خلال عشاء مع عدد من معاوني المسؤول عن السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بورّيل مساء الاثنين في بروكسل، دار الحديث مطوّلاً حول التحركات الدولية لرئيس المجلس الأوروبي، الرئيس السابق للحكومة البلجيكية شارل ميشال، منذ تسلمه مهامه مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وما تحمله من دلالات واضحة على نيّته الإمساك بقياد السياسة الخارجية التي يُفترض أن يتولّى بورّيل تنسيقها والإشراف عليها.
الاستياء يبدو واضحاً ضمن الدائرة الضيّقة حول بورّيل، خاصة بعد التصريح الذي صدر مؤخراً عن أحد المسؤولين في المجلس الأوروبي الذي قال: «ثمّة هاتفان فقط في بروكسل يمكن لرؤساء الدول من خارج الاتحاد الأوروبي الاتصال بهما: هاتف رئيس المجلس وهاتف رئيسة المفوضية»، في إشارة إلى الرد الأوروبي على تساؤل هنري كيسنجر عندما كان وزيراً للخارجية الأميركية عن الجهة التي ينبغي الاتصال بها في أوروبا لمناقشة أزمة عالمية.
ويقول أحد معاوني بورّيل إن مناصب المسؤول عن السياسة الخارجية الأوروبية استحدث في العام 2019 للإجابة عن تساؤلات كالتي طرحها كيسنجر، وإنه أصبح بإمكان العواصم الدولية منذ ذلك التاريخ الاتصال بهذا الرقم عندما تحتاج لمعرفة الموقف الأوروبي من قضيّة دولية معيّنة.
لكن الذين تابعوا عن كثب المفاوضات المعقّدة والصفقات التي أسفرت عن توزيع المناصب القيادية في المؤسسات الأوروبية أواخر العام الماضي، لاحظوا كيف أن معادلة جديدة للصلاحيات بدأت تشقّ طريقها داخل الهيكل التنظيمي للاتحاد، وكيف أن رئيسة المفوضية ورئيس المجلس يسعيان إلى تقليص صلاحيات الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والحد من دوره الريادي في العلاقات الدولية للاتحاد.
وتجدر الإشارة إلى أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي دفع برلين وباريس إلى التفاهم مع لندن حول الاحتفاظ لهاتين العاصمتين بقيادة السياسة الأوروبية في الأمن والعلاقات الدولية خارج الإطار الذي يحدده ميثاق الاتحاد، خاصة أن إدارة الدبلوماسية الأوروبية ما زالت مسألة معقّدة حيث القرارات الحاسمة تُتخذ في عواصم الدول الأعضاء وليس في بروكسل. مصدر مقرّب من شارل ميشال أكّد إلى «الشرق الأوسط» أن رئيس المجلس وبورّيل على اتصال يومي وينسّقان كل المواقف والتحرّكات، مضيفا: «لكن منذ سنوات أصبحت السياسة الخارجية الأوروبية في عهدة رؤساء الحكومات، ومن الطبيعي في هذه الظروف أن يتولّى رئيس المجلس مسؤوليتها». لكن أوساط بورّيل ترى أن ميشال يحاول أن يقصر دور الممثل الأعلى للسياسة الخارجية على ما يرادف دور وزير وطني للخارجية، وأن يكون تواصله مع نظرائه في الدول الأعضاء، بحيث تبقى اللقاءات على المستوى الأعلى مع رئيس المجلس أو رئيسة المفوضية.
أورسولا فون در لاين تبدو من جهتها مرتاحة لهذه المعادلة الجديدة التي تشقّ طريقها داخل الاتحاد، وقد أظهرت بوضوح أنها ستحتفظ لنفسها بتمثيل أوروبا في اللقاءات الدولية الكبرى، تاركة السياسة الخارجية بيد الدول التي يمثّلها شارل ميشال في بروكسل. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المسؤول عن السياسة الخارجية في الاتحاد كان يتولّى، في الهيكل التنظيمي السابق للمفوضّية، النيابة الثانية للرئيس، بينما أصبح يتولّى منصب النائب الرابع للرئيس في الهيكل الجديد. ولا شك في أن تركيز فون در لاين على أولويات أخرى، دفع شارل ميشال إلى تصدّر المشهد الخارجي الأوروبي في الأسابيع الأخيرة، خاصة بعد اغتيال قاسم سليماني واتسّاع دائرة القتال في ليبيا. فهو كان أول مسؤول أوروبي يدعو إلى التهدئة بين واشنطن وطهران، وفي الأسبوع الماضي قام بزيارة إسطنبول والقاهرة لبحث الأزمة الليبية مع الرئيسين التركي والمصري. وفي معرض تبريرها لنشاط رئيس المجلس على الجبهة الخارجية، تقول أوساط مقرّبة منه: «أولويات الاتحاد الأوروبي للفترة المقبلة هي الميثاق الأخضر والثورة الرقمية والموازنة الجديدة، لكن ليس بإمكاننا الانكفاء على الجبهة الخارجية حيث قد تنشأ أزمات تؤدي إلى أزمات سياسية داخل الاتحاد كما حصل مع الأزمة السورية». وتجدر الإشارة أن المادة الخامسة عشرة من ميثاق الاتحاد تنصّ على «تكليف رئيس المجلس تمثيل الاتحاد في شؤون السياسة الخارجية، بما لا يمسّ بصلاحيات الممثل الأعلى».
أوساط بورّيل من جهتها تعتبر أن حضور ميشال البارز قد يشكّل قيمة مضافة للسياسة الخارجية الأوروبية، ما دام هناك تنسيق مع الممثل الأعلى. وتقول هذه الأوساط إن التنسيق موجود، وتذكّر بأن نشاط ميشال يستند إلى المعلومات التي يعدّها جهاز العلاقات الخارجية الذي يضمّ 4 آلاف موظف بإشراف بورّيل.
وتجدر الإشارة أن دور ميشال يساعد على تعزيز الدور الفرنسي في رسم السياسة الخارجية الأوروبية، نظراً للعلاقة الوطيدة التي تربط بين الاثنين مند تولّي الأول رئاسة الحكومة البلجيكية وبحكم انتمائهما إلى الأسرة الليبرالية. ويذكر أن جولة ميشال على إسطنبول والقاهرة جاءت بعد غداء عمل مع ماكرون في باريس. ومساء الاثنين الماضي تناول رئيس المجلس الأوروبي طعام العشاء مع الرئيس الفرنسي في أعقاب القمة التي نظمتها باريس مع دول الساحل الأفريقية التي تتصدر المواجهة مع المنظمات الإسلامية المتطرفة.
وتفيد مصادر في بروكسل بأن القمة الاستثنائية الدولية الأولى التي يعدّها ميشال في مارس (آذار) المقبل، ستكون أيضا مخصصة لمنطقة الساحل الأفريقية التي تقع ضمن أولويات فرنسا الدولية.
معادلة جديدة للصلاحيات تشقّ طريقها داخل الاتحاد الأوروبي
رئيسة المفوضية ورئيس المجلس يسعيان للحد من دور ممثل السياسة الخارجية

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يلتقي رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال (رويترز)
معادلة جديدة للصلاحيات تشقّ طريقها داخل الاتحاد الأوروبي

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يلتقي رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال (رويترز)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة