ودائع المصارف تقلصت 11.5 مليار دولار في 11 شهراً

الصدمات تصيب الموارد المالية للجهاز الأقوى في الاقتصاد اللبناني

TT

ودائع المصارف تقلصت 11.5 مليار دولار في 11 شهراً

شهدت المؤشرات الرئيسية للقطاع المصرفي اللبناني بداية التحولات الصادمة جراء تفاقم الأزمات الداخلية، وانضمت بيانات الودائع إلى مسار التقهقر الحاد، وسط ترقب بحصيلة تراجع سنوية تتجاوز 15 مليار دولار، وربما تصل إلى ما يوازي نحو 10 في المائة من إجمالي كتلة ودائع القطاع الخاص المقيم وغير المقيم، كما كانت في نهاية العام الماضي البالغ نحو 178 مليار دولار، وذلك بعد تقلص فعلي تجاوز عتبة 11 مليار دولار حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وإذ تتوجس الأوساط المصرفية من تواصل الضغوط على بند الودائع في السنة الجديدة، مقابل تفاقم الصعوبات التي تواجه أداء وتشغيل محفظة التسليفات على خلفية انكماش الاقتصاد، وتعطل حركة العمل والإنتاج في أغلب القطاعات، وانضمام عشرات آلاف العاملين في القطاع الخاص شهرياً إلى البطالة التامة أو الجزئية، يتوقع أن تعمد المصارف إلى تشديد إضافي في التدابير المتخذة لتقييد السحوبات النقدية بالليرة عبر فروعها وأجهزة الصرف الآلي، فيما بلغت تلبية السحوبات بالدولار حدود الندرة عند مستويات تقل عن 300 دولار نقدي أسبوعياً.
وبمعزل عن تأثير الفجوة الكبيرة بين سعر الدولار الرسمي المحدد عند 1510 ليرات للدولار، والسعر الحقيقي المتداول عند مستوى 2200 ليرة للدولار، والمعتمد فعليا في عمليات الاستهلاك، فقد أظهرت البيانات المصرفية المجمعة لدى البنك المركزي انحدار إجمالي ودائع الزبائن (من قطاع خاص وقطاع عام) بنسبة 6.27 في المائة، توازي نحو 11.2 مليار دولار (16867 مليار ليرة) لغاية شهر نوفمبر الماضي، لتصل بذلك إلى 167.37 مليار دولار، مقابل 178.6 مليار دولار في بداية العام.
وبرز في تحليل البيانات المجمعة التي رصدتها «الشرق الأوسط»، التراجع الشهري الحاد في بند الودائع الإجمالية بنسبة 3.38 في المائة (5.85 مليار دولار) في شهر نوفمبر وحده، وهو الشهر الذي تلا عاصفة الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفرضت إقفالا تاما للمصارف على مدى أسبوعين متتاليين. مما أنتج موجات سحوبات عارمة بعد إعادة فتح أبواب المصارف، بالترافق مع سريان حالة هلع وخوف على المدخرات سيطرت على تحركات المودعين.
وكان بند ودائع الزبائن (من قطاع خاصّ وقطاع عامّ) يسجل تراجعا معتدلا بنسبة 2.99 في المائة لغاية شهر أكتوبر 2019، ليبلغ الإجمالي نحو 173.23 مليار دولار، لكن الضغوط زادت حدة بعد اصطدام محاولات التطمين التي تصدر عن مرجعيات نقدية ومصرفية بوقائع مختلفة في ردهات البنوك، حيث تتفاقم الشكاوى من ندرة الدولار وقيود سحبه وفوضى المعاملات، وفي أوساط التجار والمستوردين الذين يعجزون عن إتمام عملياتهم المعتادة لجهة التسهيلات وفتح الاعتمادات وتبديل مخزون البيع بالليرة بالعملة الصعبة، علما بأن الاقتصاد المحلي يرتكز بشكل كبير على الدولار مع مستوردات تصل إلى 20 مليار دولار سنويا.
وتعززت المخاوف مع زيادة حدة الاضطراب في الأسواق المالية والاستهلاكية، وتواصل تسجيل ارتفاعات صاروخية تراوح بين 25 و40 في المائة على مجمل أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية. وذلك رغم ما تعانيه الأسواق عموما من ركود متصل بحصر المشتريات بالضرورات الحياتية. ويرتقب وفق معطيات وإحصاءات يجري تجميعها لدى مؤسسات وجمعيات تعنى بحماية المستهلك، أن يندفع مؤشر التضخم بنسبة 15 في المائة بنهاية الشهر الأخير من العام الماضي، مراكما بذلك حصيلة تقارب 30 في المائة منذ بداية العام.
وفي تفاصيل التراجع الحاد لبند الودائع خلال الأشهر الـ11 الأولى، تقلصت ودائع القطاع الخاص المقيم بنسبة 5.22 في المائة، توازي نحو 7 مليارات دولار، لتصل إلى نحو 129.4 مليار دولار. توازياً مع تدنّي ودائع القطاع الخاص غير المقيم بنسبة 12.07 في المائة، تساوي نحو 4.55 مليار دولار لتصل إلى 33.17 مليار دولار، وقابلتهما زيادة «نظرية» في ودائع القطاع العام بنسبة 11.61 في المائة لتصل إلى 4.77 مليار دولار. وقد تقلّصت ودائع الزبائن المحررة بالليرة اللبنانيّة بنسبة 17.22 في المائة، لتصل إلى ما يوازي 46 مليار دولار. وانخفضت الودائع المحررة بالعملات الأجنبيّة بنسبة 1.33 في المائة، لتصل إلى 121 مليار دولار. بذلك، ارتفعت نسبة الدولرة (الودائع المحررة بالدولار) في ودائع القطاع الخاص إلى 74.69 في المائة مع نهاية شهر نوفمبر، من 70.62 في المائة في نهاية العام 2018 و69.89 في المائة في نوفمبر من العام 2018.
في المقابل، انكمشت تسليفات المصارف اللبنانيّة إلى القطاع الخاصّ (من المقيمين وغير المقيمين) بنسبة 11.62 في المائة، ما يوازي 6.9 مليار دولار، مع نهاية الشهر الحادي عشر من العام 2019 لتصل إلى نحو 52.5 مليار دولار، مقابل 59.4 مليار دولار في بداية العام، ليصل بذلك معدل القروض من ودائع الزبائن إلى 31.36 في المائة، مقابل 33.26 في المائة في نهاية العام 2018.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.