياسة النقدية منحت الدول الأعضاء شروط تمويل واقتراض تشجيعية بفوائد متدنية جداً، لكن تلك الدول بقيت شبه عاجزة عن تنسيق عمل مشترك على صعيد السياسات الإنفاقية لتعزيز فرص الإفادة أكثر من سخاء تدخلات البنك المركزي الأوروبي».
ويجمع الاقتصاديون على أن زيادة واحد في المائة في العجز لغرض التوسع في الإنفاق الاستثماري تؤدي إلى زيادة في النمو الاقتصادي بنسبة 0.5 في المائة، وهذا ليس بالشيء القليل إذا عرفنا أن النمو الاقتصادي الأوروبي المتوقع لعام 2020 لا يتجاوز 1.1 في المائة.
ويتفق المحللون الماليون مع الخبراء الاقتصاديين على أن الإنعاش المتوخى ليس مستحيلاً. فمنطقة اليورو، وفقاً لمحافظ البنك المركزي الفرنسي فرنسوا فيلروا دو غالو، لا تستخدم كل هوامش المناورة؛ إذ على صعيد الاتحاد الأوروبي يبلغ متوسط الدين العام إلى الناتج 84 في المائة والعجز 0.9 في المائة، مقابل 106 في المائة و5.6 في المائة على التوالي في الولايات المتحدة الأميركية. وفي اليابان نسبة الدين إلى الناتج 238 في المائة ونسبة العجز في الميزانية إلى الناتج 3 في المائة. لكن المقارنة التي هي صحيحة نظرياً، ليست صحيحة عملياً، لأن دول الاتحاد الأوروبي ليست موحدة اقتصادياً رغم وجود عملة موحدة وقواعد وقوانين مشتركة التطبيق ومصالح متداخلة جداً... إلا إن كل دولة تحفظ حقها السيادي المستقل في تقرير ميزانيتها وتضع لنفسها ضوابط خاصة على هذا الصعيد، علما بأن هناك دولاً مثل فرنسا وإيطاليا ليست لديها هوامش مناورة على صعيدي العجز والدين العام. أما في ألمانيا وهولندا، على سبيل المثال، فالهوامش واسعة؛ لا بل فيهما فوائض في الميزانية، إلا إنهما، ولأسباب سياسية داخلية، لا يستطيعان التوسع في الإنفاق.
إلى ذلك، فإن الإنفاق العام التوسعي في بلدان شمال أوروبا لا ينعكس بالضرورة إيجاباً على مجمل دول الاتحاد. ويقول الاقتصاديون في بنك «سوسيتيه جنرال» إنه إذا زادت ألمانيا إنفاقها الاستثماري العام بمعدل واحد في المائة من الناتج، فإن النمو المحصل ارتباطاً بذلك في سلوفاكيا هو تحت 0.3 في المائة، و0.1 في المائة في النمسا وهولندا، ولا شيء يذكر في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
ويقول مفوضون في بروكسل: «في ظل عدم وجود عمل منسق، فإنه يجدر اللجوء إلى آلية اتحادية من فوق»، ويمكن تحقيق الهدف من خلال ميزانية منطقة اليورو لاستهداف الإنفاق والاستثمارات الضرورية في قطاعات ودول محددة، لكن دون ذلك صعوبات نقاش واتفاق حتى الآن في بروكسل.
والبديل المتاح، وفق الاقتصاديين، هو البنك الأوروبي للاستثمار أو أي آلية مشابهة لعمل البنك، يقع على عاتقها الاستفادة من معدلات الفائدة المنخفضة جداً لتعبئة أموال تستخدم في الإنعاش الاقتصادي. وهذا يشبه إلى حد بعيد ما نفذه «مخطط يونكر» الذي كان عبارة عن مبادرة تجريبية أظهرت نتائج إيجابية نسبياً عندما استثمرت 400 مليار يورو في الاقتصاد الأوروبي.
في المقابل، يرى مشككون أنه بخلاف صعوبة الحصول على التمويل الهائل اللازم، فهناك صعوبات عملية دون النجاح المنشود. فالذي طبقه رئيس الوزراء الياباني بتوسع إنفاقي كبير لم ينعكس على نحو جيد في النمو والتضخم، علماً بأن هناك فارقاً بين اليابان التي تعاني من الانكماش، والاتحاد الأوروبي الذي يعاني فقط من النمو الضعيف.
يذكر أن التوسع المالي الياباني كان يرمي إلى زيادة القدرة الشرائية لليابانيين حتى يزيدوا استهلاكهم؛ فإذا بهم يدخرون أكثر وينفقون أقل! لذا، في رأي اقتصاديي المفوضية في بروكسل، يجب تركيز الإنفاق على البنى التحتية التي، إذا تحدثت، تزيد تنافسية اقتصاد الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل، ولا عزاء للمدى القصير.



أميركا توسّع لائحتها السوداء ضد الشركات الصينية

حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
TT

أميركا توسّع لائحتها السوداء ضد الشركات الصينية

حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)

أعلنت الولايات المتحدة، أنها وسّعت مجدداً لائحتها السوداء التي تحظر استيراد منتجات من منطقة شينجيانغ الصينية، أو التي يُشتبه في أنها صُنعت بأيدي أويغور يعملون قسراً.

وقد اتُّهمت نحو 30 شركة صينية جديدة باستخدام مواد خام أو قطع صنِعَت أو جمِعَت بأيدي أويغور يعملون قسراً، أو بأنها استخدمت هي نفسها هذه العمالة لصنع منتجاتها.

وبهذه الإضافة، يرتفع إلى 107 عدد الشركات المحظورة الآن من التصدير إلى الولايات المتحدة، حسبما أعلنت وزارة الأمن الداخلي.

وقالت الممثلة التجارية الأميركية، كاثرين تاي، في بيان: «بإضافة هذه الكيانات، تواصل الإدارة (الأميركية) إظهار التزامها بضمان ألّا تدخل إلى الولايات المتحدة المنتجات المصنوعة بفعل العمل القسري للأويغور أو الأقليات العرقية أو الدينية الأخرى في شينجيانغ».

وفي بيان منفصل، قال أعضاء اللجنة البرلمانية المتخصصة في أنشطة «الحزب الشيوعي الصيني» إنهم «سعداء بهذه الخطوة الإضافية»، عادّين أن الشركات الأميركية «يجب أن تقطع علاقاتها تماماً مع الشركات المرتبطة بالحزب الشيوعي الصيني».

يحظر قانون المنع الذي أقرّه الكونغرس الأميركي في ديسمبر (كانون الأول) 2021، كل واردات المنتجات من شينجيانغ ما لم تتمكّن الشركات في هذه المنطقة من إثبات أن إنتاجها لا ينطوي على عمل قسري.

ويبدو أن المنتجات الصينية ستجد سنوات صعبة من التصدير إلى الأسواق الأميركية، مع تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية تزيد على 60 في المائة على السلع الصينية جميعها، وهو ما أثار قلق الشركات الصينية وعجَّل بنقل المصانع إلى جنوب شرقي آسيا وأماكن أخرى.

كانت وزارة التجارة الصينية، قد أعلنت يوم الخميس، سلسلة من التدابير السياسية التي تهدف إلى تعزيز التجارة الخارجية للبلاد، بما في ذلك تعزيز الدعم المالي للشركات وتوسيع صادرات المنتجات الزراعية.

وكانت التجارة أحد المجالات النادرة التي أضاءت الاقتصاد الصيني في الآونة الأخيرة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضعف الطلب المحلي وتباطؤ قطاع العقارات، مما أثقل كاهل النمو.

وقالت الوزارة، في بيان نشرته على الإنترنت، إن الصين ستشجع المؤسسات المالية على تقديم مزيد من المنتجات المالية؛ لمساعدة الشركات على تحسين إدارة مخاطر العملة، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق بين السياسات الاقتصادية الكلية للحفاظ على استقرار اليوان «بشكل معقول».

وأضاف البيان أن الحكومة الصينية ستعمل على توسيع صادرات المنتجات الزراعية، ودعم استيراد المعدات الأساسية ومنتجات الطاقة.

ووفقاً للبيان، فإن الصين سوف «ترشد وتساعد الشركات على الاستجابة بشكل نشط للقيود التجارية غير المبررة التي تفرضها البلدان الأخرى، وتخلق بيئة خارجية مواتية لتعزيز الصادرات».

وأظهر استطلاع أجرته «رويترز»، يوم الخميس، أن الولايات المتحدة قد تفرض تعريفات جمركية تصل إلى 40 في المائة على وارداتها من الصين في بداية العام المقبل، مما قد يؤدي إلى تقليص نمو الاقتصاد الصيني بنسبة تصل إلى 1 نقطة مئوية.