شاشة الناقد: الفيلم: Just Mercy

مشهد من «رحمة عادلة»
مشهد من «رحمة عادلة»
TT

شاشة الناقد: الفيلم: Just Mercy

مشهد من «رحمة عادلة»
مشهد من «رحمة عادلة»

الفيلم: Just Mercy
إخراج: دستِن دانيال كريتون
تقييم الناقد: (جيد)
هناك رجال لا تتناقل وكالات الأخبار ومواقع الإنترنت أخبارهم كونهم لا يثيرون الفضائح ولا هم أصحاب مشاكل ومتاعب. أحد هؤلاء هو برايان ستيفنسون. أفريقي أميركي نشأ وعاش في ولاية ألاباما ويعرف الكراهية والعنصرية ظهراً عن قلب. لكن معرفته ليست وحدها التي تقف وراء اندفاعه في عمله منذ عقود وهو البحث عن القابعين في السجون متهمين ظلماً بجرائم لم يرتكبوها.
في حياته الواقعية، ناضل هذا الرجل ونجح في إنقاذ حياة كثيرين كان بعضهم ينتظر حكم الإعدام. فيلم «رحمة عادلة» يتناول نموذجاً محدداً بشخصية متهم اسمه وولتر (جايمي فوكس) كان في طريقه في يوم عادي عندما اعترضه البوليس (من البيض) طريقه وقادوه معتقلاً حيث تم، وفي سرعة يؤكدها الفيلم، إيداعه السجن ثم تقديمه للمحكمة التي سارعت بدورها لإدانته على الرغم من عدم وجود أدلة. صاحبنا هذا يجد نفسه بانتظار حكم إعدام أصدره قاض أبيض من دون الاستناد إلى أي دليل. التهمة هي قتله فتاة بيضاء كان البوليس فشل في معرفة الجاني الحقيقي.
هذه ليست تركيبة منحرفة قليلاً عن قصة فيلم «في حرارة الليل»، حيث يحاول محقق أسود (سيدني بواتييه) إثبات براءة مواطن من لون بشرته يقبع في سجن بلدة تمارس العنصرية كلما استيقظت من النوم. بل هي حكاية واقعية حول المدافع عن حقوق الإنسان (كما يؤديه مايكل ب. جوردان) وبين متهم ينظر للعالم من خلف القضبان رافضاً التصديق أن برايان سينجح في تبرأته كونه يعلم تماماً - كما برايان ذاته - أن العدالة عنصرية وعمياء في رحى الجنوب الأميركي.
لكن الفيلم مستوحى من قضية حقيقية تنتهي بنجاة وولتر من الكرسي الكهربائي. بالتالي هناك قدر ملحوظ من اعتماد الفيلم على سرد ما في حوزته من مشاهد على نحو مباشر. في ذلك يطرق باباً تقليدياً في معالجته ومحمّلاً بالدراما التي تتحمل ميل المخرج لتصنيف الشخصيات في الفيلم تصنيفاً تقليدياً كذلك.
في مشهد إلقاء القبض على وولتر نلحظ أن رجال البوليس مستعدون لإطلاق النار عليه تحت أي ذريعة. في ذلك المشهد وسواه يتنفس الفيلم أجواء وبيئة المجتمع المترنح تحت مشاكله العنصرية. والأمثلة على هذا تمتد بعد ذلك مواكبة أحداث القصة التي تسعى لأن تأتي مطابقة مع الواقع باستثناء ما يفرض على الفيلم السينمائي من اختصارات أو لي ذراع الواقع توخياً لإزكاء التأثير الدرامي على نحو فعلي. لكن الفيلم لا يغض النظر عما يلقاه برايان نفسه من إهانات لمجرد أنه أسود.
فيلم مؤلم، يتمنى المرء لو كان أكثر فاعلية على صعيد الحرفة الفنية ولو أن هذا لا يجعله أقل أهمية مما هو عليه.



شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.