باريس تقترب أكثر من واشنطن وتدعو إلى اتفاق موسع جديد مع طهران

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان يلقي كلمة أمام الجمعية الوطنية في باريس أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان يلقي كلمة أمام الجمعية الوطنية في باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

باريس تقترب أكثر من واشنطن وتدعو إلى اتفاق موسع جديد مع طهران

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان يلقي كلمة أمام الجمعية الوطنية في باريس أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان يلقي كلمة أمام الجمعية الوطنية في باريس أمس (أ.ف.ب)

رغم لجوء الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) أول من أمس، إلى تفعيل آلية فض النزاعات، المنصوص عليها في الاتفاق النووي مع إيران، ما يمكن أن يقود إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران، التي رُفعت عنها بداية العام 2016 بفضل الاتفاق، ما زالت باريس تريد للملف النووي المعقد حلولاً سياسية. لكنها في الوقت عينه تُعيد التأكيد على تصورها لهذا الحل، وهو ما سبق للرئيس إيمانويل ماكرون ولوزير خارجيته جان إيف لو دريان أن دافعا عنه منذ أكثر من عامين، وتحديداً منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عزمه على الخروج من الاتفاق النووي.
وفي التصريحات التي أدلى عصر أمس أمام الجمعية الوطنية، عاد لو دريان إلى «ثوابت» الدبلوماسية الفرنسية، ليذكر بأن الحل الوحيد الذي تراه باريس أهلاً للخروج من الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران يتمثل في أن توافق طهران على اتفاق جديد موسع مقابل التخفيف التدريجي للعقبات الاقتصادية والتجارية والمالية والنفطية التي فرضتها الإدارة الأميركية على إيران.
وقال الوزير الفرنسي ما حرفيته: «إن الجهود التي تبذلها بلاده والشركاء الأوروبيون منذ سبتمبر (أيلول) 2017 للشروع في مفاوضات جديدة، تشمل أنشطة إيران النووية بعد 2025 وبرنامجها للصواريخ الباليستية وأنشطتها الإقليمية، مقابل خفض العقوبات الأميركية، هي السبيل الوحيد للمضي قدماً». وأضاف: «هذا البرنامج لا يزال قائماً وممكناً.. إنه اليومَ السبيلُ الوحيدُ للخروج من الأزمة».
كذلك اعتبر لو دريان أن الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في خطر، لأن «إيران تفرغه من مضمونه على نحو مستمر، ويتعين عليها احترام التزاماتها، مثلما نفعل نحن». وفي أي حال، فإن لو دريان حرص على التأكيد أن الخطوة التي أقدمت عليها العواصم الأوروبية الثلاث المعنية (باريس ولندن وبرلين) ليس غرضها إعادة فرض عقوبات على إيران، ولكن «إيجاد حلول دبلوماسية للخلافات» القائمة معها.
حقيقة الأمر أن العواصم الأوروبية الثلاث مثلما نص عليه بيانها المطول، أول من أمس، تبدو «حذرة» في مقاربتها، بمعنى أن تفعيل «الآلية» هدفه الأول دفع طهران للتفاوض معها، وللعودة عن انتهاكاتها للاتفاق. لكنها تعتبر وهو ما عبّر عنه لو دريان، أن ذلك «غير كافٍ» بل هو مقدمة للولوج إلى مفاوضات تفضي إلى اتفاق أوسع وأشمل. وسبق للرئيس ماكرون من على منصة الأمم المتحدة في العامين الماضيين، وبمناسبة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن طرح خطة متكاملة تقوم على الإبقاء على الاتفاق الحالي، وإطلاق مفاوضات تتناول المسائل الرئيسية الثلاث التالية؛ مستقبل البرنامج النووي الإيراني لما بعد العام 2025، وتحجيم البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني، وسياسة طهران الإقليمية المزعزعة للاستقرار. إلا أن الطرح الفرنسي - الأوروبي واجه رفضاً مزدوجاً أميركياً وإيرانياً، فلا الرئيس ترمب قَبِل به قبل فرض العقوبات، ولا بعدها، ولا الجانب الإيراني وافق على التفاوض، مع الإشارة إلى وجود أصوات إيرانية أحياناً متناقضة. لكن الجديد فيما ذكّر به الوزير لو دريان أنه لم يعد يشير إلى التمسك باتفاق 2015، بل إنه ذهب مباشرة إلى المطالبة باتفاق «أوسع»، أي أشمل، يضم القطاعات الثلاثة المشار إليها. ولذا، ثمة تساؤلات عما إذا كانت باريس أخذت تحتذي بلندن، وتحديداً ما قاله رئيس الوزراء بوريس جونسون لجهة الذهاب مباشرة إلى آفاق جديدة، يفترض أن تكون شروطه، من الزاوية الأميركية والغربية بشكل عام، أكثر تشدداً مما كانت عليه في الاتفاق الأول.
وفي أي حال، فإن الجدل بين طهران والعواصم الأوروبية الثلاث لا بد أن يتطور في الأيام المقبلة، على خلفية الاتهامات المتبادلة، حيث يؤكد الطرف الأوروبي أنه «التزم» نصوص الاتفاق، وأن إيران بصدد إفراغه من محتواه، فيما يرد الجانب الإيراني باتهام أوروبا بعدم الالتزام بمحتواه وتأكيد أن تحللها من عدد كبير من بنوده يستند إلى البند الـ36 منه، الأمر الذي ينفيه الأوروبيون نفياً مطلقاً. يضاف إلى ذلك أن طهران سبق لها أن نبهت الأوروبيين من «خطورة» الإقدام على تفعيل آلية فض النزاعات، واعتبرت تصرفاً كهذا «خطأ أحمر». لذا، يتعنى ترقب ما سيكون عليه الرد الإيراني الفعلي في الأيام المقبلة، فيما يسعى الأوروبيون لاحتواء ردود الفعل والتركيز على سعيهم للعثور على حلول دبلوماسية.



إردوغان تحت ضغط المعارضة لصمته تجاه الحوار مع أوجلان

صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)
صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان تحت ضغط المعارضة لصمته تجاه الحوار مع أوجلان

صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)
صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)

يواجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضغوطاً من أحزاب بالمعارضة لتوضيح موقفه من الاتصالات الجارية مع زعيم حزب «العمال» الكردستاني السجين عبد الله أوجلان في مسعى جديد لإنهاء الإرهاب وحل المشكلة الكردية في تركيا.

من ناحية أخرى، أجلت محكمة في إسطنبول، الأربعاء، النطق بالحكم في قضية يواجه فيها رئيس بلدية إسطنبول، المعارض، أكرم إمام أوغلو، حكماً بالحبس وحظر نشاطه السياسي إلى أبريل (نيسان) المقبل.

ورغم تأييد إردوغان المبادرة التي أطلقها حليفه في «تحالف الشعب»، رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، للسماح لأوجلان بالحديث أمام البرلمان وإعلان حل حزب «العمال» الكردستاني، المصنف منظمة إرهابية، وإلقاء أسلحته وانتهاء مشكلة الإرهاب في تركيا مقابل النظر في إطلاق سراحه، لم يدل بتصريحات تعكس موقفه من الإفراج عن أوجلان بعد 25 عاماً أمضاها بسجن جزيرة إيمرالي ضمن عقوبة السجن مدى الحياة، لتأسسيه وقيادته منظمة إرهابية.

جانب من لقاء داود أوغلو ووفد إيمرالي (موقع حزب المستقبل التركي)

وقال رئيس حزب «المستقبل» المعارض، أحمد داود أوغلو، خلال كلمة بالبرلمان الأربعاء، جاءت بعد لقائه «وفد إيمرالي الجديد»، الذي يضم نائبي حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» سري ثريا أوندر وبروين بولدان والسياسي الكردي المخضرم، أحمد تورك، الاثنين: «هناك من يحاولون تعبئة الشارع وتأليب الأتراك ضد الأكراد والعرب، معتبراً أنهم يخدمون إسرائيل، لقد تكلم الجميع، لكن من يتحدث باسم الدولة هو الرئيس، وهو من سيتحمل عواقب الفشل الذي قد يحدث، وعليه أن يخرج ويشرح موقفه بوضوح».

بابا جان ووفد إيمرالي (موقع حزب الديمقراطية والتقدم)

بدوره، أكد رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم»، علي باباجان، الذي التقى وفد إيمرالي بمقر حزبه، الثلاثاء، ضرورة الإعلان عن خريطة طريق للعملية الجارية حالياً، قائلاً: «نعلم أن البرلمان هو مكان الحل، لكن عندما نأخذ في الاعتبار نظام إدارة البلاد، يحتاج إردوغان إلى توضيح وجهة نظره».

جولة «وفد إيمرالي»

واختتم «وفد إيمرالي»، الثلاثاء، جولة على الأحزاب السياسية، عقب اللقاء الذي تم مع أوجلان في سجن إيمرالي في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، للتباحث حول ما دار في اللقاء، والتصور المطروح لحل المشكلة الكردية في تركيا، وإنهاء الإرهاب وحل حزب «العمال» الكردستاني.

لقاء وفد إيمرالي مع رئيس البرلمان نعمان كورتولموش الخميس الماضي (موقع حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب)

وبدأت الجولة بلقاء رئيس البرلمان، نعمان كورتولموش، ورئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي، الخميس الماضي، ثم لقاءات مع رئيس حزبي «المستقبل» أحمد داود أوغلو، و«السعادة» محمود أريكان، ورئيس المجموعة البرلمانية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم عبد الله غولر، وعدد من نواب رئيس الحزب، الاثنين، ثم لقاء رؤساء أحزاب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، أوزغور أوزال، و«الديمقراطية والتقدم»، علي باباجان، و«الرفاه من جديد» فاتح أربكان، الثلاثاء.

واستثني من اللقاءات حزب «الجيد» القومي، الذي رفض أي مفاوضات مع أوجلان.

الرئيسان المشاركان السابقان لحزب «الشعوب الديمقراطية» صلاح الدين دميرطاش وفيجن يوكسكداغ (أرشيفية)

وأعلن حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الأربعاء، أن «وفد إيمرالي» سيلتقي، السبت، الرئيس المشارك السابق لحزب «الشعوب الديمقراطية»، صلاح الدين دميرطاش، في محبسه في ولاية أدرنه، (غرب تركيا)، والرئيسة المشاركة السابقة للحزب، فيجن يوكسكداغ، في سجن كانديرا بولاية كوجا إيلي، بشمال غربي تركيا، الأحد، في إطار عرض ما دار خلال اللقاء مع أوجلان، والخطوات التي ستتخذ لاحقاً في إطار العملية الجديدة، والتي قد تتضمن لقاءات جديدة مع أوجلان.

ويقبع دميرطاش ويوكسكداغ في السجن بتهم تتعلق بدعم الإرهاب، والاتصال مع منظمة إرهابية (حزب «العمال» الكردستاني).

صدام بين القوميين

ونشب صدام بين أحزاب الجناح القومي في تركيا حول اللقاءات مع أوجلان ودعوته إلى البرلمان واحتمال إطلاق سراحه، ووقع تراشق بين رئيس حزبي «الحركة القومية» دولت بهشلي، ورئيس حزب «الجيد» مساوات درويش أوغلو، الذي رفض الحوار مع أوجلان ووصفه بـ«خطة الخيانة» ورفض استقبال «وفد إيمرالي».

بهشلي خلال لقاء مع وفد إيمرالي الخميس الماضي (موقع حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب)

وبعدما هاجم بهشلي درويش أوغلو بطريقة مبطنة في البرلمان، الثلاثاء، رد الأخير قائلاً: «نحن نعرف جيداً من يديرك كما تدار الكرة».

واتهم رئيس حزب «النصر»، أوميت أوزداغ، بهشلي بأنه يرتكب جريمة ضد الدولة والأمة التركية، ويحاول تركيع تركيا أمام منظمة إرهابية (العمال الكردستاني).

وانتقد الأمين العام لحزب «الحركة القومية»، عصمت بويوكتامان، درويش أوغلو، قائلاً «إن تعبيراته (الفاحشة) تعني أنه لا يستطيع أن يضبط فمه عندما ينقطع الخيط ويدرك أنه سيخسر».

كما رد على تصريحات أوزداغ قائلاً: «لا أحد يستطيع إخضاع الدولة التركية، ويجب على أوزداغ أن يعرف ذلك جيداً، أينما كان السيد دولت بهشلي، فإن الخيانة والاستسلام غير واردين».

في السياق ذاته، أكد نائب رئيس حزب «الحركة القومية»، فيتي يلدز، أن «هناك شرطاً واحداً لكي يستفيد أوجلان من (الحق في الأمل) في إطلاق سراحه، وهو أن يصدر تقرير عن الطب الشرعي يؤكد أنه مريض وغير قادر على تلبية احتياجاته الخاصة».

محاكمة إمام اوغلو

على صعيد آخر، أجلت محكمة في إسطنبول جلسة النطق بالحكم في قضية اتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول من حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، أكرم إمام أوغلو، بـ«التزوير في المناقصات» خلال فترة رئاسته لبلدية «بيلك دوزو» في إسطنبول، قبل فوزه برئاسة بلديتها الكبرى في عام 2019.

أكرم إمام أوغلو (من حسابه في إكس)

وكان المدعي العام طالب بحبس إمام أوغلو لمدة تتراوح بين 3 و7 سنوات، وحظر نشاطه السياسي لمدة مماثلة للحكم، لكنه طلب الحصول على وقت إضافي في الجلسة الثامنة التي عقدت، الأربعاء، وكان مقرراً أن يقدم فيها مذكرة تتضمن رأيه، وقررت المحكمة التأجيل إلى جلسة 11 أبريل المقبل.

وقبل انعقاد الجلسة قال محامي إمام أوغلو، كمال بولاط، إن تقرير الخبراء في الملف وقرار مجلس الدولة الصادر فيها، يوضحان أنه لا يمكن اتخاذ قرار آخر غير البراءة.